مفعول مطلق
المفعول المطلق: يقال له المصدر والحدث والحدثان، في النحو العربي هو اسم فضلة منصوب يُذكَر في الجملة الفعلية لتأكيد معنى الفعل أو لبيان نوعه أو عدده، والمفعول المطلق يأتي على هيئة مصدر مُشتَقّ من الفعل أو ما يشابهه في المعنى.[1] هو اسم ما صدر عن فاعل فعل مذكور بمعناه (أي بمعنى الفعل). احترز بقول ما صدر عن فعل فاعل عما لا يصدر عنه كزيد وعمرو وغيرهما، وبقول مذكور عن نحو أعجبني قيامك، فإن قيامك ليس مما فعله فاعل فعل مذكور، وبقوله بمعناه عن كرهت قيامي، فإن قيامي وإن كان صادرا عن فاعل فعل مذكور إلا أنه ليس بمعناه.[2] والمصدر إما متصرف وهو ما لم يلزم فيه النصب على المصدرية كضرب وقعود أو غير متصرف وهو ما لزم فيه النصب على المصدرية ولا يقع فاعلا ولا مفعولا ولا مجرورا بالإضافة أو حرف الجر نحو سبحان الله ومعاذ الله وعمرك الله. ويجب حذف فعل هذا المصدر غير المتصرف كما يجب حذف فعله إذا وقع المصدر مضمون جملة لا محتمل لها غيره نحو له علي ألف درهم اعترافا أو وقع مضمون جملة لها محتمل غيره نحو زيد قائم حقا. والأول يسمى توكيدا لنفسه لاتحاد مدلول المصدر والجملة فيكون بمنزلة تكرير الجملة فكأنه نفسها وكأنها نفسه. والثاني يسمى توكيدا لغيره لأنه ليس بمنزلة تكرير الجملة فهو غيرها. وسيبويه يسمى الأول بالتوكيد الخاص والثاني بالعام. الاصطلاح والتاريخسُمِّي المصدر المشتق من حروف الفعل المؤكِّد لمعناه أو المبيِّن لنوعه أو عدده «مَفعُولٌ مُطلَق»، وسُمِّيَ كذلك لأنَّه غير محصور بأيِّ قَيد، بمعنى أنَّه مُطلق عن القيود التي التصقت بغيره من المفاعيل، فنَجِدُ أنَّ المفاعيل الأخرى تقَيَّدت بألفاظ: بِهِ، فِيهِ، لَهُ، مَعَهُ.[3][4] والمفعول المطلق هو المفعول الوحيد من بين المفاعيل الذي أوجده الفاعل، أمَّا البَقيَّة فإنَّ الفعل هو من تعلَّق بها، سواء وقع بها أو لأجلها أو فيها أو معها، ولهذا فهو يُعدُّ مُطلقاً لإمكانيَّة مجيئه في أيِّ جملة فعلية بدون تحقُّق أيّ مقوِّمات أو مُهيئات لمجيئه، فالمفعول المطلق يوجده الفاعل ويخرجه من العدم إلى الوجود، أمَّا المفاعيل الأخرى فهي موجودة من ذي قبل.[5][6] وبسبب تحرُّر المفعول المطلق من القيود التي تقيَّدت بها المفاعيل الأخرى، يَنظُر بعض النُّحاة إلى المفعول المطلق على أنَّه المفعول الحقيقي، لذا يُكتفى في بعض الأحيان بالإشارة إليه بمصطلح «المفعول» فقط، إلَّا أنَّ هذا المصطلح ارتبط بصورة أكبر بالمفعول به لكِثرة استعماله.[7] وأحياناً يُسَمَّى المفعول المطلق «مَصدَر»، لأنَّه لا يأتي إلَّا على هيئة مصدر مُشتَق من الفعل.[8] شروط المفعول المطلقلِكَي يَصُحَّ نَصب الاسم على أنَّه مفعول مطلق لا بُدَّ من توافر عدد من الشروط، ومن هذه الشروط ما يتعلَّق بالاسم نفسه، ومنها ما يتعلَّق بما يحيط به. ويَشتَرِط النُّحاة لنَصب الاسم على المفعولية المطلقة أن يكونَ مصدراً مُشتَقَّاً من الفعل في جُملتِهِ، فإذا قيل: «أَعطَيتُ عَطَاءً» لم يكن «عَطَاءً» مفعول مطلق لأنَّه ليس مصدراً بل اسم مصدر، حتى وإن كان مُشتَقاً من الفعل. ويُشترط كذلك أن يكون المفعول المطلق اسم فضلة، فإن كان عُمدة لم يُنصب على المفعوليَّة المطلقة. ويُشترط كذلك أن يَسبَقَهُ فعل أو ما يشبهه حتى يعمل فيه.