الإضافة في اللغةِ العربِيَّةِ هيَ نسبةٌ بين لفظتين، تُنسبُ الأولى إلى الثانيةِ بغيةَ تعريفِها أو تخصيصِها. تُدعى اللَّفظة الأولى مضافاً والثانية مضافاً إليهِ، مثالُ: «هذا ابن زيدٍ» فبالإضافة عُرِفَ الولدُ بأنه ابنٌ لزيدٍ بعدما كان مجهولاً، ويُجرُّ المضافُ إليه في حين يُعرَبُ المضافُ حسبَ موقعهِ في الجملةِ.
- أن يَتمَيَّزَ الاسمُ الأولُ (المضافُ) فيُعرَفَ وذلكَ بنسبتهِ إلى معرفةٍ (المضافُ إليهِ) كما في قولنا: «غادر مدرسُ الفيزياءِ» فعُرِفَ هذا المدرسُ -بعدما كانَ نكرةً (مجهولاً)- لاختلافِهِ عنِ الآخرينَ بكونهِ يدرِّسُ الفيزياءَ، ويضافُ الشيءُ إلى سواهُ لأدنى ملابسةٍ أوِ ارتباطٍ بينهما، ففي قولهِ تعالى: ﴿كأنهم يومَ يروْنها لمْ يلبثوا إلا عشيةً أو ضُحاها﴾(1) [العشيّةُ: منِ انتصافِ النهارِ -أو أوانِ الظهرِ- إلى الغروبِ، والضحى: من طلوعِ الشمسِ إلى الظهرِ]، أضيفَتِ «الضحى» إلى الضميرِ العائدِ على «العشيّةِ» وليس بينهما ملابسةٌ إلا كونُهُما طرفَيِ النهارِ.[5] قال سيبويهِ: «ألا ترى أنّك تقولُ: هذا حبُّ رُمّانٍ، فإذا كانَ لك قلتَ: هذا حبُّ رمّاني، فأضفتَ الرمّانَ إليك، وليس لك الرمّانُ إنما لك الحَبُّ».[7] يقصدُ أضفتَ الرمّانَ لنفسكَ لملابسةٍ معه وهي ملكُكَ حَبّه فحسب.
- أو يَتمَيَّزَ «المضافُ» تخصيصاً بإضافتِهِ إلى نكرةٍ، مثالٌ: «هذا سائق حافلةٍ» إذ لم يعدِ «المضافُ» مجهولاً جهالةً تامَّةً ولا معروفاً تمامَ المعرفةِ، بل يُدعى حينها نكرةً مُخصَّصَة.
والاسمانِ المتضايفانِ يكتسبانِ بـ«الإضافةِ» معنىً زائداً لايُفيدُهُ أيٌّ منهما بمفردهِ، فـ«ساعي البريدِ» يفيد معنىً خاصّاً هو من يقومُ بتسليمِ البريدِ، وهوَ يختلفُ عن معنى الساعي على إطلاقهِ، ومعنى البريدِ على إطلاقهِ كذلك، وهو قولهم: «هي نسبةٌ تقييديّةٌ بين اسمينِ»،[8] أيْ قُيّدَ الأولُ بالثاني فاكتسبَ منه معنىً زائداً ولم يعدْ على إطلاقهِ.
وغرضُ «الإضافةِ» سواءً أكان للتعريفِ أم للتخصيصِ هو الغاية الحقيقيّة من «الإضافة».[9] على أنَّهُ ثمَّة نوعٌ ثانٍ يُلحقُ بالإضافةِ وهو «الإضافةُ اللفظيَّةُ» لايفيدُ تعريفاً ولا تخصيصاً يردُ لاحقاً.
وتسمى أيضاً «الإضافةَ المحضةَ»، وتُحْملُ على أحدِ ثلاثةِ معانٍ كلٌّ منها يختصُّ بحرفِ جرٍّ:[10]
1 - لامُ الملكِ أو الاختصاصِ: كقولنا: «داري» أي دارٌ لي، «رأيُ خالدٍ» أي رأيٌ لخالدٍ، وهي أكثرُ ما يقعُ في الإضافاتِ.[9] ونقولُ مثلاً: «طائرةُ الخطوطِ الجويّةِ الماليزيّةِ» على سبيلِ الملكيّةِ، و«غداً تقلعُ طائرتُنا» -أيْ التي نسافرُ بها- على سبيلِ الاختصاصِ.
