تضحيةالتَّضْحية لغةً: مصدر ضحَّى، يقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله أي بذله وتبرع به دون مقابل. وهي بهذا المعنى محدثة.[1] ومعنى التَّضْحية اصطلاحًا: هو بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء ومن معانيها: البذل والجهاد. التضحية في سبيل اللهفي القرآن
(فيما ذكر إشارة إلى أنَّ المؤمن الذي يضَحِّي بنفسه في سبيل نصر دينه ولدعوة ربِّه، هو من الشُّهداء الأبْـــرَار، الذين يظفرون بجنان الخلد، وهم أحياء، أرواحهم في حواصل طير خُضْر، تسرح في الجنَّة حيث شاءت).[2]
قال القاسمي: (أي: وليكرم ناسًا منكم بالشَّهادة، ليكونوا مثالًا لغيرهم في تَضْحية النَّفس شهادةً للحقِّ، واستماتةً دونه، وإعلاءً لكلمته).[3]
وفي الآيات، بيان على أن التضحية بالمال، وإنفاقه في سبيل الله، رغم الحاجة الشديدة له، أو محبتهم لذلك المال: ((وآتى المال على حبه))، ((ويطعمون الطعام على حبه)).. من أعظم خصال الإيمان والبر والإحسان، فهم يقدمون محبة الله على محبة أنفسهم. فقد قال تعالى حاثًا عباده على التضحية بالنفس والمال في سبيله، قائلًا:
في السنةروي عن أبي هريرة أن رسول اللّه ﷺ قال:
وهذا دليل على عظم التضحية بالنفس في سبيل الله ونيل الشهادة. وكان رسول الله ﷺ أعظم قدوة في التضحية بالمال والنفس في سبيل الله، ولقد روى الإمام أحمد بسنده روي عن عن أنس بن مالك أن رسول اللّه ﷺ قال:
وقال رسول الله ﷺ حاثًا المسلمين على الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالمال في سبيله: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلَّا عزًّا. وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله)).[6] وكان صحابة رسول الله خير قدوة من بعده، فقد كانت حياة الصَّحابة مليئة بمواقف التَّضْحية والفداء، والبذل والعطاء، من أجل نصرة دين الله، وكانوا يتسابقون في ذلك، فعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله ﷺ: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)).[7]
أقسام التضحيةتنقسم التَّضْحية إلى قسمين: 1- التَّضْحية المحمودة (المشروعة)، ومنها:
قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٢١٦﴾ [البقرة:216]. (أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء،ونشر الخير ورفع الظلم وغير ذلك ممَّا هو مُرَبٍّ، على ما فيه من الكراهة).[10]
قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ١٠ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ١١﴾ [الحديد:10–11] . كذلك تدلُّ وقائع التَّربية النَّبويَّة على أنَّ الرَّسول ﷺ كان يشترطها، ويجعلها شارة الإيمان وصدقه. والإنسان عنده ميل فطري إلى أن يضَحِّي بنفسه وماله في سبيل المثل الأعلى، بل إنَّ هذه التَّضْحية هي أمر راسخ في فطرة الإنسان، وجزء من وجوده، وما تعظيم الشَّجَاعَة عند البَشَر إلا تقديرًا لقيمة التَّضْحية في سبيل المثل الأعلى، ولذلك جُعل الجهاد أفضل الأعمال.[11] 2- التَّضْحية المذمومة (غير المشروعة): وهي التَّضْحية في نصرة باطل، أو من أجل جاهلية، وكل تضحية لم تكن في سبيل الله أو ابتغاء مرضاته، أو تحقيقًا لمقصد شريف نبيل فهي مذمومة.
