حال (نحو)
في النحو العربي الحال هو وصف منصوب أو في محلِّ نصب، يُذكَر فَضَلةً في الجملة الفعلية لبيان هيئة صاحبه وقت حدوث الفعل.[1][2] والحال غالِباً ما يكون اسماً مُنَكَّراً، مثل: «عَادَ الرَاكِضُ نَشِيطاً»، حيث الوصف «نَشِيطاً» حال منصوب بالفتحة الظاهرة، ذُكِر لِبيَان هيئة صاحب الحال وهو الفاعل «الرَاكِضُ»، ودائماَ ما يأتي الحال بمثابة جواب لجملة استفهامية أداة الاستفهام فيها «كَيف»، فكأنَّ الحال في المثال السابق ذُكِرَ بمثابة جواب للسؤال: «كَيفَ عَادَ الرَاكِضُ»، ويُقال حِينها «نَشِيطاً».[3] باب الحال هو من أطول الأبواب في كتب النَّحو.[4] الاصطلاحفي اللغة العربية الحال أو الحالة هو ما عليه الإنسان من أمور مُتَغَيِّرة حِسِّية أو معنويَّة،[5] ولا يُستَعمل في الاصطلاح النَّحوي غير «الحال»، أمَّا «الحالة» فلا تُستَخدَم للإشارة إلى الموقع الإعرابي. ويُستَعمل لفظ «الحال» إمَّا مُذَكَّراً أو مُؤَنَّثاً، وهناك شواهد شعريَّة فصيحة تُؤَيِّد الاستعمالَين كليهما، غير أنَّ التأنيث هو الأفصح لغوياً. العامل في الحاليَعمَلُ في الحال كثير من العوامل، ويُقَسِّمها النُّحاة إلى ثلاثة مجموعات، وهي الفعل وأشباه الفعل وما يحمل معنى الفعل،[6] وتُشابه الحال كثير من المنصوبات في عمل الفعل وشبه الفعل فيها، غير أنَّها تختصُّ عن غيرها من المنصوبات بالمجموعة الأخيرة من العوامل.[7] والعامل في الحال هو ذاته العامل في صاحبها الذي ذُكِرَت لِتُبَيِّن هيئته.[8][9] ومن بين تلك العوامل العديدة في الحال الفعل هو العامل الأصلي فيه، مثل: «اِستَيقَظتُ الصَّبَاحَ مُتَفَائِلاً». وقد يعمل في الحال أحد أشباه الفعل، وهي أسماء شابهت الفعل في عمله ودلالته على الخدث غير أنَّها خالفته في دون ذلك، وأشباه الفعل التي تعمل في الحال هي المصدر العامل، مثل: «حُضُورُكَ مُبَكِّراً أَمرٌ مُهِمٌّ»، واسم المصدر، مثل: «»، وأسماء الأفعال، مثل: «»، والمشتقَّات كاسم الفاعل، مثل: «مَا حَاضِرٌ مُبَكِّراً إِلَّا أَنتَ»،. ويعمل في الحال أيضاً ما حَمَلَ معنى الفعل من الأسماء والحروف، ومجموعة العوامل هذه هي ما تختصُّ به الحال عن غيرها من المنصوبات، فتعملُ فيه أسماء الإشارة، مثل: «هَذَا نَصِيبُكَ كَامِلاً»، وتعملُ فِيه حروف التَّشبيه والتَّمَنِّي والتَرَجِّي ضِمن الحروف العاملة المُسَمَّاه «إنَّ وأخَواتِها»، مثل: «كَأَنَّكَ مَوسُوعَةٌ مَعرِفَةً»، بمعنى: "أنتَ كالموسوعة في معرفتك"، وتَعملُ فيه أيضاً أدوات الاستفهام، مثل: «كَيفَ أَنتَ سَابِحاً؟»، بمعنى: "هل تجيد السباحة؟”، وتعمل فيه أيضاً أدوات التنبيه، مثل: «هَا أَنَا ذَا حَاضِراً»، وتعمل فيه أيضاً أدوات النِّداء، مثل: «يَا رَجُلٌ حَامِلاً الخُضَارَ».[10] ويُصنِّف بعض النُّحاة اسم الفعل مع المجموعة الأخيرة من العوامل التي تحمل معنى الفعل، وليس مع أشباه الأفعال.[9] ويَذهَب بعض النُّحاة إلى أنَّ التَشبِيه كعامل معنوي وليس أحرف التشبيه قد يَعمَل في الحال أيضاً، مثل: «عَمرُو مُهمِلاً كَأَحمَدَ مُجتَهِداً»، فالملاحظ أنَّ «مُهمِلاً» لم يسبقها أيّ عامل لذلك رجَّح بعض النُّحاة أن يكون العامل فيها معنوياً هو التشبيه، ويُشترط في ذلك .[11] ويُسَمِّي النُّحاة ما يعمل في الحال من الألفاظ التي تحمل معنى الفعل «العامل المعنوي»، لأنَّ جميع هذا العوامل تُؤَوَّل معنوياً بفعل، فأسماء الإشارة تُؤَوَّل بالفعل «أَشِيرُ»، وحروف التمنِّي بالفعل «أَتَمَنَّى»، والتشبيه بالفعل «أُشَبِّهُ»، وتؤَوَّل الأخرى بأفعال مناسبة.[12] والعامل في الحال قد تكون دلالته على الخبرية، وغالباً ما يكون كذلك، وقد يأتي إنشائياً أيضاً، وأكثر ما يكون إنشائيَّاً عندما يأتي فِعل أَمر، مثل: «اِنهَض سَرِيعاً»، حيثُ الأمر هو الغرض الإنشائِي الطَلَبِي الذي تضمَّنه المثال السابق، وقد يُستَعمل في الطلب الفعل المضارع لغرض النَّهي، مثل: «لَا تَكتُبْ بَطِيئاً»، وقد يَدخُل في العامل أغراض إنشائيَّة أخرى غير الطَّلَب، فقد يَكُون العامل فيه للتَّعجُّب، مثل: «مَا أَقدَمَ البَيت تَارِيخاً»، وأغراض إنشائيَّة أخرى.[13] حذف العامليجوز حذف العامل في الحال، فقد يُقال: «سَيراً» لِمَن يَسأل: «كَيفَ جِئتَ؟»، وتقدير الجُملة قبل الحذف: «جِئتُ سَيراً». وفي بعض التعابير الشائعة قد يُحذَف العامل في الحال بدون ترك أيَّ قرينة تدلُّ عليه، ويُستَدَلُّ عليه بتحليل التركيب اللغوي للتعبير وموافقته مع المعنى المُستَعمل له، فيُقال في مناسبات ومواقف مُعَيَّنة: «هَنِيئاً لَكَ» أو «مُوَفَّقاً»، والتَقدير قبل حذف العامل: «ثَبَتَ لَكَ الخَيرُ هَنِيئاً» و«ثَبَتَ لَكَ العَمَلُ مُوَفَّقاً»،[14] ومثله قول بعض العرب عند التوبيخ: «أَتَمِيمًِّا مرَّةً وَقَيسِيًّا مَرَّةً أُخرَى»،[15] ويرى بعض النُّحاة أنَّ العامل في هذه الأمثلة السماعيَّة محذوف وجوباً ولا يجوز إظهاره.[16] وفي الأمثلة السابقة يَجُوز حذف العامل في الحال، غير أنَّ هناك مواضع نصَّ عليها النُّحاة يَجِب فيها حذف العامل في الحال، وهذا المواضع هي:[17]