2 - مِنْ البيانيّةِ: حينَ يكونُ المضافُ إليهِ جنساً للمضافِ، كقولنا: «ثوبُ حريرٍ» أو «ثوبُ الحريرِ» أيْ ثوبٌ مِنْ حريرٍ، ولا فرق بين إضافة الاسم إلى جنسه باستعمال مِن وبدون استعمالها، فحذفها للتخفيف، وإذا حُذف حرف الجر مِن وكان المضافُ مُنوّناً نُصب المضاف إليه لأنه تمييز، فيقال هذا ثوبٌ خزاً (الخزُّ تمييز).[11]
3 - في الظرفيّةِ: حينَ يكونُ المضافُ إليهِ ظرفاً في المعنى للمضافِ، كقولنا: «أتعبني سهرُ الليلِ، وحراسةُ الحقولِ» أي سهرٌ في الليلِ وحراسةٌ في الحقولِ.
ودعِيَتْ هذهِ الإضافةُ معنويّةً لأنها تفيدُ أمراً معنويَّاً وهوَ تعريفُ المضافِ (جعله معرفةً) أو تخصيصُهُ،[12]
وسبقَ القولُ إلى أنَّ هذا النوعَ هوَ الغايةُ الحقيقيّةُ منَ «الإضافةِ»، لذلك متى أطلقَ لفظُ الإضافةِ أريدَ به «الإضافةُ المعنويّةُ» هذه.[9] وعلى هذا قالَ «المناوي» في كتابهِ «التوقيفُ على مهمَّاتِ التعاريفِ»: «الإضافةُ ضمُّ شيءٍ إلى شيءٍ، ومنهُ» الإضافةُ «في اصطلاحِالنحاةِ، لأنَّ الأولَ مُنْضمٌّ للثاني ليكتسبَ منهُ التعريفَ أوِ التخصيصَ»،[13] فقصدَ «الإضافةَ المعنويةَ» وحسب.
والمضاف إلى معرفةٍ له درجة المعرفة التي يُضاف إليها، فإذا أضيفتِ الكلمة إلى اسمٍ علَمٍ مثل غلام زيد، فالمضاف علَم، وكذلك ما يَضاف إلى اسم الإشارة والاسم الموصول، ما عدا ما يُضاف إلى المُضمرِ فإن المضاف لا تكون له درجة المضمر بل درجة العلَم، كقولهم غلامُك، فإن هذا المضاف له درجة العلَم.[14]
الإضافة اللفظية
أوِ «الإضافةُ غيرُ المحضةِ»، وفيها يكونُ «المضافُ» أحدَ "المشتقَّاتِ" التي تعملُ عملَ الفعلِ، يُضافُ هذا المشتقُ إلى معمولِهِ الذي يصبحُ «المضافَ إليهِ»، وهذي "المشتقاتُ" هي:[12][15]
«اسمُ الفاعلِ»: كما في قولهِ تعالى: ﴿قلِ اللَّهُمَّ فاطرَ السماواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشهادةِ﴾(3)، وهنا اسما الفاعلِ «فاطَرَ» و«عالِمَ» عاملانِ في المفعوليْنِ «السماواتِ» و«الغيبِ»، وقدْ أضيفَا إليهما.
وفي هذا النوعِ منَ الإضافةِ يصحُّ إعمالُ «المضافِ» فنقولُ مثلاً: «اللاعبُ مكسورةٌ رجلُهُ» وعندها ينوَُّنُ «المضافُ» ولايعودُ مضافاً، بلِ غدا «المضافُ» و«المضافُ إليهِ» هما «رجلُهُ» منَ الاسمِوالضميرِ، (هنا تعربُ مكسورٌ خبراً، ورجلُ مقعولاً بهِ لاسمِ المفعولِ مكسورٌ). وتتّسِمُ «الإضافةُ اللفظيّةٌ» بإمكانيَّةِ استبدالِ فعلٍ مكانَ الاسمِ المضافِ ولايتغيَّرُ المعْنى، ففي المثالِ: «هذا اللاعب مكسورُ الرَِجلِ» يمكنُ أنْ يُقالَ «كُسرَتْ رجلُهُ» (استبْدالُ الفعلِ المبنيٌِ للمجهولِ باسمِ المفعولِ)، وهوَ معنى العبارةِ: «إعمالُ المضافِ» (أي أصبحَ عاملاً في الاسمِ بعدَهُ كما الفعلِ).