[9] إعراب المفعول المطلقحُكم المفعول المطلق أو ما ينوب عنه هو النَّصب دائماً.[10] والمفعول المطلق من المُسَمَّيات النحوية التي تُذكر عند الإعراب، على عكس الاسم المُضاف مثلاً الذي لا يُشتَرط ذكره، فيُقال عند إعراب لفظ منصوب على المفعولية المطلقة: مفعول مطلق منصوب بعلامة النَّصب الملائمة.[7] مواقع إعرابيَّة مشتركةقد يجتمع أكثر من أسلوب نحوي على صيغة لفظيَّة واحدة، بحيث يصير للفظ أكثر من موقع إعرابي مُحتَمل، فهناك ألفاظ تُعرَب مفعولاً مطلقاً غير أنَّها تحتمل مواقع إعرابيّة أخرى، ومن هذه: «وَلَا تُظلَمُونَ فَتِيلاً» أو «وَلَا يُظلَمُونَ نقِيراً»، فمن الممكن إعراب المصدر نائب عن المفعول المطلق، ومن الممكن كذلك أن يُعرَب مفعولاً به، أمَّا إذا كان الفعل في هذا الأسلوب فعلاً لازماً فيُعرَب المصدر نائب عن المفعول المطلق ولا يجوز إعرابه مفعولاً به. ومن الأساليب المماثلة أن يُقال: «سِرتُ طَوِيلاً»، فيُحتَمل في «طَوِيلاً» ثلاثة مواقع إعرابية، فَمِن الممكن أن يُعرب نائباً عن المفعول المطلق إذا كان قصد المُتَكلِّم على التأويل: «سِرتُ سَيراً طَوِيلاً»، ومن المُمكن كذلك أن يُعرب ظرف زمان أي مفعولاً فيه إذا كان القصد على التأويل: «سِرتُ زَمَناً طَوِيلاً»، وقد يُنصب المصدر على الحاليَّة إذا قصد المُتَكلِّم القَول: «سِرتُهُ طَوِيلاً». ومن الأساليب ما يحتمل فيه أن يكون المصدر مفعولاً لأجله، مثل: «يُرِيكُمُ البَرقَ خَوفاً وَطَمَعاً»، بمعنى: يريكم البرق لأجل الخوف والطمع، وقد يُعرب المصدر مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف: «يُرِيكُمُ البَرقَ فَتَخَافُونَ خَوفاً وَتَطمَعُونَ طَمَعاً».[11] أكثر ما يلتبس مع المفعول المطلق هو المفعول به، ويمكن التمييز بوضوح بين الاثنين من ناحية المعنى أنَّ المفعول به كان موجوداً قبل وقوع الفعل ومن ثمَّ وقع عليه الفعل، أمَّا المفعول المطلق فإنَّ الفعل هو السبب في إيجاده، ووجوده مرتبط بالفعل ولم يكن موجود قبله.[12] أغراض المفعول المطلقيُذكر المفعول المطلق للتأكيد على معنى الفعل وإزالة أيّ وهم قد ينشأ في ذهن المخاطَب، فإذا قيل بدون ذكر المفعول المطلق: «ضَرَبتُ أَخَاكَ»، فقد يظنُّ المخاطَب – مستعظماً أمر الضرب - أنَّ القصد ليس الضرب فعلاً وإنَّما التوبيخ مثلاً، أمَّا إذا ذُكِرَ المفعول المطلق وقِيل: «ضَرَبتُ أَخَاكَ ضَرباً» فإنَّ قصد المتكلِّم يصبح واضحاً في حصول الضرب حقيقةً، فالمفعول المطلق يمنع أيَّ تكهُّنات أو تأويلات لمعنى الفعل وذلك بالتأكِيد على معناه الأصلي.[13] ومتى ما حُذِف فعل المصدر المبهم يتغيَّر معناه ليشمل أغراض بلاغيَّة، فيخرج معناه من التأكيد لأنّ المصدر لا يمكن أن يُؤَكِّد ما هو محذوف، ومن هذه الأغراض البلاغيَّة:
الاستخداميستخدم المفعول المطلق لـ:
يأتي المفعول المطلق نائباً عن فعله مثل: حفظاً الدرس يا محمد. أي «احفظ درسك يا محمد» فـ «حفظاً» مفعول مطلق ناب عن «احفظ». وإذا حُذِف المفعول المطلق ناب عنه:
العامل في المفعول المطلقالعامل في المفعول المطلق هو واحد من خمسة عوامل، والفعل هو العامل الأصلي من بين هذه. والعامل في المفعول المطلق، على اختلاف نوعه، يأتِي على الدوام مُطابقاً في اللفظ المفعول المطلق، وهذا هو ما استَقرَّ عليه جمهور النُّحاة.[18] ويعمل في المفعول المطلق الفعل التَّام المتصرِّف فقط، فلا تعمل فيه الأفعال النَّاقصة ولا الجامدة، فلا يُقال: «كُنتُ تَحتَ الشَّجَرَةِ كًوناً»، ولا يُقال كذلك: «نِعمَ الصُّدقِ نِعماً».[19] ويعمل فيه إلى جانب الفعل بعضاً من أشباه الأفعال، ومن أشباه الأفعال التي تعمل في المفعول المطلق المصدر العامل، مثل: «فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُم جَزَاءً مَوفُوراً»، فالملاحظ أنَّ «جَزَاءً» مفعول مطلق لم يسبقه أيّ فعل، والعامِل فيه هو المصدر المرفوع قبله المُطَابِق له تماماً من ناحِيَة الاشتقاق والمعنى.[20] ويَعمل في المفعول المطلق الصفة المُشَبَّهة باسم الفاعل الدَّالة على الحدوث والتَجَدُّد، مثل: «مُحَمَّدٌ مُجتَهِدٌ اِبنُهُ اِجتِهَاداً»، أمَّا إذا لم تكن الصفة المشبهة دالة على التجدُّد فلا تنصب مفعولاً مطلقاً، فلا يُقال: «مُحَمَّدٌ أَمِينٌ اِبنُهُ أَمَانَةً»، لأنَّ الصفة المشبهة «أَمِينٌ» لم تأتِ دالَّة على التجدُّد وإنَّما على الثبوت.[21] ويعمل فيه اسم الفاعل، مثل: «المُتَوَاضِعُ فِي حَيَاتِهِ تَوَاضُعاً صَادِقاً يُؤجَر»، حيث المصدر «تَوَاضُعاً» منصوب على المفعولية المطلقة، والعامل فيه هو اسم الفاعل «المُتَوَاضِعُ». ويعمل في المفعول المطلق الاسم المفعول، مثل: «المَقتُولُ قَتلاً خَطَئاً تُدفَعُ لِذَوِيهِ دِيَّةٌ»، المصدر «قَتلاً» يعمل على نصبه الاسم المفعول «المَقتُولُ».[22] ويكتب سعيد الأفغاني أنَّ العامل في المفعول المطلق هو الفعل أو شبه الفعل من المصدر والمشتقات بشكل عام.[23] ويرى بعض النُّحاة أنَّ هناك ثلاثة عوامل فقط تعمل في المفعول المطلق، ويعمل فيه وفقاً لرأيهم الفعل أو الصفة المشبهة باسم الفاعل أو المصدر العامل، ولا يعمل فيه غير هؤلاء.[24][25] حذف العامللا يجوز حذف الفعل العامل في المفعول المطلق المُؤكِّد له، لأنَّ المفعول المطلق المؤَكِّد لمعنى الفعل إنَّما ذُكِر لتقوية معنى الفعل وتوكيده، وحذف هذا الفعل يُبطِل الغاية التي ذُكِر المفعول المطلق لأجلها، ما عدا حالات استثنائية يمكن الحذف فيها، وذلك في أساليب بعضها قياسي والآخر سماعي وُرِدَت عن العرب محذوفة العامل، وبعض من النُّحاة يُخرج المصادر في هذه الأساليب من المصادر المؤَكِّدة ويجعل لها قسماً مختصاً بها.[26] وفي المقابل يجوز حذف الفعل العامل في المفعول المطلق المُبَيِّن للنَّوع أو العدد على الدوام، وذلك إذا دلَّت عليه قرينة لفظية أو معنوية، فيُقال على سبيل المثال: «قَولاً بَلِيغَا» لمن يسأل «مَاذَا تَكَلَّمتَ؟»، وتقدير الجملة قبل حذف الفعل: «قُلتُ قَولاً بَلِيغَا»، فحُذِف الفعل لأنَّ هُناك قرينة لفظيَّة تدلُّ عليه في الجملة الاستفهامية قبله. ومثل القرينة المعنوية قولنا: «حَجّاً مَبرُوراً»، فالعامل في المصدر «حَجّاً» هو فعل محذوف اِستُدِلَّ عليه معنوياً بتحليل تراكيب هذا التعبير، ومن مثله أيضاً: «مَرحَباً بِكَ».[27][28][29] وفي مقابل الحالات السابقة التي يجوز فيها الحذف، فإنَّ هناك مواضع يجب فيها حذف الفعل العامل في المفعول المطلق، وأكثر من تناول هذه المواضع من بين النُّحاة هم شُرَّاح ألفية ابن مالك، وقد فصَّلوا في هذه المواضع وتعمَّقوا فيها.[30] وفي جميع المواضع التي يُحذف فيها الفعل وجوباً يَنُوب المصدر عنه، والمصدر في جميعها يكون من النَّوع المؤِّكد قبل الحذف، ويخرج معناه من التوكيد إلى أغراض بلاغيَّة أخرى وقتما يُحذَف الفعل. ويجب حذف الفعل في الحالات الآتية:
تقسيمالمفعول المطلق قسمان مبهم ومؤقت. المبهمالمبهم هو ما لا نزيد دلالته على دلالة الفعل أي أن مدلوله مدلول الحدث بلا زيادة شيء عليه من وصف أو عدد. سمي مبهما لعدم تبين نوع أو عدد وهو لا محالة يكون لتوكيد عامله، نحو ضربت ضربا، ولا يثنى ولا يجمع لدلالته على الماهية من حيث هي هي. المؤقتالمؤقت، ويسمى المحدود أيضا، هو ما يزيد معناه على معنى عامله، سواء كان للنوع وهو المصدر الموصوف (سواء كان الوصف معلوما من الوضع نحو رجع القهقرى أو من الصفة مع ثبوت الموصوف نحو جلست جلوسا حسنا أو مع حذفه نحو عملت صالحا أي عملا صالحا)، أو من كونه صريحا منبئا كونه بمعنى المصدر لفظه نحو ضربته أنواعا من الضرب أو الإضافة نحو ضربت أشد الضرب، أو من كونه مثنى أو مجموعا لبيان اختلاف الأنواع نحو ضريبته ضربتين أي مختلفتين، أو من كونه معرفا بلام العهد نحو ضربته الضرب عند الإشارة إلى ضرب معهود، أو كان للعدد في المرة وهو الذي يدل على عدد المرات معينا كان العدد أو لا؛ سواء كان العدد معلوما من الوضع نحو ضربت ضربة أو من الصفة نحو ضرب ضربا كثيرا أو من العدد الصريح المميز بالمصدر نحو ضربته ثلاث ضربات أو غير المميز به نحو ضربتها ألفا أو من الآلة الموضوعة موضع المصدر نحو ضربته سوطا وسوطين وأسواطا؛ فإن تثنية الآلة وجمعها لأجل تثنية المصدر وجمعه وقيامهما مقامه، فيكون الأصل فيه ضربت ضربة بسوط وضربتين بسوطين وضربات بأسواط. أنواع المفعول المطلقيأتي المفعول المطلق على ثلاثة أنواع. فهو إمَّا يكون مصدراً مؤكِّداً لمعنى الفعل، مثل: «كَسَّرتُ الزُّجَاجَ تَكسِيراً»، وقد يكون المفعول المطلق مصدراً مُبيِّناً للنوع، مثل: «حَلِمتُ حُلماً جَمِيلاً»، ويأتي المفعول المطلق كذلك مصدراً مُبيِّناً للعدد، مثل: «رَمَيتُ رَميَةً» أو «رَمَيتُ رَميَتَينِ». وتُسَمَّى المصادر المُؤَكِّدة للفعل مصادر مُبهَمة، أمَّا المصادر المُبيِّنة للنوع أو تلك المُبيِّنة للعدد فتُعرف بالمصادر المُختَصَّة أو المُبَيِّنة، بسبب الاتصاف الزائد الذي تختصُّ به.[18][48] تختلف أحكام المفعول المطلق باختلاف أنواعه، فنجد أنَّ المفعول المُطلق المُؤَكِّد لا يجوز تقدُّمَه على عامله، فلا يُقال: «اِستِغفَاراً اِستَغفَرتُ»، بينما يجوز هذا الأمر في المفعول المطلق المُبَيِّن، فيجوز القول: «اِستِغفَارَ الزَاهِدِينَ اِستَغفَرتُ» أو «ضَربَتَينِ ضَرَبتُ الجِدَارَ». أمَّا إذا كان المفعول المطلق من الأسماء التي لها الصدارة في الكلام، فيَجِب عندها تقديمه على عامله ولا يجوز تأخُّره، مهما كان النَّوع الذي صُنِّف إليه. ويمتنع تثنية أو جمع المفعول المطلق المُؤَكِّد، لأنَّه يُذكَر في الجملة على نِيَّة تكرار الفعل والفعل لا يُثنَّى ولا يُجمَع، وفي المقابل تجوز التثنية والجمع في المفعول المطلق المُبَيِّن بنَوعَيه، فيُقال: «». ولا يجوز حذف العامل في