لهجات عربية
اللهجات العربية، وتسمى كذلك العامية أو الدارجة، تشير إلى لهجات اللغة العربية غير المعيارية، بخلاف العربية الفصحى، حيث يوجد عادة ازدواج لغوي بين الناطقين بها، فتمثل الفصحى اللهجة العليا ذات المكانة العالية، وتمثل اللهجات المحلية اللهجة السفلى. يوجد تنوع كبير في اللهجات العربية، وبدرجات متفاوتة من الوضوح المتبادل، وتوجد فروق كبيرة في المفردات والصوتيات والقواعد. تصنف اللهجات العربية في عدة أسر لهجات حسب المنطقة، وهي لهجات شبه الجزيرة العربية، والشامية، والمغاربية، والنيلية، والعراقية، ومع ذلك فتختلف اللهجات في نفس المنطقة حسب الموقع، وأسلوب الحياة (بين المدنيين والقرويون والبدو)، والدين، والعرق، والقبيلة. كانت اللهجات العربية قبل الفترة الإسلامية ذات تنوع واختلاف في المفردات والأساليب والتراكيب. مع ذلك، كان هناك لهجة موحدة تستخدم في كتابة القصائد والعهود والمواثيق (فمن يقرأ معلقة عنترة بن شداد العبسي لايجد صعوبة في فهمها أو لا يصعب في كتابتها وقد كتبت قبل 1500 سنة تقريبا). واستمرت اللهجة الموحدة بعد ظهور الإسلام وهي اللهجة التي نزل بها القران الكريم (اللغة الموحدة تعرف باللغة المشتركة إذ عرفت عند بعض الدارسين العرب القدماء والباحثين المحدثين بلهجة قريش). وكان هناك لهجات عدة قد تمثلت باللغة العربية المشتركة منها لهجة تميم واسد وقيس وبكر وتغلب ومذحج وقبائل اليمن. مع ذلك فهم يستطيعون التفاهم فيما بينهم بسهولة لكن يصعب قراءتها. نشأت أغلب اللهجات العربية (وخاصة خارج الجزيرة العربية) بعد الفتوحات الإسلامية، نتيجة اختلاط لهجات المسلمين العرب بالسكان المحليين الناطقين للغات أخرى، وتكون لهجات مولدة متأثرة باللغات المحلية، واستمرت اللهجات العربية في التطور عبر القرون حتى صارت اللهجات المعاصرة.[1] التاريخكان يُعتقد أن اللهجات العربية الحديثة تنحدر من الفصحى، إلا أن الدراسات التاريخية واللغوية منذ القرن التاسع عشر أثبتت أنها لهجة شقيقة لهم، وكلاهما تنحدر من اللغة العربية البدائية.[2] فقد كانت توجد عدة لهجات قبل الإسلام وبعده، فتطورت من بعضها اللهجات الحديثة (بتأثير من لغات أخرى)، وأخذت بعضها مكانة عالية ومنها تكونت العربية الفصحى المتعارف عليها في العصر الإسلامي. نرى ذلك في عدة ظواهر لغوية لم تعتبر فصيحة رغم وجودها في لهجات من قبل الإسلام، ولا تزال موجودة حتى الآن، مثل الكشكشة، وإيقاع الهمزة. تعدد اللهجات كان موجودًا عند العرب من أيام الجاهلية، حيث كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل. وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ومن أبرز الأسباب التي أدّت لولادة لهجات عربية مختلفة في القِدم هو أن العرب كانوا في بداية عهدهم متفرقين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.[3] ومن أبرز اللهجات والألفاظ: عجعجة قُضاعة أي قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج. وفي كرسي كرسج، وطمطمانية حِمْير وهي جعل «إم» بدل «أل» في التعريف، فيقولون في البر: أمبر، وفي الصيام أمصيام، وفحفحة هذيل أي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه، وعنعنة تميم وهي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان، وكشكشة أسد أي جعل الكاف شينًا مثل «عليك» فيقولونها: «عليش»، وقطْعةِ طيئ وهي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها.[3] وقد كان التواصل بين أفراد القبيلة الواحدة يَتم بواسطة لهجتها الخاصة، أما عندما يَخطب شخص ما أو يَتحدث إلى أشخاص من قبائل أخرى فيستعمل حينها اللغة الواحدة المشتركة. وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ويُرجح أن أغلب اللهجات العامية الحديثة تطورت بشكل كبير في زمن الفتوحات الإسلامية، نتيجة هجرة المسلمين العرب واختلاط لهجاتهم ببعض، وثم اختلاطهم مع المسلمين الجدد في بلاد الأعاجم (والتي أصبح العديد منها اليوم من البلدان العربية)، حيث بدؤوا بتعلم العربية لكنهم - وبشكل طبيعي - لم يَستطيعوا تحدثها كما يتحدثها العرب بالضبط، فتكونت لهجات كريولية متأثرة باللغات المحلية، وتطورت عبر القرون حتى تحوّلت إلى اللهجات العامية الحديثة. [1] درس عدد من الباحثين عبر التاريخ موضوع ظهور وتمايز اللهجات في اللغة العربية، ومنهم المؤرخ التونسي ابن خلدون الذي وصف سبب ظهور اللهجات وفسر سبب ما رأه «فساداً للسان العربي» في مقدمته (1377م):
تصنيف اللهجاتالفرق الأكبر بين اللهجات العربية يكون بين لهجات البدو ولهجات أهل القرى والمدن وثم بين لهجات أهل الحضر في المشرق وولهجات أهل الحضر في المغرب. تختلف لهجات العربية العامية كثيراً الآن في المفردات وفي الأصوات والنحو والصرف (في اللهجات الدارجة وليس في أصل اللغة الفصحى)؛ فمثلاً، في لهجات الشام العامية يبدأ الفعل المضارع بالسابقة «ب»، والنفي يكون باستعمال «ما» (أنا ما بعرف، أنت ما بتعرف، ما درست، ما لعبت، إلخ.)، أما دول الشمال الأفريقي فتظهر اللاحقة «ش» وتكون اللهجتين المصرية الأردنية الفلسطينية وسط بين الطرفين إذ تستخدم السابقة «ب» وتنفي باستخدام اللاحقة «ش» (بعرفش، مرحتش، معملتش، مكلتش).[5] من الظواهر الهامة: تشابه لغات العرب البدو في المشرق والمغرب بعيدا عن لهجات الحضر في كلتا المنطقتين، ويدخل في ذلك أيضا تشابه أغراض اللغة وفنونها ويبرز ذلك في الشعر الشعبي عند البدو في كلتا المنطقتين وتشابه تراثهم البدوي العام. اللهجات العربية لا يزال الفهم سهلا ممكنا بين معظمها لتشابه المفردات في الأغلب. أدى الإنتاج التلفزيوني المصري والسوري واللبناني- إلى انتشار لهجات تلك الدول وإلى حد ما أصبحت تلك اللهجات مفهومة لدى غالبية الجيل العربي الحديث. تختلف اللهجات في نطق القاف كثيرا، فينطق «ق»، أو "گ" عند البدو في ليبيا والخليج، أو همزة في مصر وسوريا، أو «ك» في أرياف فلسطين خاصة بمنطقة المثلث وأرياف الضفة الغربية، بالإضافة إلى اختلافات طفيفة في لفظ الضاد. تعتبر اللغة المالطية إحدى اللهجات العربية إذ أن أغلبها مشتق من العربية وتحديدا من لهجات شمال أفريقيا ولكن متحدثيها يعتبرونها لغة منفصلة كما أنهم يكتبونها بالأحرف اللاتينية مثلا كان اسم وزارة الخارجية المالطية «منستير الافاريات البرانية». اللهجة المارونية القبرصية العربية إحدى اللغات أو اللهجات شبه المنقرضة (متحدثوها 130 شخصا فقط) وتعتبر أشد اللهجات العربية تباعُدا عن اللغة الأم لدخول كثير من المصطلحات اليونانية فيها.[6] اللهجات العربية بشكل عام غير مكتوبة بصفة رسمية ولم تكتب على مر التاريخ سوى في العصور الحديثة في المسرحيات العربية وكلمات الأغاني وكذلك كانت اللهجة المغاربية تعلم في المدارس الجزائرية إبان فترة الاستعمار الفرنسي. تقسيم حسب المنطقةتقسم اللهجات العربية إلى خمس عوائل حسب المنطقة:[7]