و«الإضافةُ اللفظيّةٌ» ضربٌ منَ التخفيفِ اللفظيِّ لا غيرَ، كالقولِ: «ضاربُ زيدٍ» تخفيفاً من القولِ «ضاربٌ زيداً»[12]، وفي المثالِ: «صادقِ امْرّءّاً حسنَ الخلقِ» (حسن: صفةٌ لامرئٍ وهيَ مضافٌ، والخلقُ: مضافٌ إليهِ) يُحذفُ التنوينُ (علامةُ التنكيرِ) بسببِ الإضافةِ فيخفَّ اللفظُ (بدلاً من «امْرّءّاً حسناً خلقهُ»)، ويجدرُ الانتباهُ هنا إلى أنَّ الصفةَ المشبَّهَةَ بالفعلِ «حسنَ» لم تكتسبْ تعريفاً منْ إضافتِها ل«الخُلُقِ» بدليلِ أنَّها وصفتْ نكرةً («امرءاً») والمعرفةُ لاتصفُ النكرةَ،[16] ولذلكَ عندما ساقَ ابنُ هشامٍتعريفَهُ للإضافةِ اللفظيَةِ قالَ فيهِ: «أنْ يكونَ المضافُ صفةً، والمضافُ إليهِ معمولاً لتلكَ الصفةِ»،[12] فهي إذن لاتعدو كونَهَا صفةً من حيثُ معناها وعملُها. قالتِ الخنساءُ (ت: 24هـ)[هامش 1] ترثي أخاها صخراً:
حمَّالُ ألويةٍ، هبَّاطُ أوديةٍ
شهَّادُ أنديةٍ، للجيشِ جرَّارُ
من أحكام الإضافة
امتناع دخول علامات التنكير و«أل» التعريف على المضاف
لمَّا كانتِ الغايةُ منَ «الإضافةِ» التعريفَ بالمضافِ أو تخصيصَه أي جعْلُهُ معْرفةً أو نكرةً مخصصة، امتنعَتْ -عندئذٍ- علاماتُ التنكيرِ منِ الدخولِ عليهِ كالتنوينِ في الاسمِ المفردِ، والنونِ في كلٍّ منَ المثنَّىوجمعِ المذكَّرِ السالمِ، كما في قولِنا: «حضرَ مهندسا الدارِ وبنَّاؤوها» فالأصلُ في حالِ التنكيرِ مهندسانِ، وبنَّاؤونَ، ونقولُ في الإعرابِ: حُذفتِ النونُ للإضافةِ (أي بسببِها)، قال تعالى في سورة القمر: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ٢٧﴾(5)، والأصلُ مرسلِونَ،[2] وكذلك الملحق بالمذكر السالم، في الآية «شغلتنا أموالنا وأهلونا» إذ أُضيفت كلمة «أهلون» إلى ضمير الجمع «نا»، فصارت «أهلونا»، وشذت من الملحق بعض الكلمات، مثل كلمة الأرَضون، والسنون، فيجوز أن يقال فلانٌ قضى سِني حياته، وفلانٌ قضى سنينَ حياته، إعراب «سني» ملحق بالمذكر السالم منصوب بالياء وُحذفت النون للإضافة، ويعرب «سنينَ حياته» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف، وحياته مضاف إليه.[17][18]
ومثلما صار «المضافُ» معرفةً فامتنعَتْ عليهِ علاماتُ التنكيرِ، كذلكَ يمتنعُ عليهِ دخولُ «أل» التعريفِ لأنَّهُ لايجوزُ أنْ يجتمعَ على الاسمِ تعريفانِ في آنٍ،[19] ولو صارَ الاسمُ المحلّى بـ«أل» علماً لغَلَبَةِ الاستعمالِ مثلَ «المدينةِ المنوَّرَةِ»، أوْ لأصلِ التسميةِ مثلَ «القاهرةِ»، أو لتعريب الاسم مثل «اللاذقية»، فإنهُ عندَ الإضافةِ يُجرَّدُ منْها، فيقالُ مثلاً: «مدينةُ الرسولِ» و«قاهرةُ المعزِّ» و«لاذقية العرب».[20]
فالفعلُ «شغفَ» باتّصالهِ بالضميرِ «نونِ النسوةِ» (وهوَ في محلِّ رفعٍ فاعلِ) صارَ دالَّاً على المؤنثِ مراعاةً للمضافِ إليهِ مع أنَّهُ عاملٌ في المضافِ «حبَّ» وهوَ مذكَّرٌ، وبالمثلِ القولُ: «رضى أمِّكَ نفعتْكَ»، والقولُ: «تمَّ طباعةُ الكتابِ»، وشرطُ هذهِ القاعدةِ أنْ يستقيمَ المعْنى إذا ماحُذِفَ «المضافُ» وقامَ «المضافُ إليهِ» مُقامَهُ، ففي المثالِ الأوَّلِ يمكنُ القولُ: «وما الديارُ شغفْنَ قلبي»، وفي الثاني: «أمُّكَ نفعتْكَ»، وفي الثالثِ: «تمَّ الكتابُ»، أمَّا في قولنا مثلاً: «صحيفةُ خالدٍ مُزِّقَتْ» فلايستقيمُ المعْنى إذا قلنا «خالدٌ مُزِّقَ» وعليهِ لايصحُّ القولُ: «صحيفةُ خالدٍ مُزِّقَ».[25]
على أنَّ الأوْلى مراعاةُ جنسِ المضافِ على الدوامِ[25] إلا لغايةٍ في المعْنى متوخّاةٍ كما في قولِهِ تعالى: ﴿إنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ منَ المحسنين﴾(14) فالغايةُ الإشارةُ إلى قربِ اللهِ عزَّ وجلَّ من المحسنينَ كما رحمتُه.