«مثل أقرب ما يكون العبدُ من ربّه وهو ساجد». الدلالة المعنويةتُذكَر الحال في الجُملة لتُبَيِّن الهيئة التي عليها صاحبها، أو الكيفيَّة التي هو عليها، وعلامة الحال التي تُمَيِّزها عن غيرها من ناحية المعنى هي إمكانيَّة وضعها جواباً لجُملة استفهاميَّة أداة الاستفهام فيها «كَيف». الحال عندما تكون مُفرَدة قَد يَشمَلُ مَعناها الخبر أو الإنشاء، والأغراض الإنشائية التي تُستَعملُ لأجلها وهي مفردة كَثِيرة ومتعدِّدة، أمَّا عندما تكون جُملة فيُمنع استعمالها لأيِّ غرض إنشائِيّ، وهي في ذلك تُشابه النَّعت في منع مجيئه لأغراض إنشائيَّة عندما يكون جُملةً.[18] والحال في معناها تُشابه الخبر من ناحية كونها محكوم به وتُشابه النَّعت في كونه قَيداً مُخَصِّصاً، غير أنَّ الحال تُشابه النَّعت أكثر من نواحٍ عِدَّة، وبسبب الارتباط الوثيق والتشابه البالغ بين الحال من جهة والصِّفة أو النَّعت من جهة أخرى، ذَهَبَ بعض النُّحاة إلى أنَّ الحال هو في أصله صِفَة خَالفَت موصوفها في التعريف والتنكير.[19] الحال المُؤَسِّسة والحال المُؤَكِّدةتنقسم الحال من ناحية الدلالة المعنوية إلى قسمَين، القسم الأوَّل تكون فيه مُبَيِّنَة أو مُؤَسِّسَة، وفي هذا النَّوع تُفِيد الحال معنى جديداً لم يُذكر في الجملة قبلها، بمَعنى أنَّها تُؤَسِّس ما لم يكن مَوجُوداً، وتُفِيد ما لا يُستَفادُ بِدُونِها، مثل: «عَادَ الجُندِيُّ مُنتَصِراً»، وعلى هذا القسم غالباً ما تكون الحال، وينطبق عليها أيضاً التعريف الاصطلاحي للحال. والقسم الآخر تكون فيه الحال مُؤَكِّدة، وفي هذا النَّوع تستمدُّ معناها من الجُملةِ قبلها فتأتِي مُؤَكِّدة لهذا المعنى غير مُفِيدَة معنى آخر غيره، فهي تُفِيد ما كان مُستَفاداً بالفعل، ويقتصر دورها على توكيد هذا المعنى. والحال المُؤَكِّدة قد تكون مُؤَكِّد لعاملها، وهي الحال التي وافقت عاملها في المعنى سواء طابقته في اللفظ، مثل: «تَبَسَّمَ مُتَبَسِّماً»، أو كانت مُشتَقة من لفظ مُرادِف، مثل: «تَبَسَّمَ فَرِحاً»، وقد تكون الحال أيضاً مُؤَكِّدةً لصاحبها، مثل: «اِرحَلُوا جَمِيعاً»، فلفظ «جَمِيعاً» هو ذاته صاحب الحال المُعَبَّر عنه بواو الجماعة.[20][21][22][23] وتأتي الحال مُؤَكِّدة لمضمون الجملة قبلها تحت شروط معيَّنة، ويُشتَرَط في الجملة المُؤَكَّدة أن تكونَ اسميَّة، ويُشتَرط في المبتدأ والخبر أن يكونا اسمَينِ مُعَرَّفَين جَامِدَينِ، وتكون الحال حينها مفهومة من إسناد الخبر إلى المبتدأ، وتأتي هي مُؤَكِّدة لهذا الإسناد، بحيث يُعرَف معناها متى ما أُسنِد الخبر إلى المُبتدأ، مثل: «هَذَا أَخُوكَ نَاصِراً لَكَ».[24] الحال المُنتَقِلة والحال اللَّازِمَةيُسَمِّي النُّحاة الحال «صِفَة مُنتَقِلة» أو «صِفَة غير ثابتة»، وذلك لأنَّ الحال يصف هيئة صاحبه وقت وقوع الفعل فقط، وهذه الصِّفة هي صفة عارضة، فهي ليست من ذاته وفي أغلب الأحيان لا تلازمه بعد انتهاء الفعل، غيرَ أنَّ الحال قد يكون في مواضع قليلة وصفاً ثابتاً مُستَقِراً إذا دخل في معناه شيءٌ من التوكيد، وكان مُرتبطاً بصاحب الحال غير منفصل عنه لسبب خُلقِي أو عُرفِي، وتُسَمَّى الحال حينها «حال لَازِمَة» أو «حال ثابتة»، مثل: «وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً»، فالضعف وصف ثابت مرتبط بذات الإنسان منذ خَلقِه، ومثل: «وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً»، فالقرآن حسب المعتقد الإسلامِي يُفَصِّل شئون الخَلق في جميع الأزمنة، وهذا وصف مرتَبِط بجوهر القرآن.[25][26][27] والأصل في الحال أن يكون وصفاً مُنتَقِلاً، وغالباً ما يكون كذلك، ونادراً ما يجيء صفةً لازمة، وهناك من النُّحاة من يمنع مجيئه على هذه الصورة،[28] ويكون الحال وصفاً لازماً في مواضع محدودة ذكرها النُّحاة، فيكون الحال وصفاً لازماً في المواضع التالية:
الحال من ناحية الدلالة على الزَّمنتنقسم الحال من ناحية دلالتها وتعلُّقها بالزمن إلى ثلاثة أقسام، فقد تكون الحال ما اصطلح عليه النُّحاة «حَالاً مقارنة»، وفيها يكون زمن الحال هو ذاته زمن عاملها، وأكثر ما تكون الحال على هذا القسم، مثل: «أَرَاكَ سَعِيداً». وتأتي الحال «حَالاً مُقَدَّرَة» أو «حَالاً مستقبلة»، وهي الحال التي يتأخَّر زمن وقوعها عن زمن عاملها، مثل: «كَبِّرُوا لِلصَّلَاةِ رَاكِعِينَ سَاجِدِين»، فالرُّكوع والسُّجود يحدثان بعد تَكبيرة الإحرام. والقسم الثالث يكون فيه زمن الحال مُتَقَدِّماً على زمن وقوع الفعل، وتُسَمَّى الحال عندها «حَالاً مَحكِيَّة»، مثل: «دَخَلتُ البَيتَ مُستَئذِناً»، لأنَّ الاستئذان يحدث قبل دخول البيت، وبعض النُّحاة ينكُر القسم الأخير، ويذهبون إلى أنَّ زمن الحال لا يمكن أن يتقدَّم على زمن عاملها، لأنَّ الحال في المثال السابق جاء يصف هيئة الفاعل وقت دُخُوله، ولم يصفه وقت الاستئذان، وإنَّما وصف دخوله بالاستئذان وقَرَنَه به.[31] أنواع الحاليأتي الحال على أربعة صور، مع الاختلاف على صورة واحدة على الأقلِّ. فقد يُؤتَى به اسماً مُشتَقّاً، وهذا هو الأصل ويكثرُ مجيئه على هذه الصورة،[32] مثل: «تَحَدَّثَ المُعَلِّمُ وَاقِفاً»، ويمكن أن يؤتى به مصدراً يدلُّ على هيئة صاحب الحال، مثل: «حَضَرَ بَغتَةً»، وقد يكون الحال شبه جًملة، و شبه الجملة قد تكون من الجار والمجرور، مثل: «ذَهَبَ الفَتَى عَلَى قَدَمَيهِ»، وقد تكون من الظرف والمُضاف إليه، مثل: «تَقَدَّمَ الفَارِسُ فَوقَ حِصَانِهِ»، وقد يكون الحال جملة تامَّة سواء كانت جملة فعليَّة، مثل: «قَامَ الطِّفلُ يَضحَكُ»، أو كانت جملة اسميَّة، مثل: «قَامَ الطِّفلُ وَهُوَ يَضحَكُ».[33][34][35] والصُورَتَان الأوَّلِيَّتَان يتطابق فيهما الحال مع صاحبه في الجنس وفي العدد، على خلاف الصورتين الآخِرَتَين، ويُسَمَّى الحال في الصورتين الأوليتين حال مُفرد، بمعنى أنَّه يُذكَر على هيئة تركيب لغويّ واحد فقط، فلا يكون جملة تامَّة ولا شبه جملة.