المفعول المطلق إذا كان مُؤَكِّداً، بينما يجوز هذا الأمر في المفعول المطلق المُبَيِّن مع وجود قرينة لفظية أو معنوية تدلُّ عليه. المصدر المؤَكِّدالمصدر المؤكِّد هو ما يأتي من مضمون الفعل دالّاً على الحدث الذي يدلُّ عليه الفعل، مثل: «كَسَّرتُ الزُّجَاجَ تَكسِيراً»، بدون دخول أي زيادة عليه فلا يلحقه ما يبُّن عدده أو ما يَصِفه، وهو كذلك لا يُمَثِّل أيَّ إضافة جديدة في فائدة الجملة سِوى أنَّه يقوم بمُجَرَّدِ التأكيد على معنى ما قبله.[49][50] ويُذكر المفعول المطلق المُؤَكِّد بمنزلة تكرير الفعل.[51][ملاحظة:4] والمصدر المؤكِّد له أحكاماً عديدة يتمَيَّز بها عن غيره من الأنواع، فهو لا يُثَنًّى ولا يُجمع ولا يؤتَى به متعدِّداً، وفي جميع الأحوال لا يكون سوى لفظاً واحداً دالّاً على الإفراد، وذلك لأنَّ المصدر المؤَكِّد يأتي دالّاً على الجَوهر الذي يجمع ما بين القليل والكثير، وهو لا يدلُّ على الكمِّية وإنَّما يدلُّ على الماهية.[51] غالباً ما يذكرُ النُّحاة أنَّ المصدر المؤَكِّد يأتي لتأكيد الفعل، غير أنَّ رضي الدين الاستراباذي وغيره ذهبوا إلى أنَّه يؤَكِّد المصدر الذي اُشتُقَّ الفعل منه وليس الفعل، وذلك لأنَّ تأكيد الفعل يقتضي تأكيد دلالته على الحدث والزَّمان كليهما، بينما المصدر في أسلوب المفعول المطلق يأتي مُؤَكِّداً على الحدث المُجرَّد من الزمان، ولهذا فهو يؤكِّد مصدر الفعل وليس الفعل.[52] المصدر المُبَيِّن للنَّوع أو العددوقد يكون المفعول المطلق مصدراً مُبيِّناً للنوع، مثل: «حَلِمتُ حُلماً جَمِيلاً»، والتَبيين في المفعول المطلق المُبَيِّن للنَّوع قد يكون بالنَّعت، كما هو الحال في المثال السابق، وقد يكون بالإضافة، مثل: «قُلتُ قَولَ حَقٍّ»، وقد يكون بإقران المصدر بأل العهديَّة، مثل: «مَشَيتُ المَشيَ».[53][54] ويجوز تثنية أو جمع المصدر المُبَيِّن للنَّوع على رأي جمهور النُّحاة، فيمكن القول: «قُلتُ قَولَي حَقٍّ» أو «قُلتُ أَقوَالَ حَقٍّ».[10] ويأتي المفعول المطلق كذلك مصدراً مُبيِّناً للعدد، مثل: «ضَرَبتُكَ ضَربَةً» أو «ضَرَبتُكَ ضَربَتَينِ»، ويُذكَر هذا النَّوع من المفعول المطلق لبيان عدد مرَّات وقوع الفعل، وقد يكون هذا العدد معلُوماً، كالمثال السابق، وقد يكون كذلك مُبهماً، مثل: «ضَرَبتُكَ ضَرَبَاتٍ»، بدون تحديد عدد الضربات. ويكون العدد معلوماً عند تثنية وإفراد المصدر ويكون غير معروفاً عند الجمع.[55] وفي جملة مثل: «رَمَيتُ الكُرَةَ مَرَّتَينِ» يجعل بعض النحاة «مَرَّتَينِ» مفعول مطلق، فيجيزون في هذا النَّوع ألَّا يكون المفعول المطلق مصدر مُشتَق من الفعل.[54] ينكِر يوسف الصيداوي مجيء المفعول المطلق مُبَيِّناً للعدد، ويرى أنَّ ما يُسَمُّونه النُّحاة تبيين للعدد هو إفراد وتثنية وجمع، وينكرُ أيضاً مجيئه مُبَيِّنا للنَّوع، وحجَّته في هذا أنَّ تبيين النَّوع بالإضافة أو النَّعت وقع على المصدر وليس الفعل، وبحذف المُضاف إليه والصِّفة يصير المصدر مُؤَكِّداً.