ولكنَّ هذا ليسَ في كلمةِ «كلٍٍّ»، إذِ الأصحُّ فيها تأنيثُ العائدِ عليها إذا كانَ المضافُ إليهِ مؤنَّثاً مع أنَّ لفظَها مذكَّرٌ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينة﴾(15).[25]
«كلا» و«كلتا» و«كل»، والأسماء الملازمة وغير الملازمة للإضافة
«كلا» و«كلتا» و«كلّ» من الأسماءِ التي تُلازمُها «الإضافةُ»، فلا تُذكرُ إلا مضافةً.[26]
وإذا أضيفتْ «كلا» و«كلتا» إلى اسمٍ ظاهرٍ أعربَتَا إعرابَ الاسمِ المقصورِ (وهوَ الاسمُ المنتهي بألفٍ) فتقدَّرُ عليهِما جميع حركاتُ الإعرابِ، وهما -هنا- لاتُضافانِ إلا إلى معرفةٍ دالَّةٍ على اثنينِ، مثال: «كلا الرَّجلينِ سافرَ»، و«مررْتُ بكلتا البلدتينِ».[26] قال تعالى في سورة الكهف: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ٣٣﴾(16).
وأمَّا «كلٌّ» فالأفصحُ معها إذا أضيفتْ إلى معرفةٍ الإفرادُ مراعاةً للفظِها، كما في قولِهِ تعالى: ﴿وكلُّهمْ آتيهِ يومَ القيامةِ فَرْدا﴾(17)، وإذا أضيفتْ إلى نكرةٍ أو نُوِّنَتْ بعد حذفِ المضافِ إليهِ فالأفصحُ مراعاةُ المعنى، كما في قولِهِ تعالى: ﴿كلُّ حزبٍ بما لدَيْهمْ فرحون﴾(18) حيثُ روعِيَ معنىالجمعِ معَ أنَّ حزبَ مفردٌ، وكذلك ﴿كلٌّ إلينا راجعون﴾(19) (التقديرُ كلُّهُمْ راجعون).[26]
ثمَّةَ أسماءٌ ملازمةٌ للإضافةِ غالباً أو دائماً، فإذا ماوردتْ في جملةٍ عرفنا أنها مضافةً إلى ما بعدَها، مثلُ: «بعضِ» و«جميعِ» (إذا لم تُنوَّنَا)، و«غيرِ»، و«سوى»، و«مثلِ»، و«معَ»، و«لدى»، و«شبهِ»، و«ذي» (أو «ذو» في حالةِ الرفعِ)، والظروفِ: «فوقِ»، و«تحتِ»، و«يمينِ»، و«شمالِ»، و«يسارِ»، و«شرق»، و«غرب»، و«جنوب»، و«بين»، و«أمامِ»، و«خلفِ»، و«وراءِ»، و«قبلِ»، و«بعدِ»، و«عندِ»، و«قُدَّامِ» (بمعنى «أمامِ»)، و«جرّاء».