[36] والحال في انقسامه إلى مُفرد وجملة وشبه جملة يُماثل الخبر الذي ينقسم إلى الأقسام ذاتها.[37] وُرِدَت هناك عدد من الألفاظ السماعيَّة المُرَكَّبة مُلازمَةً النَّصب على الحاليَّة، وفي الغالب تُؤوَّل هذه الألفاظ باسم مُفرَد، ومن هذه الألفاظ ما جاء مُرَكَّباً على صيغة لفظية مُشابهة لصيغة العدد «خَمسَةَ عَشَر»، مثل: «اُهرُبُوا شَذَرَ مَذَرَ»، بمعنى: مُتَفرِّقين مُشَتَّتِين، ومثل: «هُوَ جَارِي بَيتَ بَيتَ»، بمعنى: متلاصِقَين، ومثل: «حَارَبنَا المُستَعمِرَ كَفَّةً كَفَّةً»، بمعنى: مُتَوَاجِهَينِ.[ملاحظة:2] ومنها ما جاء مُرَكَّباً تَركِيباً إضافياً، مثل: «أَيدِي سَبَأ، أَيَادِي سَبَأ، بَادِئَ بَدء، بَادِئَ بَدأَة، بَادِئَ بَدَاء، بدأة بدأة».[38][39] الحال المُفرَدالحال المُفرد – كما سبق – هو مَا يُذكَر على هيئة تركيب لغويّ واحد، ويُقابله الحال عندما يُؤتَى به شبه جُملة أو جملة تامَّة. والحال المُفرد يضمُّ الحال عندما يكون اسماً مُشتَقّاً وعندما يكون مصدراً، وفي جميعها يُعرَب بعلامة أصليَّة سواءً كانت ظاهرة أو مُقَدَّرة، ويَتبَع صاحب الحال في العدد وفي الجِنس، وهذا ما يفتقده الحال شبه الجملة والحال الجملة. والحال في أصلِه هو اسم مُشتَق، وهذا يعني أيضاً أنَّ الأصل فيه أيضاً أن يكون مُفرداً لا جملة أو شبه جملة، ويُقصَد بالاسم المُشتَق أسماء الوصف العاملة التي تُشتَقُّ قياسياً من الفعل على أوزان خاصَّة بها، وَتَدلُّ على ذوات مُتَصِفَة بالمصدر الذي اُشتُقَّت منه، فعندما يكون الاسم مُشتَقاً فهو قد يكون اسم فاعل، مثل: «»، وقد يكون اسم مفعول، مثل: «»، وقد يكون صفة مُشَبَّهة باسم الفاعل، مثل: «»، وقد يكون اسم تفضيل، مثل: «».[32] يرى بعض النّحاة أن مجيء الحال مصدراً ليس أسلوباً قياسياً، بمعنى لا يمكن لأيِّ مصدر أن يُعرَب حالاً، وإنَّما يقتصر ذلك على بعض المصادر التي سُمِع وقوعها موقع الحال في شواهد فصيحة، وفي المقابل يذهب غيرهم إلى أنَّه قياسي إطلاقاً، ومِمَّن قال بقياسيَّة هذا الأسلوب محمد عيد.[40] ويرى بعض النُّحاة أنَّ الحال عندما يُؤتى به مصدراً يجوز إعرابه كذلك مفعولاً مُطلقاً مُبَيِّن للنَّوع، ويحصر البعض الآخر هذا الأمر في المصادر التي تُبَيِّن نوع عاملها فقط، وليس جميع المصادر، فإذا قيل: «جَاءَ رَكضاً»، يمكن إعراب «رَكضاً» مفعول مطلق يعمل فيه فعل محذوف يُقَدَّر من نفس مادَّته، وذلك بتأويل الجملة على النَّحو: «جَاءَ يَركُضُ رَكضاً»، ويمكن في الوقت ذاته إعرابها حال بتأويل مُختلف، وذلك بتأويل المصدر باسم مُشتَق على النَّحو: «جَاءَ رَاكِضاً»، وُكلاً من التأويلين على صواب.[9] ويُناسِب بعض النُّحاة إعراب المصدر نائباً عن المفعول المُطلق وليس مفعول مُطلق، لتجنُّب تكلُّف التقدير، ولأنَّ المصدر اشتمل معناه على المفعوليَّة المطلقة ولكنَّ الفعل قبله لم يُطابِقه في اللفظ.[14] ويذهب بعض النُّحاة إلى منع مجيء الحال بهيئة مصدر، والمصدر في هذا الأسلوب هو مفعول مطلق، ويقتصر الحال المُفرد عندهم على الأسماء المُشتَقَّة فقط،[19] وذهب جمهور الكوفيين إلى أنَّ المصدر في هذا السياق هو مفعول مطلق مُبَيِّن للنَّوع، وليس حال، والعامل فيه هو الفعل الظاهر المُتَقَدِّم. وكان المُبَرد يرى أيضاً أنَّ المصدر هو مفعول مطلق، غير أنَّ المبرد يراه مُؤَكِّد لفعل محذوف يُقَدَّر من لفظه. وأجاز مُجَمَّع اللغة العربية في القاهرة مجيء الحال مصدراً في أحد قراراته.[41] الحال شبه الجملةمن الممكن أن يأتي الحال شبه جُملة، وشبه الجملة التي تُنصَب محلّاً على الحاليَّة قد تكون من الجار والمجرور، مثل: «تَرَكتُ رِفَاقِي فِي أَمَانٍ»، وقد تكون من الظرف والمُضاف إليه، مثل: «غَادَرتُ فَوقَ القَارِبِ». ويَذهب البعض إلى أنَّ شبه الجملة تكون من الظرف فقط، وليس من الظرف والمضاف إليه، فيُنصَب محلاً على الحاليَّة الظرف دون المضاف إليه في شبه الجملة.[37] وبعض النُّحاة يجعل شبه الجُملة مُتَعَلِّقة بمحذوفٍ، بحيث يكون هذا المحذوف هو الحال الحقيقية، وعادةً ما يُقَدَّر المحذوف «كَائِناً»، فيكون تقدير الحال الحقيقية في المثال السابق: «غَادَرتُ كَائِناً فَوقَ القَارِبِ» .[42] ويُعرَف تقدير حال محذوفة حلَّ محلَّها جارٌ ومجرور بالتضمين البياني.[43] الحال الجملةقد يجيء الحال جُملة تامَّة الأركان، والجملة التامَّة الأركان هي ما تَكوَّن من مُسند ومُسند إليه، بطريقة يتمُّ الإسناد فيها، والحال الجملة أو الجملة الحاليَّة من الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب، فتُعرَب الجملة ككل في محلِّ نصب حال. والجملة الحاليَّة تحلُّ محلَّ الحال المُفرَد، بمعنى أنَّ الجملة عندما تنصب على أنَّها حال فهِي لا تُنصب كذلك باعتبارها جُملة منفصلة مُتَعدِّدَة التراكيب، حتى وإن كانت كذلك إلى حدٍّ ما، وإنَّما باعتبارها تركيب لغويٌّ واحد، بينما الألفاظ التي تُكَوِّنها لا تُعرَب حالاً وتُعرَب حسب موقعها الإعرابي المُلائِم.[44] ومن الملاحظ وجود تشابه بالغ بين الحال عندما يكون مُفرداً وبين الحال الجُملة، فيُمكِن تحويل الحال من كونه مُفرد إلى جملة أو العكس بدون تغيُّر الكَثِير في المعنى.