وكذلك توجد لهجات تقع شرق الوطن العربي:
التقسيم بين البدو والحضرتقسم اللهجات العربية إلى لهجات حضرية وبدوية، وهذا تقسيم دال على أسلوب الحياة التاريخي، لا المعاصر، فالعديد من اللهجات البدوية شائعة في المدن، وبعض خصائص اللهجات الحضرية منتشرة في البدو، مثل اللهجة التشادية. وتلاحظ الفروق بين اللهجات الحضرية والبدوية بشكل أكبر في خارج الجزيرة العربية. [12] من الأمثلة على اللهجات البدوية: اللهجة النجدية، ولهجات بدو الشام، واللهجة الخليجية، واللهجة الحسانية. ومن الفروق الشائعة بينهما:[13]
الصوامتتختلف اللهجات العربية في نطق عدة حروف، منها القاف والجيم والحروف بين الأسنانية (الذال والثاء والظاء).[14] القافينقسم نطق القاف إلى نطق مجهور ونطق مهموس، ويعد ذلك أحد أهم الفروق بين اللهجات الحضرية والبدوية، ويذكرها ابن خلدون في مقدمته:[15] «ومما وقع في لغة هذا الجيل العربي لهذا العهد، حيث كانوا من الأقطار شأنهم في النطق بالقاف، فإنهم لا ينطقون بها من مخرج القاف عند أهل الأمصار، كما هو مذكور في كتب العربية، أنه من أقصى اللسان وما فوقة من الحنك الأعلى. وما ينطقون بها أيضاً من مخرج الكاف، وإن كان أسفل من موضع القاف وما يليه من الحنك الأعلى كما هي، بل يجيئون بها متوسطة بين الكاف والقاف، وهو موجود للجيل أجمع حيث كانوا من غرب أو شرق، حتى صار ذلك علامة عليهم من بين الأمم والأجيال ومختصاً بهم لا يشاركهم فيها غيرهم... والظاهر أن هذه القاف التي ينطق بها أهل الجيل العربي البدوي هو من مخرج القاف عند أولهم من أهل اللغة، وأن مخرج القاف متسع، فأوله من أعلى الحنك وآخره مما يلي الكاف. فالنطق بها من أعلى الحنك هو لغة الأمصار، والنطق بها مما يلي الكاف هي لغة هذا الجيل البدوي.»
ونطق القاف في اللهجات الحديثة لا يقتصر على ما وصفه ابن خلدون، بل يتفرع:[16]
الجيم
الحروف بين الأسنانيةحافظت عدة لهجات حديثة على الصوامت بين الأسنانية، وهي الثاء والذال والظاء، فنرى ذلك في أغلب لهجات شبه الجزيرة العربية والعراق واليمن وتونس واللهجات البدوية، وأيضاً دمجت الضاد مع الظاء في هذه اللهجات فكلاهما يلفظا ظ (الذال المفخمة). أما في أغلب بقية اللهجات فقد دمجت الصوامت بين الأسنانية مع الصوامت الأسنانية (التاء والدال والضاد) في أغلب الكلمات الموروثة، ونرى ذلك في أغلب لهجات المغرب العربي والشام ومصر والسودان ومدن الحجاز. وفي مصر والشام تُقلب الصوامت بين الأسنانية إلى صوامت لثوية احتكاكية (السين والزاي والزاي المفخمة) في الكلمات المستعارة من العربية الفصحى، مثل الكلمات ذات الطابع الديني أو الرسمي أو الأدبي.[17] وفي اللهجة البحرانية ولهجة مدينة الحمامات تقلب الثاء فاءاً، وفي لهجة عرب سعرد في تركيا تقلب الثاء فاءاً والذال ڤ والضاد ڤ مفخمة [18]، وفي لهجة عرب أوزبكستان تقلب الصوامت بين الأسنانية إلى صوامت لثوية احتكاكية.[19] على سبيل المثال (أضيف رمز ٚ للدلالة على التفخيم):
مقارنة بين الأسئلة في اللهجات العربية المختلفة
[‡] تستبدل بالفعل عند السؤال بـ (هل)، مثلاً: «هل ذهبت للسوق ؟» = «رِحْتَ مْسُوق؟» انظر أيضًا
المراجع
|