والأربعُ الخاصّةُ بضرورةِ الشعرِ هيَ الفصلُ بينَ المتضايفيْنِ بغيرِ معمولِ المضافِ، أو بفاعلِ المضافِ، أو بنعتِ المضافِ، أو بالنداءِ.[29]
العدد والإضافة
في العددِ نقول: «عندي ثلاثة إخوةٍ» فإخوةٌ هنا مضافٌ إليهِ، و«أحدَ عشرَ ديناراً» فدينارٌ تمييز.
إضافة الأعدادِ المركبة
قد يضافُ العددُ فيستغني عندئذٍ عن التمييز (أي المعدود)، لأنك لم تضفْ إلا والمميَزُ معلومُ الجنسِ عندَ السامعِ، مثلُ: "هذه عَشَرَتُكَ"، و"عِشْرو أبيكَ (حذفتِ النونُ للإضافةِ)، وأحدَ عشرَ أخيكَ، ويُستثنى من ذلك "اثنا عشر" و"اثنتا عشرة"، وفيما يلي تفصيلُ أوجهِ إضافةِ الأعدادِ من أحدَ عشرَ إلى تسعةَ عشرَ (11-19):[31]
أ- يلازمُ العددُ البناءَ على فتحِ الجزأيْنِ في أحوالهِ جميعاً على رأي جمهور البصريينِ، فنقول: "هذهِ خمسةَ عشَرَ زيدٍ" (خمسةَ عشرَ: عددٌ مركّبٌ مبنيٌّ على فتحِ الجزأيْنِ في محلِّ رفع خبر، وهو مضافٌ)، و"إنَّ خمـسةَ عـشَرَ زيدٍ عندي" (خمسةَ عشرَ: في محلِّ نصبِ اسمِ إنّ، وهو مضافٌ)، و"حافـظتُ على خمسةَ عشرَ زيدٍ (خمسةَ عشرَ: في محلِّ جرٍّ بحرفِ الجرّ، وهو مضافٌ)، والاسمُ الظاهرُ مضافٌ إليه.
ب- يلازمُ الجزءُ الأوّلُ البناءَ على الفتح ويعربُ الجزءُ الثاني بحسبِ العواملِ فيكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً حسبَ موقعهِ من الجملةِ، نحو: «هـذه سبعةَ عشرُكَ»، «إنَّ سبعةَ عشرَكَ عندي»، «حافظْتُ على سبعةَ عشْرِ زيدٍ».
ت- يبنى الجزءُ الأولُ على الفتح ويعربُ الجزءُ الثاني بالجرِّ بالإضافةِ، ثم يجرّ ما بعده بالإضافةِ لفظاً أو محلاً، نحوُ: هذه تسعةَ عَشْرِ زيدٍ، رأيتُ تسعةَ عَشْرِ زيدٍ، مررْتُ بتسعةَ عشرِ زيدٍ.
ث- أن يعربَ الجزءُ الأولُ بحسبِ العوامل، ثم يضافُ الصدرُ إلى العجز، فالعجزُ مجرورٌ بالإضافةِ أبداً على هذه اللغةِ، ثم يكونُ العجزُ مضافاً إلى ما يذكرُ بعده، فنقولُ: «هذهِ خمسةُ عَشْرِ زيدٍ»، برفع (خمسة) على الخبرية وإضافتها إلى (عشر) المضافةِ بدورها، وجرّ «زيدٍ» للإضافةِ إليه. وهو مذهبُ الكوفيين.
أحكام متفرقة
يُجمعُ المضافُ جمعَ تكسيرِ أو جمعاً سالماً، فنقولُ: عبادُ اللهِ، وعبيدُ اللهِ، جمعاً لعبدِ اللهِ، ونقولُ كذلكَ: عبدو اللهِ (جمعُ مذكرٍ سالمٌ أضيفَ إلى معرفةٍ فحذفتْ النونُ، وأصلهُ عبدونُ). ويُقالُ: «أبناءُ عمٍّ» و«ابنا خالةٍ» كما يُقالُ: أبناءُ أعمامٍ، وابنا خالتينِ، والأولُ أشيعُ، ولو حضرَ ثلاثةٌ كلٌّ يدعى «أبو زيادٍ» قلنا: «حضرَ آباءُ زيادٍ» مع أنَ ابنَ كلٍّ منهم مختلفٌ، كما يجوزُ: آباءُ زيادونَ.[32]
وفي هذا دليلٌ على أن المتضايفيْنِ يصبحانِ كالكلمةِ الواحدةِ لآنَّ جمعَ الأوَّلِ «المضافِ» أغنى عنْ جمعِ الثاني «المضافِ إليهِ»، مثلُ قولنا «ردودُ الفعلِ» و«ردودُ الأفعالِ» بمعنىً واحد.
