قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣﴾ [الحشر:23]. ومعناه: شديد التنزه عما يقول المبطلون، الطاهر المنزه عن النقص وموجبات الحدوث، والمنزه عما لا يليق به، هو سبحانه الجامع لكل أوصاف الكمال والجمال والجلال، منزه عن كل وصف وعن كل خيال، المنزه عن كل ما تحيط به العقول أو يتصوره الخيال، منزه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره خيال أو وهم، وفي الأثر: (كل ما خطر ببالك فهو هالك، والله غير ذلك).[1]
ذكر الله تبارك وتعالى تسمية نفسه بالقدوس مرتين في كتابه الكريم القرآن
في أول سورة الجمعة قال الله تعالى : ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ١﴾(سورة الجمعة:1).
في خاتمة سورة الحشر قال الله تعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣﴾(سورة الحشر:23).
الأصل اللغوي
استخدام كلمة التقديس حالياً في كلام العرب أصبح قليلاً ولكن في الماضي كان بعض العرب يسمون الأناء الذي يحتوي الماء للتطهير قدس بفتح الدال مشتقه من قدوس أي المتطهر أو المطهر.
وتقدس في اللغة يعني تطهر، ومنها (التقديس) أي التطهير، والقدس بسكون الدال وضمها تعني الطهر ومنها سميت الجنة حظيرة القدس.
معنى كلمة قدوس في كلام القدوس
من كلام الله تعالى يتضح معنى التقديس حيث يدور بين معنيين: التطهير والبركة، كالتالي:
إن اسم القدوس يعني أن الله تبارك وتعالى هو المحمود المنزه عن كل ما لا يليق به سبحانه فله الحمد كله وله الثناء كله علانيته وسره.[2] «ولأنه سبحانه الطاهر من العيب، المنزه عن النقص والولد والشريك والصاحبة، المنزه عن كل وصف لا يليق بجلاله وكماله وعظمته وكل وصف ناقص لا يليق به عز وجل، فهو منزه عنه، ولو كان هذا النقص كمالًا في حق المخلوقين فالنوم من صفة المخلوقين وهو في حقهم كمال، والعبد الذي لا ينام يبحث عن الشفاء والعلاج، ولكنه بالنسبة لله تبارك وتعالى نقص، ولهذا نزه الله تعالى نفسه عنه».
نذكر أفضل وأعظم كلمات التقديس على سبيل الذكر لا الحصر وإلا فإن كلمات التقديس لله عز وجل لا يحصيها إلا هو تعالى:
أولًا: أعظم كلمات التقديس هي كلمة سبحان وقد أحبها الله وتفرد بها الله تعالى ونزه سبحانه نفسه بها، فقال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٧﴾(سورة الزمر).
ولا يجوز أبدّا أن تطلق على غير الله أبدًا حيث اختصها الله تعالى لنفسه، وهي كلمة أحب الله استخدامها في أعظم تقديس كما سبق ذكره وهي كلمة ثقيلة جدًا في الميزان وأجرها عظيم جدًا.
ومما جاء في ذكر عظمة هذه الكلمة وحب الله لها وثقلها في الميزان، أحاديث كثيرة نذكر بعضًا منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول اللهﷺ«كَلِمَتَانِ: خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: "سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ"».
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». وقد طلعت الشمس على ملايين الأراضي والأودية والأملاك.
ثانيًا: كلمة الحمد وهي أعظم كلمات التقديس لله عز وجل بعد سبحان ولا يجوز أن تصرف لغير الله فإن الحمد كله لله، قدس الله بها نفسه في كتابه الكريم فقال: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٧٠﴾(سورة القصص).
وتأتي مع كلمة سبحان لتزداد العظمة والتقديس لله كقول (سبحان الله وبحمده) و(سبحان الله والحمد لله) كما جاء في السنّة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: كلمة تبارك وهي من أعظم الكلمات للتقديس للرب جل جلاله ولا يجوز أن تذكر إلا لله الواحد المتعال نزه الله بها نفسه في كتابه.
فقال الله تعالى:﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ١﴾(سورة الفرقان).
وقال الله تعالى:﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ٦١﴾(سورة الفرقان).
وقال الله تعالى:﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٥﴾(سورة الزخرف).
وقال الله تعالى:﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٧٨﴾(سورة الرحمن).
الدعاء باسم القدوس
أمر الله تعالى بالدعاء بأسمائه الحسنى ومنها اسم (القدوس) وهو اسم عظيم يستخدم في مدح الله والثناء عليه ومهما عبدنا الله وقدسناه يبقى العبد منا مقصرًا تقصيرًا عظيمًا في حق الله حتى نبينا وحبيبنا محمد ﷺ عَلِمَ عِلم اليقين أنه لم ولن يبلغ أحد كمال الثناء على الله تعالى.
هذا الدعاء من رسول الله صلى ﷺ في آخر الليل وعند السلام من صلاة الوتر يبين عظمة الخالق وأن الرسول صلى ﷺ علم أنه لم يصل إلى كمال تقديس الله فأثنى على الله بما هو أهله وهذا دليل على أنه لا يقدس الله إلا من عرف حق المعرفة أن كمال الثناء على الله أمر مستحيل على عبد أو مخلوق مهما كان فاعتراف الرسول ﷺ بتقصيره في كمال الثناء على الله أمر طبيعي وحتمي لذلك كان رسولنا ﷺ يقول بعد السلام من صلاة الوتر (سبحانالملك القدوس) ويرفع بها صوته.