[45] ويُنصب على الحاليَّة الجملة بنَوعَيها، سواء كانت هذا الجملة اسميَّة من المبتدأ والخبر، مثل: «مَرَرتُ بِأَحمَدَ وَهُوَ يَعمَلُ»، وقد تكون فعليَّة من الفعل والفاعل أو نائب الفاعل، مثل: «خَرَجَ الأَولَادُ يَلعَبُونَ» و«عَادَ البَطَلُ يُثنَى عَلَيهِ». وتُؤَوَّلُ الجُمل الحاليَّة السابقة بالمُفرد على النَّحو: «مَرَرتُ بِأَحمَدَ عَامِلاً» و«خَرَجَ الأَولَادُ لَاعِبُونَ». ولا مانع أن يكون الحال في بعض الأحيان جملة حاليَّة ضمن جملة حاليَّة أخرى، مثل: «صددت كما صد الرمي تطاولت به مدة الأيام وهو قتيل»، فالجملة الفعلية «تطاولت» هي حال يعمل فيها الفعل «صد»، والجملة الاسميَّة «وهو قتيل» حال آخر يعمل فيه الفعل «تطاولت».[46] ويُشترطُ أربعة شروط لمجيء الحال جُملة فعليَّة أو اسميَّة، الشرط الأوَّل وهو أن يَكُون صاحِب الحال اسماً مُعَرَّفاً، فإن كان اسم نكرة فإنَّ الجملة بعده تُعرَب في محلِّ نعت، تطبيقاً للقاعدة التي تنصُّ على أنَّ الجُمَل بعد النَّكرات صِفات وبَعد المعارف أحوال.[47][48] والشرط الثانِي وهو أن تكون الجملة جملةً خبريَّة، فإن كانت الجملة لأغراض إنشائيَّة لا يصحُّ نصبها على الحاليَّة، فلا تُعرَبُ حالاً الجُمَل من مثل: «اِنتَهَى الطَّالِبُ مِنَ الاِمتِحَانِ هَل نَجِحَ فِيهِ؟» أو «اِنجَح فِيهِ» أو «لَا تَفشَل فِيهِ».[47][48] والشرط الثالث هو أن تُجَرَّد هذه الجُمل من علامات الاستقبال، فيُشتَرَط ألَّا تُبدَأ هذه الجُمَل بأداة من أدوات الشرط أو «السِين» أو «سَوفَ» أو «لَن»، فلا يصحُّ نصب الجمل المُصَدَّرة بما سبق، ومن مثلها: «خَرَجَ الأَولَادُ سيَلعَبُونَ».[47][48] والشرط الرابع هو اشتمالها على رابطٍ يربطُها بصاحب الحال، وهذا الرابط قد يكون واو الحاليَّة، مثل: «أَخَذَ مُوسَى المِفتَاحَ وَأَنَا نَائِمٌ»، وقد يكون ضمير عائد على صاحب الحال، مثل: «غَادَرَ المُزَارِعُ يَمشِي»، أو الأمران كلاهما، مثل: «تَسَلَّقتُ الشَّجَرَةَ وَعُصفُورٌ عَلَيهَا».[47][48] ويُضِيف البعض شرطاً آخر وهو ألَّا تكون الجُملة لغرض التَعَجُّب، لأنَّ التَعجُّب منه ما يدخل في الإنشاء ومنه ما يدخل في الإخبار أيضاً، ويمتنع نصب الجملة التعجُّبيَّة في كِلَي الحالَتَينِ.[18] يُمنَع مَجِيء الجُملة الحاليَّة مُستَعمَلة لأيِّ غرض إنشائي لأنَّ الغرض الأصلي من الحال هو مُطابَقة زمنها بزمن وقوع العامل، وبشكل عام فإنَّ الجُمل الإنشائيَّة ليس لها زمن مُعَيَّن، وفي الأغلب لا يعلم المتكلِّم على وجه اليقين زمن وقوعها وإنَّما يطلب أو يتمنَّى وقوعها أو ينهي عنها، وبالتالي لا يمكن تقييد زمنها وتطويعه ليُطابِق زمن العامل، وهذا ما يُخالف ويُناقِض صِفَةً جوهريَّة في الحال مُنِعَ بسببها مجيء الجملة الإنشائيَّة حالاً.[49] غير أنَّ هناك من النُّحاة من أجاز هذا الأمر، فأجاز الفرَّاء مجيء الحال جملة فعليَّة فِعلها أمر، واستدلَّ فيما ذَهَبَ إليه بقول أبي الدرداء: «وَجَدتُ النَّاسَ اخبِرْ تَقلَه»، وأجاز الأمِين المحلِّي مجيء الحال جُملة فعلية فعلها مُضارع مسبوق بلا الناهية، واستدلَّ ببيتٍ شعري شكَّك البعض في فصاحته ذُكِرَ فِيه: «اطلِب وَلَا تَضجَر مِن مَطلَبٍ»، وذهب ابن الشجري أيضاً إلى أنَّ الجملة الدعائيَّة قد تُنصَب على الحاليَّة، مُستَدِلاً بالآية القرآنيَّة: «وَالمَلَائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيكُم...»، وذلك على التأويل بالقول: «يَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيكُم». يَكثُر دخول «إِنْ» الشرطيَّة على الجملة الحاليَّة المسبوقة بالواو، وخاصَّةً في الشعر، فيُقال: «لَا حُبَّ تَنّشَّأَ فِي فُؤَادِي فَلَيسَ لَهُ، وَإِنْ زُجر، اِنتِهَاءُ».[50] رابط الجملةإذا كان الحال جُملَةً يَتَعَيَّن وجود رابط يربطها بصاحب الحال، والأصل في هذا الرابط أن يكون ضمير بأنواعه، سواءً منفصل أو متَّصل أو مستتر، يَعُود على صاحِب الحال ويربط الجملة به.[51] غيرَ أنَّ الحال الجملة قد يَسبَقُها واواً تُعرف باسم «وأو الحاليَّة» أو «وأو الابتداء»، ووظيفتها تكمن في ربط الحال بصاحبها، وهذه الواو تدخل على الحال عندما يكون جملةً اسميَّة كما تدخل عليه عندما يكون جملةً فعليَّة. وَاختِلاف الروابط لا يَعنِي عدم إمكانيَّة الجمع بينهما، فقد يجتمع في الجملة الحاليَّة الرابطان كلاهما - أي الضمير والواو. ودخول الواو على الجُملة الحاليَّة هو جائز في أغلب الحالات، وأكثر ما يكون هذا في الجملة الاسميَّة التي اقترنت بضمير يعود على صاحبها، مثل: «تَقَدَّمَ المَلِكُ تَاجُهُ عَلَى رَأسِهِ» فيُقال: «وَتَاجُهُ عَلَى رَأسِهِ».[52] غير أنَّ دخولها واجب في مواضع مُعيَّنة وفي مواضع أخرى يمتنع دخولها. ويَجِب اقتران الجُملة بواو الحاليَّة في المواضع التالية:[53] يَجِب اقتران الواو بالجملة الحاليَّة إذا لم تَشتمل الجملة على ضمير يربطها بصاحب الحال، ويبطل هذا الوجوب إذا اشتملت الجُملة على ضمير مُقَدَّر، فالشرط هو خلو الجملة تماماً من أيِّ ضمير سواء في الظاهر أو التقدير. ومع ذلك فقد ورِدت عدد من الشواهد الفصيحة لم تقترن فيها الجملة بالواو على الرغم من خلوِّها من ضمير عائد.يجب اقتران الواو في الجملة الفعليَّة التي فعلها مضارع مُثبَت مَسبُوق بحرف «قَد»، مثل: «لِمَ تُؤذُونَنِي وَقَد تَعلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم». يجب اقتران الواو في الجملة الاسميَّة التي مُبتدأها ضمير منفصل يعود على صاحب الحال، مثل: «عَمِلنَا وَنَحنُ مُتعَبُونَ». يجب اقتران الواو في الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ مُتَصَرِّف خالٍ من ضمير عائد، مثل: «جَاءَ وَقَد اِنتَهَيتُ مِنَ العَمَلِ». أمَّا إذا كان هناك ضمير عائد في الجملة فيجوز اقترانها بالواو، مثل: «جَاءَ وَانتَهَيتُ مِن عَمَلِهِ». ويشترط بعض النُّحاة في الفعل الماضي أن يكون مُثبَتاً،[53] بينما يجيز آخرون مجيئه مُثبتاً أو مَنفياً.