رفقالرفق لغةً: ضد العنْف، وهو لين الجانب، ويقال: رَفَق بالأَمر وله وعليه يَرْفُق رِفْقًا، ومرفقًا: لان له جانبه وحسن صنيعه. ورَفُقَ يَرْفُقُ ورَفِقَ لطف ورفَقَ بالرجل وأَرْفَقه بمعنى وكذلك تَرفَّق به.[1] واصطلاحًا: قال ابن حجر في تعريف الرِّفق: (هو لين الجانب بالقول، والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف).[2] وقال القاري: (هو المداراة مع الرفقاء، ولين الجانب، واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه، وأيسرها).[3] الرفق والحث عليه في القرآن
(يقول تعالى مخاطبًا رسوله ﷺ، ممتنًّا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته، المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ» أي: أي شيء جعلك لهم لينًا لولا رحمة الله بك وبهم).[4]
فقوله تعالى: «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا» (أي: سهلًا لطيفًا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لَّعَلَّهُ بسبب القول اللين يَتَذَكَّرُ ما ينفعه فيأتيه، أَوْ يَخْشَى ما يضره فيتركه، فإنَّ القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه).[6] الرفق في أخلاق النبيالرفق من خلق الرسول وهو اللطف في المعاملة، ولين الجانب في القول والفعل، وهو ضد العنف وقد كان رسول الله ﷺ أرفق الناس وأبعدهم عن التشديد والتعسير والفظاظة والغلظة، وكان رفيقًا هيِّنًا ليِّنًا سهلًا، في تعامله، وفي أقواله وأفعاله، وكان يحب الرِّفق، ويحث النَّاس على الرِّفق، ويرغِّبهم فيه. والإنسان إذا اتصف بهذا الخلق الكريم وسلك طريق اللطف واللين في معاملة الناس نال الاجر والثواب العظيم من الله، وكان الوصول إلى ما يريد أقرب وأسهل. روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
رواه مسلم في صحيحه
ذلك أن الناس ينفرون بطبائعهم من الفظاظة والخشونة والعنف، ويألفون الرقة واللين والرفق، ولذا قال ربنا سبحانه وتعالى لنبيه الكريم: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]. فمُحال أن يأتي الإصلاح بعنف، ومحال أن يكون التغيير إلى الخير بالشدة والعنف، فالدعوة تحتاج إلى رفق، والنصيحة تحتاج إلى رفق، والتعليم يحتاج إلى رفق، والتربية تحتاج إلى رفق، وهذا هو منهج حبيبنا المصطفى ﷺ في معالجة الأمور، ومواجهة الأحداث، وتهذيب النفوس، وتربية الأجيال، وتعليم الجاهل، وتنبيه المسيء..
بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله ﷺ: مَهْ مَهْ*. قال: قال رسول الله ﷺ: لا تُـزْرموه** دعوه، فتركوه حتى بال، ثُمَّ إنَّ رسول الله ﷺ دعاه، فقال له: إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنَّما هي لذكر الله عزَّ وجلَّ والصلاة وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله ﷺ، قال فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه[9]
-(* مه مه: اسم فعل أمر معناه: اكفف.، -** لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله.)
((إن فتى شابًّا أتى النَّبي ﷺ فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال ﷺ: ادْنُه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبُّه لأمِّك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لأخواتهم؟ قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا النَّاس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))[10]
الرفق في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلمروي أن رسول اللّه ﷺ قال:
روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
(يعني أنَّ الإنسان إذا حرم الرِّفق في الأمور فيما يتصرف فيه لنفسه، وفيما يتصرف فيه مع غيره، فإنَّه يحرم الخير كله، أي: فيما تصرَّف فيه، فإذا تصرَّف الإنسان بالعنف والشدة، فإنَّه يحرم الخير فيما فعل، وهذا شيء مجرَّبٌ ومشاهد، أنَّ الإنسان إذا صار يتعامل بالعنف والشِّدَّة؛ فإنَّه يحرم الخير ولا ينال الخير، وإذا كان يتعامل بالرِّفق والحلم والأناة وسعة الصدر؛ حصل على خيرٍ كثير، وعلى هذا فينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائمًا رفيقًا حتى ينال الخير.[14]) وقال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة، والعنف ينتجه الغضب والفظاظة، والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة، والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق، ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب، وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال، ولذلك أثنى المصطفى على الرفق وبالغ فيه.
قال سفيان الثوري لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها، الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه. روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
قال المناوي: إذ بالرفق تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان.
وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله، نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة. روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
فالرفق خير في أمر الدين وأمر الدنيا حتى في معاملة المرء نفسه ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده فالرفق محبوب مطلوب مرغوب. روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض، وذكر الخير بصيغة النكرة لإفادة التعميم، أي إذا أراد جميع الخير والمقام يقتضيه.
وسبب الحديث ما روى المقدام بن شريح عن أبيه قال: «سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله ﷺ يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة فقال لي: يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه». والتلاع: مسابل الماء من علو إلى أسفل، وواحدها تلعة.