[56] المصدر النائب عن فعلهراجع: حذف عامل المفعول المطلق يضيف كثير من النُّحاة نوعاً آخراً إلى الصور الثلاثة المذكورة، وهي المصدر عندما يأتي نائباً عن فعله مستغنياً عنه، فيُعرب مفعولاً مُطلقاً لفعل محذوف وجوباً، مثل: «صَبراً جَمِيلاً»، وفي العادة يضمُّ النُّحاة المصادر على هذه الصورة إلى أحد الأنواع الثلاثة المذكورة سابقاً، بأخذ الاعتبار أنَّها جاءت مُؤَكِّدةً أو مُبَيِّنة لفعل من نفس مادَّة المصدر ولكنَّه ليس ظاهراً، وبعد إظهاره يصير المصدر مؤَكِّداً أو مُبَيِّناً: «اصبِر صَبراً جَمِيلاً». ويستدلُّ النُّحاة القائلون بالفصل بين الاثنين على صحَّة مذهبهم بالإشارة إلى أنَّ المصدر المؤكَّد يظهر في الجملة لتأكيد الفعل، بينما المصدر النائب عن فعله لا يمكن أن يؤكِّد فعله لأنَّ فعله محذوف على الدوام، فلا يمكن حذف فعل المصدر المُؤَكِّد كما لا يمكن للمصدر أن يُؤَكِّد فعل محذوف.[57] ومِمَّن أخذ بهذا الرأي من النُّحاة المعاصرين: سعيد الأفغاني،[23] عبد السلام هارون،[57] ويدخل ضمن هذا النَّوع تعابير شائعة مأثورة انتشرت كذلك في اللغة العربية المعاصرة، وفي جميعها يُحذف الفعل العامل في المفعول المطلق، ومن هذه التعابير: حَسَناً، عَفواً، شُكراً، مَعذِرَةً، مَرحَباً، أَيضاً، فِعلاً، سُحقاً، تَبّاً، بُعداً، قَسَماً، أهلاً وسَهلاً، حَقّاً، قَطعاً، هَنِيئاً، جِدّاً، خُصُوصاً، تَحِيَّةً طَيَّبَةً.[58][59][60][61][62] وهناك جزء من هذه المصادر تُلازم النَّصب على المفعولية المُطلقة ولا تتخذ موقعاً إعرابياً آخراً، والمصادر على هذه الشاكلة تُسَمَّى مصادر غير متصرِّفة، وهي مصادر سماعية عددها قليل، ومن مثلها: «سُبحَانَ اللَّهِ»، «مَعَاذَ اللَّهِ»، «دَوَالَيكَ».[46] وهناك مصادر غير متصرِّفة تتميَّز عن غيرها بأنَّها لم تُشتَق من أفعال، بمعنى أنَّها مصادر بدون أي أفعال، ومن مثل هذه المصادر: «وَيل»، «وَيب»، «وَيح»، «وَيس»، «بَلهاً»، «دَفراً». التعريف والتنكيرمن ناحية التعريف والتنكير يأتي المفعول المطلق على ثلاثة صور، فهو يكون اسماً مُعرَّفاً بأل التعريف، مثل: «دَمَّرتُ الجِدَارَ التَدمِيرَ»، ويأتي كذلك مُعرَّفاً بالإضافة، مثل: «رَكَضتُ رُكُوضَ العَدَّائِين»، ويُذكر أيضاً مُنَكَّراً مُجَرّداً من أل التعريف أو الإضافة، مثل: «اِنتَبَهتُ لِلدَّرسِ اِنتِبَاهاً».[23] صور المفعول المطلقلا يأتي المفعول المطلق سوى مصدراً مُشتقّاً من حروف الفعل. والمفعول المطلق المُؤَكِّد للفعل لا يكون إلَّا مفرداً، فلا يُقال سوى: «لَكَمتُ لَكماً» على نِيَّة التأكيد وتكرار الفعل، أمَّا المفعول المطلق المُبَيِّن للعدد فيُمكن تثنيته أو جمعه، فيُقال: «لَكَمتُ لَكمةً واحِدَة» أو «لَكَمتُ لَكمَتَينِ» أو «لَكَمتُ لَكَمَاتٍ»، وكذلك يُثَنَّى ويُجمَع المفعول المطلق المُبَيِّن للنَّوع، فيُقال: «لَكَمتُ لَكمَتَي الاِنتِصَارِ» أو «لَكَمتُ لَكمَتَاتِ الاِنتِصَارِ».[1] وهنَاك أربعة أنواع من المصادر تُنصَب على المفعولية المطلقة، فالمصدر في المفعول المطلق إمَّا يكون مصدراً أصليّاً، مثل: «فَحَصتُهُ فَحصاً»، وإمَّا يكون مصدراً ميميّاً، مثل: «كَاتَبتُهُ مُكَاتَبَةً»، وإِمَّا يكون مصدر المرَّة، مثل: «ضَرَبتُ ضَربَةً»، وإِمَّا يكون مصدر الهَيئَة، مثل: «عِشتُ عِيشَةً جَمِيلَةً». والنَّوع الأوَّل هو الأكثر استعمالاً، ويدلُّ على حدوث الفعل المجرَّد، وهو الفعل ذاته المُشتَقّ منه. والنَّوع الثانِي يُبدأ بِميمٍ زائدة، ولا يختلف كثِيراً في الدَّلالة عن النَّوع الأوَّل سوى أنَّه يدلُّ على التَكثِير. والنَّوع الثالث يدلُّ على الحدث الذي يحصل مرَّةً واحدةً فقط في زمن وقوع الفعل. أمَّا النَّوع الرابع فيُذكر للدلالة على الهَيئَة وقتَ وقوع الفعل.