[54] وفي المقابل يمتنع اقتران الجُملة بواو الحاليَّة ويَجِبُ اقترانها بضميرٍ يعود على صاحِب الحال في المواضع التالية:[55] يمتنع اقتران الواو بالجملة الفعليَّة التي فعلها مُضارع مُثبت لَم يُسبَق بالحرف «قَد»، مثل: «رَأَيتُ حِصَاناً يَقفُزُ». يمتنع اقتران الواو إذا كانت الجُملة مُؤَكِّد لمضمونٍ يَسبقُها، مثل: «ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ» أو «هُوَ الحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ». يَمتَنِع اقتران الواو إذا عُطِفَت الجملة على حال آخر بحرف العطف «أَو»، لأنَّ الحرف «أَو» لا يجوز اقترانه بالواو، مثل: «جَاءَ مُحَمَّدٌ يَمشِي أو هُوَ رَاكِبٌ». وهناك من النُّحاة من يحصر هذه القاعدة على الأفعال الماضية فقط.[54] يمتنع اقتران الواو بالجملة الفعليَّة التي فعلها مضارع مَسبوق بحرف النفي «لَا» أو «مَا»، مثل: «رَأَيتُكُم لَا تُصَلُّون» و«دَخَلَ الطَّالِبُ الاِمتِحَانَ وَاثِقاً مَا يَهَابُ الفَشَلَ». أمَّا إذا كانت مَنفِيَّةً ب«لَم» أو «لَمَّا» فالواجب أن يكون الرابط فيها الواو والضمير معاً يمتنع اقتران الواو بالجملة الفعليَّة التي فعلها ماضٍ مَسبوق بالحرف «إِلَّا»، مثل: «مَا قَلِقَ إِلَّا اِنهَارَ». غير أنَّ هناك شواهد شعريَّة خالفت هذه القاعدة، ومنها قول الشاعر: «نعم امرؤ هرم لم تعر نائبة إلا وكان لمرتاع بها وزرا»، وقول آخر: «متى يأت هذا الموت لم يلف حاجة بنفسي إلا قد قضيت قضاها».[56] إذا وَقَعت الجملة الحاليَّة بعد «إِلَّا» يجب أن تشتمل على ضمير يعود على صاحِب الحال، ويجوز ولا يجوز أن يسبقها واو الحاليَّة، فيُقال: «مَا عَرِفتُكَ إِلَّا لَكَ أَخلَاقٌ»، ويجوز أن يُقال: «مَا عَرِفتُكَ إِلَّا ولَكَ أَخلَاقٌ».[57] ويجب أن تقترن الجملة بالواو والضمير معاً إذا كانت فعليَّة فعلها مضارع مسبوق بحرف النَّفي «لَم» أو «لَمَّا»، مثل: «» و«». وإذا اشتملت الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ على ضمير يعود على صاحبها فالأغلب أن تُربَط بالضمير والواو و«قَد» جميعهم، مثل: «اِنطَلَقَ المُتَسَابِقُ وَقَد تَهَيّأَ»، ومن الممكن أن تُربَط بالضمير و«قَد» فقط، فيُقال: «اِنطَلَقَ المُتَسَابِقُ قَد تَهَيّأَ»، ومن الممكن أيضاً أن تُربَط بالضمير وحده، فيُقال: «اِنطَلَقَ المُتَسَابِقُ تَهَيّأَ». وإذا كانت الجملة فعليَّة فعلها ماضٍ ومسبوقة بحرف نفي فالأكثر أن تُربَط بالضمير والواو كليهما، مثل: «ذَهَبتُ إِلَى المَكتَبَةِ وَمَا قَرَأتُ»، وقد تُربَط بالضمير فقط دون الواو. وتصحُّ الأحكام السابقة إذا لم يَسبق الجملة الفعلية الماضية الحرف «إِلَّا»، فإن سَبَقَها فلا يدخل عليها الواو أو «قَد».[58] وقد يحصل في مواضع نادرة ألَّا يكون هناك أي رابط يربط الجُملة الحاليَّة بصاحبها، وفي هذه المواضع يُقَدَّر رابط إمَّا الواو أو الضمير، ومن الشواهد على ذلك: «ثُمَّ اِنصَبَبنَا جِبَال الصفر مُعرضة عن اليسار»، فالجملة الاسمية «جِبَال الصفر مُعرضة» لم تَشمل أي رابط يربطها بصاحِبها، وقدَّر النُّحاة رابط لها والتقدير: «جِبَال الصفر مُعرضة مِنَّا»، والرابط هو الضمير «نَا» في «مِنَّا».[59] الحال الجامدةقد تجيء الحال اسماً جامداً في بعض المواضع، وذلك إذا كان بالإمكان تأويلها باسم مُشتَق، وتُذكَر الحال على هيئة اسم جامد في المواضع التالية:[32][32][60][61][62] إذا ذُكِرَ الاسم الجامد للتشبيه، مثل: «غَطَسَ زَيدٌ سَمَكَةً»، وذلك إذا كان الحال في قوة المشبَّه به، ويُؤَوِّل النُّحاة الجملة السابقة على النحو: «غَطَسَ زَيدٌ مُشَابِهاً السَّمَكَة».[63] إذا كانت دلالة الاسم الجامد على المفاعلة، ويُقصَد بالمفاعلة وقوع الفعل من جانبَين، مثل: «قَابَلتَهُ وَجهاً لِوَجه»، وذلك على التأويل ب«مُواجِهاً»، ومثل: «سَلَّمتَهُ يَداً بِيَد»، على التأويل ب«مُصَافِحاً» أو «مُقَابِضاً».[60][63] ويُؤَوِّل بعض النُّحاة الحال الجامدة في المثالَين السابقين بصيغة التثنية بدلاً من الإفراد، على النَّحو: «مُتَوَاجِهَينِ» و«مُتَقَابِضَينِ»، باعتبار أنَّ الحال لم تُبَيِّن هيئة طرفٍ واحدٍ بل اثنين، فأُدخِلَت علامة التثنية وفقاً لقواعد المطابقة بين الحال وصاحبها.[64][بحاجة لمصدر] إذا دلَّ الاسم الجامد على ترتيبٍ مُعَيَّن، مثل: «اُدخُلُوا رًجُلاً رَجُلاً». حيث «رَجُلاً» حال منصوب بالفتحة الظاهرة على آخرة، واختَلَف النُّحاة حول «رًجُلاً» الأخرى، فذهب بعضهم إلى أنَّها حال أيضاً، وذهب غيرهم إلى أنَّها معطوفة على الأولى بحرف عطف مُقَدَّر تقديره «ثُمَّ» أو «الفَاء»، وقال آخرون أنَّها توكيد لفظي للأولى، وذهب غيرهم إلى أنَّ المعنى المفهوم من مجموع الكلمتين هو ما يُنصَبُ على أنَّه حال وذلك على تقدير «مُرَتَّبِينَ»[32] إذا دَلَّ الاسم الجامد على التفصيل، مثل: «حَفِظتُ النَصَّ حَرفاً حَرفاً». إذا دلَّ الاسم الجامد على التقسيط، مثل: «اَنهَيتُ القِرَاءَةَ فَصلاً عَن كُلِّ فَصلَينِ». إذا كان الاسم الجامد موصوفاً، مثل: «إِنَّا أَنزَلنَاهُ قُرآناً عَرَبِياً» أو «فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً»، وتُسَمَّى الحال حينها «حَال مُوطِّئة»، لأنَّ معناها يعتمد على الصِّفة بعدها، والمعنى المقصود للحاليَّة ليس معنى الاسم الجامد ذاته وإنَّما المعنى الذي اكتَسَبَه من وصفه بصفة ما بعده، فَكَانَّما الحال هو الصفة أمَّا الاسم الجامد فهو المُوطِّئ أو المُمَهِّد لها، وذلك في مُقابِل «الحال المَقصُودَة لِذَاتِها» التي تكون حالاً بمعناها الأصلي.