قال المناوي: والمراد إذا أراد بأحد خيراً رزقه ما يستعين به مدة حياته ووفقه في الأمور ولينه في تصرفه مع الناس وألهمه القناعة والمداراة التي هي رأس العقل وملاك الأمر، وإذا أراد به سوءاً ابتلاه بضد ذلك، والأول علامة حسن الخاتمة والثاني بضده. والخرق: الحمق وهو نقيض الرفق. وهذه النصوص التي مرت معنا تدل على أنَّ:
صور الرفقالرِّفق بالنفس في أداء ما فُرِض عليهفالمسلم لا يُحَمِّل نفسه من العبادة مالا تطيقه، فالإسلام دين يسر وسهولة، فالمتبع له يوغل فيه برفق، روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
وعن عائشة :
قال ابن القيم: (نهى النَّبي ﷺ عن التشديد في الدين بالزيادة على المشروع، وأخبر ﷺ أنَّ تشديد العبد، على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع. فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس. فإنهم شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد عليهم القدر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم).[27] الرِّفق مع النَّاس عامةويكون بلين الجانب وعدم الغلظة والجفاء، والتعامل مع النَّاس بالسماحة، قال ﷺ: روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
-*الأنِف=أي الذليل المؤاتي. **استناخ: من أنخت الجمل: أبركته. وقال ﷺ: ((إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كلِّه)) رواه مسلم والبخاري الرِّفق بالرعيةالراعي، سواء كان حاكمًا، أو رئيسًا، أو مسؤولًا، عليه أن يرفق برعيته، فيقضي حاجتهم، ويؤدِّي مصالحهم برفق، روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
(وقد ضرب الرسول ﷺ في هذا الحديث مثلًا لكل راع عنيف، قاس شديد لا رحمة في قلبه على رعيته من النَّاس، سواء أكان ولي أسرة، أو صاحب سلطان، صغرت دائرة رعيته أو كبرت، فشرُّ الرعاة من النَّاس على النَّاس هو الحطمة، الذي لا رفق عنده، ولا رحمة في قلبه تليِّن سياسته وقيادته، فهو يقسو ويشتد على رعيته، ويوسعهم عسفًا وتحطيمًا، ويدفعهم دائمًا إلى المآزق والمحرجات، ولا يعاملهم بالرِّفق والحكمة في الإدارة والسياسة).[31] قال ابن عثيمين: (أما ولاة الأمور فيجب عليهم الرِّفق بالرعية، والإحسان إليهم، واتباع مصالحهم، وتولية من هو أهل للولاية، ودفع الشر عنهم، وغير ذلك من مصالحهم؛ لأنَّهم مسؤولون عنهم أمام الله عز وجل).[32] الرِّفق بالمدعوِّينالداعية عليه أن يرفق في دعوته، فيشفق على النَّاس ولا يشق عليهم، ولا ينفِّرهم من الدين بأسلوبه الغليظ والعنيف، (وأولى النَّاس بالتَّخلُّق بخلق الرِّفق الدعاة إلى الله والمعلِّمون، فالدعوة إلى الله لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرِّفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم النَّاس لا يُؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرِّفق الذي يملك القلوب بالمحبة).[33] قال تعالى (في سورة النحل): ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ١٢٥﴾ [النحل:125] فيدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتلطَّف مع العاصي بكلام ليِّن وبرفق، ولا يعين الشيطان عليه، فعن عبد الله بن مسعود قال:
وانظر إلى رفق إبراهيم مع أبيه: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ٤٦ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ٤٧﴾ سورة مريم قال الشنقيطي: (بيَّن الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين أنَّ إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرِّفق واللين، وإيضاح الحق، والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ومن عذاب الله تعالى، وولاية الشيطان، خاطبه هذا الخطاب العنيف وسماه باسمه، ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت، وأنكر عليه أنَّه راغب عن عبادة الأوثان، أي: معرض عنها لا يريدها؛ لأنَّه لا يعبد إلا الله وحده جل وعلا، وهدَّده جلَّ وعلا، وهدَّده بأنَّه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه، قيل: بالحجارة، وقيل: باللسان شتمًا، والأول أظهر، ثم أمره بهجره مليًّا، أي: زمانًا طويلًا، ثُمَّ بيَّن أنَّ إبراهيم قابل أيضًا جوابه العنيف بغاية الرِّفق واللين، في قوله: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ٤٧﴾ [مريم:47].[35] الرِّفق بالخادم والمملوكروي عن أبي هريرة أن رسول اللّه ﷺ قال:
.[36] قال الشنقيطي: (فأوجب على مالكيهم الرِّفق والإحسان إليهم، وأن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، ولا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، وإن كلفوهم أعانوهم؛ كما هو معروف في السُّنَّة الواردة عنه ﷺ مع الإيصاء عليهم في القرآن).[37] الرفق بالحيوانوقد جعل رسول الله ﷺ الرحمة بالحيوان باباً من أبواب الأجر ودخول الجنة، كما جعل القسوة معها سبباً لدخول النار. روي عن أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم:
روي عن ابن عمر في صحيح البخاري:
مصادر
|
Portal di Ensiklopedia Dunia