أثر وفوائد التضحية((للتضحية أعظم الآثار في حياتنا أفرادًا وجماعات. على الفردالفرد الذي يُربَّى على التضحية ويتعودَ عليها، ويتحلى بها؛ يكون قد قطع شوطًا كبيرًا في التخلص من سلطان الهوى، ونوزاع الأثَرَة، وكان قادرا على مخالفة النفس الأمارة بالسوء، كما أن المسلم الذي اتصف بالتضحية وتخلق بها يفوز بمثوبة الله عز وجل، ويربح رضا الله سبحانه، ثم رضا الصالحين من عباده، كما أن الفرد الذي تعود التضحية لا يحزن على ما فات، ولا يفرح بما أتى، وكذلك يكرمه الله في ذريته، ويُخلِف بالخير عليه، وتسعد به الجماعة. على المجتمع والأمةثم إن الجماعة أو الأمة التي يتخلق أفرادها بالتضحية والبذل، لا شك في أنها تكون قادرة على إنجاز أهدافها، وتحقيق آمالها وطموحاتها، والوصول بعون الله إلى غايتها، كما أن هذه الجماعة أو الأمة تستعصي على الأعداء، وتتأبَّى عليهم، ويقذف الله مهابتها في قلوب أعدائها، فلا ينالون منها، فتعيش عزيزة كريمة مُهابة، كما أن الأمة التي تعود أبناؤها البذل والعطاء، وتخلقوا بالتضحية، تكون في منجاة من الضوائق والأزمات، وتسلم كذلك من الشحناء والعداوات، ويحل الإيثار، وتنمحي الأثرة، وتسودها المحبة، وتزول منها البغضاء، ويعمها التواد والتآلف والتراحم، وتصير أهلًا لرحمة الله، ومثوبته في الدنيا ويوم لقاه.[13])) كيف يُكتسب خلق التضحية1- عدم الانغماس في ملذات الدُّنيا والتعلق بها، وقصر الأمل في الدُّنيا، وتَذكُّر الموت والآخرة. قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ١٨٥﴾ [آل عمران] 2- الثقة بوعد الله، واليقين الجازم بما أعده لعباده المؤمنين، والتَّخلُّص من الرُّوح الانهزاميَّة. قال تعالى: ((وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)) [سبأ: 39]. قال تعالى: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) [آل عمران: 139]. 3- حبُّ الناس وحب الخير لهم. روي عن عن أبي هريرة أن رسول اللّه ﷺ قال:
روي أن رسول اللّه ﷺ قال:
4- التَّحلِّي بالشَّجَاعَة والإقدام وبعلو الهمَّة وبالكرم. 5- مصاحبة أهل الخير والصلاح ذوي الخلق الكريم، الذين ينفقون أموالهم ودماءهم في سبيل نصرة دين الله. روي عن أبي هريرة أن رسول اللّه ﷺ قال:
6- القراءة عن أخبار السَّلف الصالح، وفي تضحياتهم بالنَّفس والمال، والاقتداء بهم. حِكَم وأشعار عن التضحيةيقول ابن المقفع:
وقال إبراهيم طوقان:[18] ما نال مرتبةَ الخلودِ بغيرِ تَضْحيةٍ رضيَّة عاشت نفوسٌ في سبيلِ بلادِها ذهبت ضحيَّة قال حسَّان شعرًا في الزُّبير :[19] أقام على عهدِ النَّبي وهديه حواريُّه والقولُ بالفعلِ يعدلُ أقام على منهاجِه وطريقِه يوالي وليَّ الحقِّ والحقُّ أعدلُ هو الفارسُ المشهورُ والبطلُ الذي يصولُ، إذا ما كان يومٌ مُحَجَّلُ إذا كشفت عن ساقِها الحربُ حَشَّها بأبيضَ سَبَّاقٍ إلى الموتِ يُــرْقِـل وإن امرأً كانت صفيَّةُ أُمَّه ومِن أَسَدٍ في بيتِها لمرَفِّلُ له مِن رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الإسلامِ مجدٌ مؤثَّلُ فكم كربةٍ ذبَّ الزُّبيرُ بسيفِه عن المصطفى، واللهُ يعطي فيجزلُ فما مِثلُه فيهم، ولا كان قبلَه وليس يكونُ الدَّهرَ ما دام يَذْبُلُ ثناؤُك خيرٌ مِن فعالِ معاشرٍ وفعلُك، يا ابنَ الهاشميَّةِ أفضلُ المراجع
|
Portal di Ensiklopedia Dunia