[22][32][65] والملاحظ أنَّ الصفة في هذا الأسلوب دائماً ما تكون اسماً مُشتَقاً، كما في المثالين السابقين «عَرَبِياً» و«سَوِيّاً».[30] إذا دَلَّ الاسم الجامد على سعر أمرٍ ما، مثل: «اِشتَرَيتُ السُّلعَةَ رُزمَةً بِدِينَارٍ»، وتأويل الاسم الجامد يكون على النحو: «مُسَعَّراً».[63] إذا دَلَّ الاسم الجامد على عدد، مثل: «فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَربَعِينَ لَيلَةً».[66] إذا دَلَّ الاسم الجامد على حالٍ وقع فيه تفضيل شيءِ على نفسه من جهتين، مثل: «أَنتَ صَبِيّاً أَفضَلُ مِنكَ رَجُلاً».[66] إذا دلَّ الاسم الجامد على نوع صاحِبه، مثل: «نَحَتَ التِمثَالَ حَجَراً».[64][66] إذا كان الاسم الجامد فرعاً من صاحبه، مثل: «وتَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بِيُوتاً».[64][66] إذا كان الاسم الجامد أصلاً لصاحبه، مثل: «أَأَسجُدُ لِمَن خَلَقتَ طِيناً».[64][66] إِذا ذُكِرَ الاسم الجامد في سياق فيه تفضيل، مثل: «». في الأصل يُؤَوَّل كُلُّ اسم جامد واقع موقع الحال باسم مُشتَق مناسب يلائم موقعه، غير أنَّ هذا التأويل ليس واجباً في المواضع من البند السابع حتى الأخير،[66] والمواضع التي يمكن التأويل فيها يُلحِقها بعض النُّحاة بالحال عندما يكون اسماً مُشتقاً. ويُضِيف بعض النُّحاة مجيء الحال مصدراً إلى المواضع السابقة.[67] حذف الحالالحال هو اسم فَضَلَة وليس عُمدَةً في الكلام، وكثيراً ما يُورِد النُّحاة هذا الأمر في تعريف الحال، بمعنى أنَّ الحال ليس ضروريّاً في الجُملة، فهو من مُكَمِّلاتها المنصوبة ويُلحق بالمفاعيل في بعض الأحيان. والحال يُمكِن الاستغناء عنه من ناحية التركيب اللغوي، ولكن لا يُمكن الاستغناء عنه من ناحِيَة المعنى، فَمَتى ما ذُكِرَ الحال في الجملة لا يمكن الاستغناء عنه بدون وَجه، ولكن يُمكن صياغة الجُملة والإتيان بها مُجَرَّدة من الحال منذ البداية. والإتيان بالجملة مُجَرَّدة من الحال لا يُسَمَّى حذفاً، وإنَّما يُسَمَّى استغناء، لأنَّ صياغة الجُملة مُجَرَّدة من الحال يعنِي عدم وجودها، أمَّا الحَذف فهو تجريد الجُملّة مِمَّا كان موجوداً لسببٍ من الأسباب.[68] وعلى الرغم من أنَّ الحال يمكن الاستغناء عنها بشكل عام، إلَّا أنَّها قَد تأتِي في بعض المواضع ضروريَّة في الجُملة، بِحَيث تُصبِح الجُملة ناقصة بغير ذِكرها ولا يستقيم معناها، مثل الآية: «وَلَا تَقرِبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُم سُكَارَى»، فلا يمكن الاستغناء عن الحال في هذه الآية لأنَّها ستدلُّ حينها على تحريم الصلاة، ومثل الآية: «وَمَا خَلَقنَا السَّمَاوَاتِ والأَرضَ وَمَا بَينَهُما لَاعِبِين».[28][69] صاحب الحالصاحِب الحال هو الاسم الذِي يُذكَر الحال لبيان هيئته، وتكون الحال صفة له في المعنى، ولهذا الاسم مواقع إعرابيَّة عديدة في الجملة الفعليَّة أو الاسميَّة، فهو قَد يأتي فاعلاً، مثل: «جَاءَ زَيدٌ مَاشِياً»، أو نائباً عن الفاعل، مثل: «ضُرِبَ الطِّفلُ بَاكِياً»، أو مبتدأ، مثل: «»، أو خبراً، مثل: «»، أو مُضافاً إليهِ، مثل: «رَاقَبتُ ذَهَابَكَ مُبتَعِداً»، أو مجروراً بحرف جر، مثل: «مَرَرتُ بِمُحَمَّدٍ قَاعِداً»، أو أحد المفاعيل كالمفعول به، مثل: «أَكَلتُ الطَّعَامَ سَاخِناً»، والمفعول المطلق، مثل: «كَتَبتُ الكِتَابَةَ كَبِيرَةً»، والمفعول لأجله، مثل: «هَرَبتُ خَوفَ المَوتِ مُتَعَاظِماً»، والمفعول فيه، مثل: «خَرَجتُ العَصرَ وَهُوَ مُشمِسٌ»، والمفعول معه، مثل: «سَهَرتُ وَالقَمَرَ مُضِيئاً».[70][71] وفي بعض المواضع لا تأتِي الحال مُبَيَّنة هيئة صاحبها مُباشَرةً، وإنَّما تُبَيِّن ما يحمل ضميراً يعود عليه، مثل: «»، وتُسَمَّى الحال في هذه المواضع «حال سَبَيِيَّة»، أمَّا الحال المُعتادَة التي تُبَيِّن هيئة صاحبها مُباشرة فتُسَمَّى «حال حَقِيقِيَّة».[21][22] وبعض من النُّحاة من يرى أنَّ صاحب الحال لا يجيء سوى فاعل أو أحد المفاعيل في المعنى، وجميع المواقع الإعرابيَّة الأخرى تَحمُل في التأويل معنى الفاعلية أو المفعوليَّة، فصاحب الحال هو فاعل أومفعول إمَّا في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط، فإذا قيل: «رَأَيتُ سُقُوطَ الحَجَرِ مُتَدَحرِجاً»، فإنَّ صاحب الحال «الحَجَرِ» تَضَمَّن معناه الفاعليَّة – فهو الذي سقط - حتى وإن كان في واقع الأمر مُضافاً إليه، وإذا قيل: «مَرَرتُ بِمُحَمَّدٍ قَاعِداً»، فصاحب الحال هنا هو مفعول به غير صريح – المرور وقع على محمد -، حتى وإن كان مجروراً بحرف جر.