الباطن (أسماء الله الحسنى)
الْبَاطِن هو من أسماء الله الحسنى في الإسلام، ومعناه: الذي ليس دونه شيء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ سورة ق:16 يعني القرب بعلمه وقدرته، وقال البيضاوي في تفسيره «وتجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه»، وهو العالم ببواطن الأمور وظواهرها[1]، وقيل: هو المحتجب عن أبصار الخلق،[2] الذي لا يراه أحد في الدنيا، والدليل قوله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير﴾ سورة الأنعام:103 ومعناه أيضاً أنه تعالى ليس تحته شيء.[3] في القرآن الكريمسمى الله نفسه الْبَاطِن في نص واحد من النصوص القرآنية، قال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣﴾ سورة الحديد:3 مقترنًا بالأسماء الأول والآخر والظاهر في السنة النبويةكان التابعيُّ سهيلُ بن أبي صالحٍ يقول:[4]
الأقوال في معناه
هو أولٌ هو آخرٌ هو ظاهرٌ هو باطنٌ هيَ أربعٌ بوِزانِ ما قبلَهُ شيءٌ كذا ما بعدَهُ شيءٌ تعالى اللهُ ذو السُّلطانِ ما فوقَهُ شيءٌ كذا ما دونَهُ شيءٌ وذا تفسيرُ ذي البُرهانِ فانظرْ إلى تفسيرِهِ بتدبُّرٍ وتبصُّرٍ وتعقُّلٍ لِمَعانِ معنى اسم الله الباطنالْبَاطِن اسم فاعل لمن اتصف بالبطون، والبطون خلاف الظهور، فعله بَطنَ يَبْطنُ بطونًا، والبَطنُ من الإِنسان وسائِر الحيوان خلاف الظهْر، والبَطنُ من كل شيء جَوْفُه قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٧٨﴾النحل:78 ، وقال:﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ١٣٩﴾ الأنعام:139، والبطون أيضًا الخفاء والاحتجاب وعدم الظهور، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الأنعام:151، وبطن الشيء أساسه المحتجب الذي تستقر به وعليه الأشياء، وعند مسلم من حديث جَابِرٌ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا»،[11] وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ٢٤﴾الفتح:24، قال ابن منظور: «وذلك أن بني هاشم وبني أمية وسادة قريش نزول ببطن مكة ومن كان دونهم فهم نزول بظواهر جبالها».[12] والْبَاطِن سبحانه هو المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل،[13] وهو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣﴾القيامة: 22/ 23 ولا يدرك في الدنيا ولا في الآخرة، قال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣﴾الأنعام:103 يعني: لا تحيط به الأبصار لأن الإدراك هو الإحاطة بالمدرك من كل وجه، أما الرؤية فهي أخص من ذلك، فكل إدراك يشمل الرؤية، وليس كل رؤية تشمل الإدراك.[14] والله عز وجل بَاطِن احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لحكمة أرادها في الخلائق أجمعين، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ١٩﴾ إبراهيم:19، فالعلة في احتجابه وعدم رؤيته هي الامتحان والابتلاء، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ٢﴾الملك:2، ومن هنا كان البطون ووضع الغطاء على أهل الابتلاء أو كشف الحجاب عند الانتقال لدار الجزاء قال تعالى ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢﴾ ق:22[15]
مراجع
|