[63] والمفعول المطلق لا يأتي اسم مصدر على الإطلاق، فلا يُنصَب على المفعولية المطلقة سوى المصادر المُشتَقَّة اِشتِقَاقاً قياسيّاً ومُباشراً من الفعل، أمَّا أسماء المصادر المنصوبة في جمل من مثل: «أَعطَيتُ عَطَاءً» أو «اِغتَسَلتُ غَسلاً» فلا تُعربُ مفعول مُطلق، وإنَّما تُعرب نائب عن المفعول المطلق، لأَنَّ المصدر المُشتَق من الفعل «أَعطَى» هو «إِعطَاء» وليس «عَطاء»، ولا يؤَكَّد الفعل إلَّا بمصدره لأنَّ التأكيد يأتي على نيَّة تكرار الفعل، وبناءً على هذا عُدَّ اسم المصدر المؤَكِّد لمعنى فعل أو المبيِّن للنَّوع أو العدد نائب عن المفعول المطلق، وبالمثل فإنَّ مصدر الفعل «اِغتَسَلَ» هو «اِغتِسَال» وليس «غَسل» المستعمل في المثال. ويَخرُج من المفعول المطلق الخبر الذي يُؤتَى به من نفس مادَّة المبتدأ، مثل: «غِنَائُكَ غِنَاءٌ جَمِيل»، فحتَّى وإن اشتمل الخبر على بعض أغراض المفعول المطلق وشاركه في بعض النواحِ، فهو يظلُّ مرفوعاً على الخبرية ولا يُعَدُّ مفعولاً مطلقاً. ويخرجُ الحال كذلك عن المفعول المطلق، فإذا قيل: «تَبَسَّمَ فَرِحاً» فإنَّ اسم الفاعل «فَرِحاً» منصوب على الحالية وليس المفعولية المطلقة.[64] ذهب بعض النُّحاة، أشهرهم ابن الحاجب وغيره، إلى أنَّ المفعول المطلق قد يجيء جملة محكيَّة بالقول، مثل: «قَالَ مُحَمَّدٌ: عَمرُو آتٍ»، بنصب الجملة المحكيَّة بالقول «عَمرُو آتٍ» محلّاً على المفعولية المُطلقة، لأنَّ هذه الجملة تؤول بالمصدر المُشتق من الفعل «قَالَ»: «قَالَ مُحَمَّدٌ: قَولاً» حيث القول هو «عَمرُو آتٍ».[12] النائب عن المفعول المطلقأحياناً ينوب عن المصدر المنصوب على أنَّه مفعول مطلق لفظٌ آخر ليس مُشَتقّاً من لفظ الفعل، وقد لا يكون حتَّى مصدراً، ويؤدِّي نفس الوظيفة المعنوية والدلالية التي يقوم بها المفعول المطلق، ويأخذ حُكمه في الإعراب، ويُسَمَّى هذا اللفظ حينها النائب عن المفعول المطلق ويُسَمَّى أحياناً النائب عن المصدر.[65] ويَنُوب عن المفعول المطلق ما يدلُّ عليه، ويحدث ذلك في المواضع التي لا يستطيع فيها المصدر القيام بالمعنى المطلوب، فينوب عنه ما يُشاركه في الدلالة.[66][67] وينُوب عن المفعول المطلق ما يأتِي:[68][69][70][71]
ينوب عن المصدر المؤكِّد أمران فقط من تلك المذكورة أعلاه، وينوب عنه مرادفه وما يشاركه في مادَّته، أمَّا البقيَّة فتنطبق على المصدر المُبَيِّن.[80] ويَنُوب الكثير عن المصدر المُبَيِّن اللنَّوع، وقد أحصى الأشموني أربعة عشر لفظاً يمكن إنابته عنه، ويندرج تحت هذا النَّوع ما ينوب عن المفعول المطلق من الألفاظ التي تُحَدِّد درجة توكيد الفعل وصفته وما يدلُّ على هيئته أو عدده ومرادفه واسم الآلة والضمير العائد عليه واسم الإشارة وغيرها.