[72][73] يُشتَرط في صاحب الحال لِكَي يكون مُضافاً إليه أمران، الأوَّل وهو أن يَعمَل فيه الاسم المُضاف الفاعل أو المفعول، ويحدث هذا الأمر في موضعَين، الموضع الأوَّل عندما يكون الاسم المُضاف مصدراً عاملاً، مثل: «أَكرَهُ سَمَاعَ الأَغَانِي صَاخِبَةً»، والموضع الثاني عندما يكون الاسم المُضاف وَصف، مثل: «مُحَمَّدٌ رَافِعُ العَلَمِ عَالياً». والشرط الثاني هو أن يَصُحَّ إبدال المُضاف إليه محل المُضاف، ويَصحُّ ذلك عندما يكون الاسم المُضاف جُزءاً من المُضاف إليه، مثل: «رَأَيتُ وَجهَكَ غَابِراً»، أو يكون بمثابة جزء منه، مثل: «سَمِعتُ حَدِيثَ المُعَلِّمِ مُوَضِّحاً»، فيصحُّ القول في المثالين السابقين: «رَأَيتُكَ غَابِراً» و«سَمِعتُ المُعَلِّمَ مُوَضِّحاً». أمّا إذا لم يُحَقِّق المُضاف إليه الشروط في المواضع السابقة فلا يكون صاحباً لحال، فلا يقال: «رَأَيتُ قَلَمَ الطَّالِبِ مُهَذَّباً»، لأنَّ «قَلَمَ» ليس جُزءاً من «الطَّالِبِ».[74][75] ولم يقبل أبو علي الفارسي أيّاً من الشروط السابقة الذكر، وأجاز مجيء المُضاف إليه صاحباً للحال مُطلقاً بدون قيود، ويُستَشهَد ببيت شعرٍ لإثبات صُحَّة ما ذهب إليه أبو علي، وهو بيت لتأبَّط شراً يُذكَر فيه: «سَلَبتَ سِلَاحِي بَائِساً وَشَتَمتَنِي»، فالملاحظ أنَّ الحال «بَائِساً» ارتبطت بياء المُتَكلِّم الواقعة في محلِّ جر مُضاف إليه. وسار نُحاة آخرون مسار أبي علي في هذه المسألة منهم محمد عيد.[76] في بعض الأحيان تأتي الحال لتُبَيِّن هيئة أكثر من اسم واحد، وفي هذه الحالة يكون صاحب الحال مُتَعَدِّداً، فعلى سبيل المثال قد يكون صاحب الحال هو الفاعل والمفعول به كليهما، مثل: «وَدَّعَ الرَّجُلُ صَدِيقَهُ مُتَعَانِقَينِ»، حيث «مُتَعَانِقَينِ» حال منصوب بالياء ذُكِر ليصف هيئة الفاعل والمفعول به وقت الفعل.[3][36] تنكير صاحب الحالغالباً ما يكون صاحب الحال اسماً مُعَرَّفاً، وهذا هو الأصل، لأنَّ صاحب الحال إذا كان نكرة سيصير الحال عندها نعتاً. غير أنَّه قد يجيء مُنَكَّراً في مواضع مُعيَّنة ذكرها النُّحاة لا يجيء نكرةً في غيرها.[70] والمواضع أو المُسَوِّغات التي تسمح لصاحب الحال أن يكون نَكِرة تُشابِه إلى حدٍّ ما مُسَوِّغات تنكير المُبتدأ، ويرجع هذا الأمر إلى التشابه بين الحال والخبر، فكُل منهما صفة لِما حُكِمَ عليه، فالعلَّة في تعريف المبتدأ وصاحب الحال هي وقوعهما موقع المحكوم عليه، لذا تشابهت مُسَوِّغات تنكيرهما.[40][77] ويُذكر صاحب الحال مُنَكَّراً في الحالات الآتية:
وُرِدَت هناك شواهد قليلة كان فيها صاحب الحال مُنَكَّراً في غير هذه المواضع ولا مُسَوِّغ لتنكيره.[79] مطابقة الحال لصاحبهاتُطابِق الحالُ صاحبَ الحال من ناحية التذكير والتأنيث ومن ناحية العدد.[6][80] ويُستَثنَى من هذه المطابقة أربعة مواضع، يُخالف فيها الحال صاحبه، وثلاث من هذه المواضع مُرتبط بالحال نفسه وواحِد مُرتَبِط بصاحبه. وتَحدُث المُخالفة في المواضع التالية:[70]
موقع الحال في الجملةالأصل أن يأتِي العامل في الحال ثُمَّ صاحِبها ثُمَّ الحال نفسها، بمعنى أنَّ الحال في الترتيب الصحيح تتأخَّر عن عاملها وعن صاحِبها، وهذا الترتيب هو المُستَعمل في أغلب الحالات.[78] إِلَّا أنَّ تقدُّم الحال على صاحِبها، حتى إن لم يكن الأسلوب الشائع أو الأصل، فهو جائز في جميع الحالات مع وجود بضع استثناءات، فيُقال: «قَعَدَ سَاجِداً المُصَلِّي». وقد تتقدَّم الحال على عاملها كذلك، وتقدُّمها على عاملها هو جائز في أغلب الأحيان أيضاً، فيُقال: «سَاجِداً قَعَدَ المُصَلِّي».[81][82] ويُستَدرك بعد ذلك مواضع مُعيَّنة شاذَّة نصَّ عليها النُّحاة يجب فيها تقديم الحال أو يمتنع فيها تقديمه على صاحب الحال أو العامل. وجوب تقدُّمهايَجِب تقديم الحال على عاملها في المواضع التالية:
ويجب تقديمها على صاحب الحال في مواضع عِدَّة، وفي هذه المواضع يجوز تقدُّمها أو تأخُّرها عن العامل، وهذه المواضع هي:[33]
منع تقدُّمهايمتنع تقديم الحال على صاحبها ويجب تأخُّرها عنه في عدد من المواضع. وهذه المواضع هي:
ويمتنع تقديم الحال على عاملها في المواضع التالية:
تعدُّد الحالالغالب في اللغة العربية أن يكون هناك حال واحدة فقط، وتُسَمَّى الحال الوحيدة حينها «حَال مُتَفَرِّدة»، والحال المتفرِّدة قد تكون من لفظ واحد، وذلك إذا كانت مُفرَدة (مُشتَقة أو مصدر أو اسم جامد)، وقد تتألَّف من أكثر من لفظ واحد، ويتمُّ هذا الأمر مع الحال شبه الجملة والحال الجملة، غير أنَّ هذه الألفاظ المُتعدِّدة تجتمع لتُكوِّن حال واحدة فقط. ومن الممكن أن يُوجد في الجملة أكثر من حال واحدة بألفاظ متعدِّدة بالضرورة، مثل: «شَاهَدتُ التِلفَازَ مُستَمتِعاً مُتَعَلِّماً مُستَفِيداً»، فجميع الأسماء المُشتَقَّة في المثال السابق منصوبة على الحاليَّة، والملاحظ أنَّ الحال في تعدُّدها تُماثل الخبر من هذه الناحية، فيأتي الخبر مُتعدِّداً بصورة مُشابهة، فيُقال مثلاً: «مُشَاهَدَةُ التِلفَازِ اِستِمتَاعٌ وَتَعَلُّمٌ وَاِستِفَادَةٌ»، برفع المصادر جميعها على الخبرية.[87] وتعدُّد الحال قد يكون على أكثر من مجرَّد صورة واحدة، مثل: «رَأَيتُ شَخصاً خَائِفاً يَهرُبُ» أو «صَرَخَ الضَحِيَّةُ مُستَنجِداً عَلَى الرَّصِيفِ وَهُوَ يَفِرُّ»، فتنوَّعت الحال المتعدِّدة من مُفردة إلى جملة إلى شبه جملة.