تختصُّ «الإضافةُ» -بحسبِ التعريفِ- بالأسماءِ فقطْ، فلايُضافُ الفعلُ ولا الحرفُ إلى شيءٍ آخرَ مثلما لايضافُ إليهِمَا شيءٌ آخرُ.
وإذا كانَ المضافُ شديدَ الإبهامِ فلايتعيّنُ بإضافتهِ إلى معرفةٍ مثلُ كلماتِ: غير، سوى، مثل، نظير، شبه... مثال: «جاءني رجلٌ مثلكَ»، «وجدتُ نظيرَ دراجتكَ»، «أحضرْ ثوباً غيرِ هذا»، وهنا لم يتعيّنِ الرجلُ في المثالِ الأولِ، ولا النظيرُ في المثالِ الثاني، ولا الثوبُ في المثالِ الثالثِ مع إضافتهِمْ جميعاً إلى معارفَ ولكنْ تخصّصوا.[33]
و«المضافُ» يُعرَبُ حسبَ موقعِهِ في الجملةِ، أمَّّا «المضافُ إليهِ» فهوَ مجرورٌ دائماً، وهوَ معربٌ ولابُبنَى (لايقالُ مبنيٌَ على الكسرِ).
ومثلما لايجوزُ أنْ يتقدَّمَ المجرورُ على حرفِ الجرِّ، فكذلك لايتقدَّمُ «المضافُ إليهِ» على «المضافِ»، لأنَّ الإضافَةَ أشبهتِ «الجارَّ والمجرورَ» فالمضافُ يجرُّ المضافَ إليهِ كما سلفَ القولُ، وهما أضحيا بمنزلةِ الكلمةِ الواحدةِ كالجارِّ والمجرور.
إذا اتَّصلَ أحدُ الضمائرِ المتّصلةِ باسمٍ ظاهرٍ، كانَ الاسمُ مضافاً والضميرُ في محلِّ جرٍّ مضافٍ إليهِ. والضمائرُ التي تردُ في محلِّ جرٍّ في العربيةِ أربعةٌ وهيَ: ياءُ المتكلمِ، وكافُ المخاطَبِ أوِ الخطابِ، وهاءُ الغائبِ، و«نا» الدالَّةُ على الجماعة. كالقولِ: «رأيتُ صديقِيَ وزوجَكِ وسيارتَهُ من نافذةِ منزلِنا»، وورودُها في محلِّ جرٍّ خاصٌّ بالأسماءِ لا بالأفعالِ مثلما هي ضمائرِ الرفعِ والنصبِ.
إذا أضيفَ الاسمُ إلى ياءِ المتكلمِ كُسِرَ آخرهُ لمناسبةِ الياءِ، وجازَ في الياءِ التسكينُ والفتحُ، مثلُ: «قمتُ بنصيبي منَ العملِ» أو «بنصيبيَ»، و«سموتُ بآخلاقِي» أو «بأخلاقِيَ»، إلا إذا كانَ "مقصوراً" (وهوَ كلُّ اسمٍ ينتهي بألفٍ لازمةٍ أصليّةٍ غيرِ زائدةٍ)، أو "منقوصاً" (وهوَ كلُّ اسمٍ معرَبٍ في آخرِهِ ياءٌ لازمَةٌ أصليّةٌ غيرُ مُشدَّدةٍ مكسورٌ ما قبلَهَا)، أو "مثنى"، أو "جمعَ مذكّرٍ سالماً"، فوجَبُ تسكينُ آخرهِ وفتحُ الياءِ. أمثلةٌ: «إنَّ عصايَ لجميلةٌ»، «أنتما صاحبايَ الوفيَّانِ».[هامش 3]
7 ـ اختصارُ الكلامِ: مثالُهُ: «تحدثتُ إلى حارسِ المدرسةِ»، بدلاً من «تحدَّثْتُ إلى منْ يحرسُ المدرسةَ».