[29][88] لا يقبل عدد من النُّحاة المعاصرين المجدِّدين التفريق الذي وضعه التقليديون بين المفعول المطلق وما يُعرف بالنائب عن المفعول المطلق، ويذهبون إلى أنَّ نائب المفعول المطلق هو بالفعل مفعول مطلق ولا يختلف عنه في شيء، ولا يرون ضرورة في حصر مجيء المفعول المطلق مصدر مُشتق من الفعل فقط، ويسمحون مجيئه في المواضع السابقة سواء كان مصدراً أو لم يكن. وقد أجاز مجمَّع اللغة العربية في القاهرة هذا الأمر في أحد قراراته، وضمَّ المواضع السابقة إلى المفعول المطلق، وانتهت اللجنة إلى التعريف الآتي: «المفعول المطلق: اسم منصوب يُؤَكِّد عامله، أو يصفه، أو يدلُّ عليه نوعاً من الدَّلالة، كقولك: سار سَيراً، وصَبَر أجمل الصَّبرِ، وضَرَبتهُ سَوطاً».[89] تنبيهثمة مصادر لا تستعمل إلا مفعولاتٍ مطلقة مثل:
وقد وردت الفاض منصوبة على أنها مفعولات مطلقة قد حذف فعلها مثل:
وهناك الكثير مثل: (مهلاً، قدوماً مباركاً، سقياً لك ورعياً، تعساً للخائن، بعداً للظالم، حباً وكرامة، شكراً، سمعاً وطاعة، سلاماً وتحية، رجاءً) ملاحظاتملاحظة أولى : هذه المصادر في العادة لها إعرابان، فهي إمَّا تكون منصوبة على المفعولية المطلقة، فيُقال: «وَيلاً لِلكَاذِبِين»، وإمَّا تكون مرفوعةً على الابتداء، فيُقال:«وَيلٌ لِلكَاذِبِين». غير أنَّها إذا أُضِيفَت إلى لفظٍ آخر مُنِعَ رفعها ووجب نصبها على المفعولية المطلقة، فلا يقال سوى: «وَيحَكَ»، ولا يجوز أن يُقال: «وَيحُكَ».[33][90] والعلَّة في جواز رفعها هو ضعف العامل في نصبها، لأنَّ العامل فيها عند النَّصب هو فعل مُقدَّرٌ بالكتمل وليس فعلاً حقيقياً، ولا يجوز رفع هذه المصادر عند إضافتها لأنَّها ستكون حينها مبتدأ بغير خبر.[14] وتقدير أفعال لهذه المصادر يكونُ ذهنيّاً، كما سبق، ولكن قد يُؤتَى بأفعال مشابهة لتقريب المعنى، فيُقَال في تقدير فعل للمصدر «بَلَهاً»: «اُترُكْ بَلَهاً»، لأنَّ المصدر «بَلَه» يأتي بمعنى المصدر «تَرك». ويُشترط في «بَلَهاً» أن تكون مُضافة، فإن لم تكن مُضافة وجاء ما بعدها منصوباً تُعتَبرُ حينها اسم فعل، أمَّا إذا كان ما بعدها مرفوعاً فتُعامَل كاسم استفهام وتُعرب خبراً مُقدَّماً.[91] ملاحظة ثانية : هذه المصادر ليست للتَثنية، وإنَّما الغرض منها هو التكثير من معناها، فإذا قيل: «حَنَانَيكَ» فإنَّ القصد هو «تَحَنُّناً بَعدَ تَحَنُّن»، وإذا قيل: «لَبَّيكَ» فالقصد هو «أُجِيبُكَ إجَابَةً بَعدَ إِجَابَة»، وإذا قيل: «سَعدَيكَ» فالقصد هو «إِسعَاداً بَعدَ إِسعَاداً»، وإذا قيل: «دَوَالَيكَ» فالقصد هو «مُدَاوَلَةً بَعدَ مُدَاوَلَة»، وإذا قيل: «حَذَارَيكَ» فالقصد هو «اِحذَر حَذَراً بَعدَ حَذَر».[19] ملاحظة ثالثة : يرفض بعض النُّحاة هذا الأمر، من منطلق أنَّ هناك اختلاف بين التعبيرين: «ذَهَبَ زَيدٌ ذَهَبَ» و«ذَهَبَ زَيدٌ ذَهَاباً»، فالأوَّل يؤَكِّد الفعل من ناحية الحدث والزمن، أمَّا الآخر فهو يؤَكِّد الحدث المُجَرَّد المفهوم من الفعل الخالي من أيِّ ارتباط بزمنٍ مُعيَّن. ويُردُّ هذا الأمر أيضاً لاختلاف في الأغراض المعنوية التي يُستَعمل لأجلها التعبيران السابقان، فالتوكيد اللفظي للفعل يُذكَر لتأكِيدِ فعل بعينِهِ ولدفع الالتباس بينه وبين فعلٍ آخر، أو يُذكَر حُرصاً على أن يسمع المُخاطَب هذا الفعل لأهميَّتِهِ مثلاً، بينما المصدر المُؤَكِّد يُذكر لتأكيد وقوع فعل ما وإزالة وهم عدم وقوعه.[92] انظر أيضامصادر
|