[81] وتعدُّد الحال بالنسبة إلى صاحبها يأتي على نوعَين، النوع الأوَّل تتعدَّد فيه الحال مع ارتباطها بصاحب واحد، مثل: «رَجِعتُ مُستَبشِراً مُهَلِّلاً فَرِحاً»، فجميع هذه الأوصاف تتعلَّق بالفاعل وحدَه، والنَّوع الآخر تتعدَّد فيه الحال مع ارتباطها بأكثر من صاحب، بحيث يختلف صاحب الحال من حالٍ إلى أخرى، مثل: «غَادَرَ الصَبِيُّ القَريَةَ مُظلِمَةً مُبتَعِداً»، وهذا النَّوع أكثر تعقيداً في المعنى من الأوَّل وأكثر عُرضة للالتباس والخطأ، وفي النص السليم بلاغياً يمكن ملاحظة قرينة معنوية أو لفظية تربط كُلَّ حال بِصاحِبها، والقرينة اللفظية في المثال السابق هي تاء التأنيث التي أوضحت أنَّ «مُظلِمَةً» وصف للقرية وليس الفاعل، ومن القرائن اللفظية الأخرى دخول حروف التثنية والجمع على الحال المُتَعدِّدة، فتكون الحال المُثنَّاة وصف لصاحبها المُثَنَّى، والحال التي تدلُّ على الإفراد وصف لصاحبها المُفرد، وهكذا بالنسبة للحال المجموعة، مثل: «سَمِعَ الأَولَادُ نَصحَ الوَالِدَينِ مُنصِيتِينَ صَادِقاً مُؤَنِّبَينِ»، وعندما لا تدخل على الحال المُتعدِّدة قرينة لفظيَّة تُميِّز بينها كما في الأمثلة السابقة يمكن الاهتداء إلى صاحب كُلِّ حال بالنظر إلى المعنى العام للجملة والبحث عن قرينة معنويَّة تربط الحال بصاحبها الحقيقي، مثل: «تَسَلَّقَ الرَّجُلُ الجَبَلَ صَاعِداً سَاكِناً»، فلا يمكن أن يتعلَّق الحالين بصاحب واحد، لأنَّ السكون والصعود لا يجتمعان في أمرٍ واحد في نفس الوقت، ولم تدخل قرينة لفظيَّة تربط الحال بصاحبها، ولكن يمكن بعد وضع مقارنة بين مدلول الألفاظ في سياق الجملة أن نربط كُلَّ حال بصاحبها، فالجبل ساكن لا يصعد، بينما التسلُّق يتطلَّب من الرَّجل الصعود، وهكذا كان صاحب الحال «صَاعِداً» هو «الرَّجُلُ»، بينما صاحب الحال «سَاكِناً» هو «الجَبَلَ». أمَّا إذا لم يكن بالإمكان ربط كُلّ حال بصاحبها، ولم يوجد في الجملة قرينة معنوية أو لفظية تساعد على ذلك، فقد وضع النُّحاة قاعدة لتلافي اللبس والخطأ يجب اللجوء إليها عند صياغة جملة متعدِّدة الأحوال وخالية من القرائن، وتنصُّ القاعدة على تقديم الحال المُرتَبطة بالصاحب الثاني على الحال المُرتبطة بالصاحب الأوَّل، مثل: «كَلَّمَ مُحَمَّدٌ زَيداً وَاقِفاً جَالِساً»، فيكون صاحب الحال الأولى هو المفعول به المُتأخِّر، بينما تاء الفاعل المُتَقَدِّم هو صاحب الحال الثانية. أمَّا إذا أُمِنَ اللِّبس بوجود قرينة تدلُّ على ارتباط كُلّ حال بصاحبها الحقيقي فيجوز التقديم والتأخير بين الحال المُتَعدِّدة، فيُقال: «رَأَيتُ المُعَلِّمَةَ تَشرَحُ الدَّرسَ وَاقِفَةً مَارّاً» أو «رَأَيتُ المُعَلِّمَةَ مَارّاً تَشرَحُ الدَّرسَ وَاقِفَةً».[42][88] ويعارض البعض الترتيب السابق الذي وضعه النُّحاة التقليديون، ويُفضِّلون تقديم الحال المرتبطة بالصاحب المُتَقدِّم وتأخير الحال المرتبطة بالصاحب المُتأخِّر، باعتبار أنَّ الترتيب هذا هو الأصل الذي يتَّجه إليه ذهن المخاطَب والمستَمع، وليس العكس كما يُشاع في التقليد النحوي.[89] تعريف الحال وتنكيرهاالأصل في الحال أن تكون نكرةً، إِلَّا أنَّها قد تجيء مُعَرَّفةً في مواضع قليلة بعضها قياسيّ وبعضها سماعيّ، وعندما تكون الحال معرِفة فهِي تؤوَّل باسم نكرة، فهي معرفة في اللفظ ولكنَّها نكرة في المعنى. وهذه الألفاظ والأساليب المأثورة أغلبها لم يعد يَستَعمل في اللغة المعاصرة،[90] غير أن بعضها لا يزال يُستعمل بكثرة، مثل: «خَرَجَ الطِّفلُ وَحدَهُ»، والحال في هذا المثال مُعَرَّفة بالإضافة، لكنَّ النُّحاة تماشياً مع القاعدة التي تنصُّ على أنَّ الأصل في الحال أن تكون نكرة قاموا بتأويلها باسم نكِرَة هو «مُنفَرِداً». ومن المواضع الأخرى التي تكون فيها الحال مُعَرَّفة قَولهم: «مَشَوا الجَمَّاءَ الغَفِير»، بمعنى: جماعة كبيرة، وكذلك قولهم: «رَجِعَ عَودَهُ عَلَى بَدئِهِ»، بمعنى: عائداً، وقولهم: «اُدخُلُوا الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ»، بمعنى: مُرَتَّبِينَ، وقولهم: «رَأَيتَهُم قَضَّهُم بِقَضِيضِهِم»، بمعنى: جميعاً، وقولهم: «سَعَوا إِلَى المَجدِ جُهدَهُم»، بمعنى: جاهدين، وقولهم: «أَرسَلَهَا العِرَاكَ»، بمعنى: متزاحمة.[3][39][91] ومن هذه المواضع أيضاً قراءةً غير مشهورة لآية في سورة «المنافقون» حيث يُذكَر فيها: «لَئِن رَجَعنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيَخرُجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ»، حيث «الأَذَلَّ» حال جامدة على تأويل لاسم المشتق «ذَلِيلَاً».[90] وتأتِي الحال مُعَرَّفة بالإضافة في بعض الألفاظ السماعيَّة التي وُرِدَت مُرَكَّبةً تركيباً إضافياً، مثل: «بَادِئَ بَدءِ» و«أَيَادِي سَبَأِ».[39] أحكام الحالقد تَسدُّ الحال مَسَدَّ خبر المُبتدأ فَتُغنِي عَنهُ، ويُحذَف عندها، ويكون ذلك عندما تكون الحال مُفَرَدة أو جُملة، وتسدُّ الحال كذلك مَسدَّ خبر «لَيسَ» النَّافية للجنس.[50] ملاحظاتملاحظة ثانية : التَعبير «كَفَّةً كَفَّةً» أصله «كَأَنَّ أَكُفّنَا مَسَّت أَكُفَّهُم»، ووضع بعض اللغويين معنى آخر هو «نَمنَعُهُم وَيَمنَعُونَا». وذُكِرَ التعبير السابق على صور مختلفة، منها: «كَفَّةً لِكَفَّةٍ»، و«كَفَّةً مَعَ كَفَّةٍ».[39] ملاحظة ثالثة : من الشواهد التي ورِدت وفيها الحال اسم جامد يدلُّ على التشبيه ما قالته هند بنت عتبة وهي تُحَرِّض قبيلة قريش على قتال المؤمنين:[92] أَفِي السِّلمِ أَعيَاراً جَفَاءً وَغُلضَةً وَفِي الحَربِ أَشبَاهَ النِّسَاءِ العَوَارِكِ حيث «أَعيَاراً» كناية عن الحيوانات المُتَوَحِّشة، و«النِّسَاءِ العَوَارِكِ» يقصد بها النِّساء الحائضات. ومن الشواهد الأخرى بيت لأحد أصحاب علي يقول فيه: فَمَا بَالُنَا أَمسِ أسدَ العَرِينِ وَمَا بَالُنَا اليَومَ شَاءَ النَّجَفِ مراجعهوامش
مصادر مطبوعةوصلات خارجيةانظر أيضاً |