8 ـ التعبيرُ عنِ التفضيلِ المطلقِ: مثالُهُ: قال رسولُ اللهِ ﷺ:《إنَّ من شرِّ الناسِ منِ اتَّقاهُ الناسُ لشرِّهِ》[37]
[هامش 4] وقالَ ﷺ:《أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ؛ تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْناً، أو تَطرُدُ عنهُ جوعاً》[38] وقال ﷺ:《أشد الناس عذاباً للناس في الدنيا، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة》.[39]
9 ـ التعبيرُ عنْ أغراضٍ بيانيَّةٍ: كالتشبيهِوالاستعارةِوالكنايةِوالمجازِ: ومن أمثلتِهِ: «انطلقَ العداءُ انطلاقَ السهمِ» (بحذفِ كافِ التشبيهِ)، وقولُهُمْ: «ألقى عصا التَّرحالِ» كنايةً عن استقرارِهِ بعدَ طولِ تَطوافٍ في البلادِ، وقولهمْ «دودةُ كتبٍ» كنايةً عنِ المرءِ كثيرِ المطالعةِ والقراءةِ، و«ابنُ السبيلِ» كنايةً عنِ المنقطع عن الرجوعِ إلى بلدهِ، و«سَحَابَةُ النهارِ» كنايةً عن معظمِ النهارِ، و«سَحَابَةُ صيفٍ» كنايةً عن ضعفِ التأثير، و«مرورُ الكرامِ» كنايةً عن قصر المدةِ، و«طويلُ الباعِ» كنايةً عن الخبرة، و«قليلُ ذاتِ اليدِ» كنايةً عن الفقرِ، و«قليلُ الحيلةِ» كنايةً عن العجزِ، وعكسها «واسعُ الحيلةِ»، و«لم ينبسْ ببنتِ شفةٍ» أي لم يفتحْ فمه بحرفٍ، و«عاد بخُفَّيْ حنينٍ» كنايةً عن الخيبةِ، ومثلها «خالي الوفاضِ»، و«طريحُ الفراشِ» كنايةً عنِ المرضِ، و«اندلعتْ ألسنةُ اللهبِ» كنايةً عنِ شبوبِ النارِ، و«موطئ قدم» كنايةً عن حيّزٍ صغير، و«قاب قوسينِ» كنايةً عن شدة القرب زماناً أو مكاناً، و«عنقُ الزجاجة» كناية عن اشتدادِ الأزمةِ وضيقِ الأمر، و«أمرٌ ذو بالٍ» كنايةً عن أهميته، و«ضرب بخطتهِ عرضَ الحائطِ» إذا أهملها ولم يُعرْها اهتماماً، ومثله «ألقاها خلفَ ظهرهِ»، و«ذهب أدراج الرياح» إذا ضاع وصار هباءً منثوراً، و«مربط الفرس» و«بيت القصيد» كناية عن محل الشاهد أو فكرة الحديث أو النقطة الرئيسة، وهذا لشيوعِهِ أكثرُ من أن يحصى في العربيّةِ، قالتِ الخنساءُ:
وفي «العاميَةِ الدارجَةِ» -ممَّا قُبِسَ منَ أساليبِ الفصحى- يُقالُ: «كلام دهب» كنايةً عن أهميَّتِهِ أو جودتِهِ أو نفاستِهِ.
10 ـ التسميةُ: منْ أمثلتِهَا: «عبدُ الرحمنِ» و«جلالُ الدِّينِ» و«نعمةُ اللهِ» و«زين العابدين». في الأصلِ وُجدَتْ رابطةُ الإضافةِ بينَ لفظتيْ «عبدِ» و«الرحمن» لتفيدَ معنى العبوديَّةِ للَّهِ ، ثمَّ غدتْ اسماً عَلَماً يدلُّ على امرئٍ بعينهِ، ومثلهُ «أبو بكرٍ» و«ابنُ مسعودٍ» تحوَّلَا من دلالةٍ على الأبوَّةِ والبُنوَّةِ إلى اسمَيْ عَلَمٍ، فضلاً عنْ أنَّ «الإضافةَ» بـ«أبٍ» أو «ابنٍ» ربَّما تكونُ على المجازِ لا على الحقيقةِ «كـأبي هريرةَ» فقُصدَ منها عند إطلاقِها التعريفُ كما الاسمُ العَلَمُ. ناهيكَ عنْ «بيتِ المقْدسِ» فهنا تحوَّلتِ «الإضافةُ» منَ الدلالةِ على بيتٍ للقداسةِ إلى اسمٍلمدينةِ"القدسِ".
أمثلة على «الإضافة»
* قال : ﴿لقدْ نصركمُ الله في مواطنَ كثيرةٍ، ويومَ حُنينٍإذْ أعجبتْكمْ كثرتُكمْ﴾(23) (إضافةُ ظرفٍ (يوم) إلى اسمٍ (حُنين)، وإضافةُ ظرفِ (إذْ) إلى جملةٍ (أعجبتكم)، وإضافةٌ إلى ضمير متصلٍ).[40]
* قالَ رسولُ اللهِﷺ:《إنَّ شَرَّ النَّاسِذُو الوَجهَينِ، الذي يأْتي هؤلَاءِ بوَجهٍ وهؤلَاءِ بوَجهٍ》[42] (إضافة اسم التفضيل إلى اسم (الناس)، وذو (أحد الأسماء الخمسة) إلى اسم (الوجهين).
* «مُصلِّحُ السياراتِ ليسَ في ورشتِهِ». (إضافةُ "اسمِ فاعلٍ" إلى مفعولِهِ، أصلها يصلح السيارات).
* قالَ "عنترةُ": (في البيتِ الأوّلِ نكرةٌ مُخصَّصةٌ، وفي الثاني إضافةُ "صيغةِ مبالغةٍ منِ "اسمِ الفاعلٍ" (دلّالٌ على وزنِ "فعَّالٍ") إلى مفعولِها، وإضافتانِ إلى ضميرٍ متَّصلٍ، وفي البيتِ الثالثِ إضافتانِ أولاهُما إلى ضميرٍ متصلٍ وثانيتهُما إلى اسمٍ موصولٍ):
* قالَ «العَرْجيُّ» الشاعرُ الأمويُّ: (في البيتِ الأولِ ثلاثُ نكراتٍ مخصَّصةٍ (سُهِّلَ تنوينُ «ثغرٍ» للقافيةِ)، وفي البيتِ الثاني إضافةُ ظرفٍ إلى مضافٍ إلى مضافٍ إليهِ، وإضافتانِ إلى ضميرٍ متصلٍ):
- لاتنفعُ: لا: نافيةٌ لا عملَ لها. تنفعُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعهِ الضمةُ الظاهرةُ على آخرهِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ وجوباً تقديرهُ هوَ يعودُ على تميمةٍ، وجملةُ «لا تنفعُ» منَ الفعلِ والفاعلِ في محلِّ جرٍّ صفةٌ لتميمةٍ والتقديرُ «تميمةٍ غيرِ نافعةٍ».
الهوامش
^يُستشهدَ بشعرِ من توفيَ قبلَ عامِ 150هـ منَ الشعراءِ بعدَ ثبوتِ صحةِ روايةِ الشعر بلفظهِ عنه، أما من توفّيَ بعدَ ذلك فيؤخذُ بشعرهم على سبيلِ التمثيلِ لا الاستشهاد. [انظر "الموجزُ في قواعدِ اللغةِ العربيةِ": سعيد الأفغاني، ص. 5].
^حديث صحيح أخرجه ابن ماجه في سننه (738)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/332) باختلافٍ يسيرٍ، وابن خزيمة في صحيحه (1292) واللفظ له عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
^في جمع الاسم المنقوص تحذف ياؤه وتضاف واو ونون (بحالة الرفع): "جاء داعو الخير" (أصلها داعون وحذفت النون للإضافة)، "مررت بالداعين للخير"، أو ياء ونون (بحالتي النصب والجر): "رأيت محامي المتهم"، "مررت بالمُحامين". [موقع المرسال: https://www.almrsal.com/post/564429] نسخة محفوظة 2020-10-01 على موقع واي باك مشين.
^أخرجهُ مسلمٌ في صحيحهِ (برقم 2591)، وأبو داوُدَ في "سننِ أبي داود"، والترمذيُّ في "سننِ الترمذي"، وأحمدُ في "مسند أحمد"، ومالكُ في "الموطأ" عن عائشة رضيَ اللهُ عنها.
^أخرجه الطبرانيُّ في "المعجمِ الكبيرِ" (برقمِ 13646) وفي "المعجمِ الأوسطِ" (برقمِ 6026)، والأصبهانيُّ في "قِوَامُ السنّةِ" واللفظ له حسبما أخرجه المنذري في كتابه "الترغيبِ والترهيبِ" (برقمِ 1162)، عن عبدِاللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما، وأورده الألباني في "صحيح الترغيبِ والترهيبِ" (برقمِ 2623): (حديثٌ حسنٌ لغيره).
^السيوطي: "الجامع الصغير" عن خالد بن الوليد رضي الله عنه برقم 1043، (حديث صحيح).