سورة الطلاق
سُورَةُ الطَّلَاق هي سورة مدنية، من المفصل، شاعت تسميتها بـ: (سورة الطلاق) في المصاحف وفي كتب التفسير وكتب السنة،[1] لأنها تناولت موضوعاً الطلاق المتعلق بأحوال الزوجين، وبيان ما يترتب عليه، ولها اسم آخر، وهو (سورة النساء الصغرى)،[2] آياتها 12،[3] وترتيبها في المصحف 65، في الجزء الثامن والعشرين، بدأت بأسلوب نداء للنبي محمد ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ [الطلاق:1]، نزلت بعد سورة الإنسان، تتحدث السورة عن أحكام الطلاق في الإسلام،[4] ومن مقاصدها، أنها دعت الأزواج إلى العدل مع زوجاتهم، والبعد عن شهود الزور التي يلجأ إليها بعض الأزواج،[5] وأودع الله فيها جملة من الأحكام، تتصل بالأسرة،[6] واشتملت على أحكام تشريعية تتعلق بوضع الزواج، مثل أحكام الطلاق، والأحكام المتعلقة بكيفية الشروع في الطلاق والأحكام المصاحبة.[7] التعريف بسورة الطلاق وسبب التسميةسُميت هذه السورة بهذا الاسم (سورة الطلاق)، وأصل الطلاق (التخلية) من وثاق، ويقال: أطلقت البعير من عقاله، وطلقته وهو طالق، ومنه استعير طلقت المرأة إذا خليتها، فهي طالق، أي مخلاة عن حبالة النكاح، والطلاق اسم بمعنى التطليق، كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم، وفي ذلك قالوا: المستعمل في المرأة (لفظ التطليق)، وفي غيرها (لفظ الإطلاق).[8] وسميت بسورة الطلاق، لأنها تناولت موضوعاً من مواضيع الأحكام الشرعية المتعلقة بأحوال الزوجين، ألا وهو الطلاق، وبيان ما يترتب عليه من أمور تخص العدة وأنواعها ومدتها والنفقة والسكنى وأجر المرضعة للطفل، ورجعة المطلقة، إلى غير ذلك من الأحكام، ولها اسم آخر وهو: (سورة النساء القصرى)، وهو المروي عن ابن مسعود،[2] "وأنكره الداودي، فقال: لا أرى القصرى محفوظا ولا يقال لشيء من سورة القرآن: قصرى ولا صغرى، وتعقبه ابن حجر بأنه رد للأخبار الثابتة بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي، وقد أخرج البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: طولى الطوليين، وأراد بذلك سورة الأعراف، وقال ابن عاشور: وابن مسعود وصفها بالقصرى احترازاً عن السورة المشهورة باسم سورة النساء، التي هي السورة الرابعة في المصحف،[1] وقال البقاعي: "واسمها الطلاق أجمع ما يكون لذلك، فلذا سميت به، وكذا سورة النساء القصرى، لأن العدل في الفراق بعض مطلق العدل الذي هو محط مقصود سورة النساء".[9] عدد آيات سورة الطلاق وكلماتها وحروفهااختلف المفسرون في عدد آيات سورة الطلاق، قال الألوسي: واختف في عدد آياته، ففي البصري (إحدى عشرة آية)، وفيما عداه (اثنتا عشرة آية).[6] وعدد كلماتها: (مائتان وأربعون كلمة). عدد حروفها: (ألف وستون حرفاً).[10] مكان نزول السورة وترتيبهامكان نزول السورةسورة (الطلاق) من السور المدنية الخالصة، فقد أجمع علماء التفسير أنها نزلت في المدينة، وبصورة كاملة،[2] وأشار إلى ذلك القرطبي بقوله: "سورة الطلاق مدنية في قول الجميع"، وذكر ذلك: الرازي، والخازن، والبغوي، والقرطبي، والثعلبي، ومكي بن أبي طالب، والواحدي، والزمخشري، وابن عطية، وابن الجوزي، وابن عاشور، وغيرهم.[11] ترتيب نزول السورةوكان نزول سورة (الطلاق) بعد سورة الإنسان، وقبل سورة البينة، وترتيبها بالنسبة للنزول: السادسة والتسعون، أما ترتيبها بالنسبة لترتيب المصحف، فهي السورة الخامسة والستون.[5] سبب نزول سورة الطلاقورد في سبب نزولها عدة أسباب، كل منها يتعلق بآية أو مقطع في السورة، ومنها:
خصائص سورة الطلاق
فضائل سورة الطلاقروى الثعلبي في فضل السورة عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله: ﷺ: ««من قرأ سورة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق:1]، مات على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»».[15] وعلق (الشربيني) في تفسيره السراج المنير على هذا الحديث بقوله: "وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أنه ﷺ قال: «من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله ﷺ حديث موضوع".[16] مناسبة السورة لموضوعها، ولما قبلها وبعدهامناسبة السورة لموضوعهاالمناسبة بين اسم السورة (الطلاق) ومحورها ظاهر، فالمحور الرئيسي الذي تدور حوله السورة: هو أحكام الطلاق، وما يترتب عليه، مع تقرير الأحكام وتهيئة النفس لتقبلها والامتثال لها، كما أن الاسم الثاني الذي هو: (النساء القصرى)، له علاقة بأحكام النساء الواردة في السورة.[1] مناسبة السورة لما قبلها
مناسبة السورة لما بعدها
مقاصد سورة الطلاق
المحتوى العام للسورةاحتوت السورة على جملة من المواضيع، أهمها تسعة مواضع:
ونتج عن ذلك: طريقة معاجلة السورة للوائح مدة العدة، مبينة مدة انتظار التي يأست، ومدة انتظار الشابات اللاتي لم يحضن، ومدة انتظار الحامل، وأن الفاحشة المبينة: كل معصية كالزنى والسرقة والبذاءة، والمطلقة رجعياً لا تخرج من بيتها ليلاً ولا نهاراً حتى تنقضي عدتها.[7] واقتضى البيان توضيح الأمر بالتقوى منعاً من الظلم وتجاوز الحدود، وختمت السورة بالتحذير من مخالفة الأحكام وتعدي حدود الله، وهددت بالعقوبة المماثلة لعقوبات الأمم الباغية التي تخطت أوامر الله، وكررت الأمر بالتقوى، وذكّرت بمهمة الرسول ﷺ وهي تلاوة آيات الله لإخراج المؤمنين من الظلمات إلى النور، وأوضحت جزاء الإيمان والعمل الصالح، ثم أوردت البرهان القاطع على قدرة الله الشاملة وعلمه الواسع بخلق السموات السبع والأرضين السبع، وتنزل وحي الله وأمره وقضائه بين السموات والأرض.[17] الناسخ والمنسوخ في السورةسورة الطلاق فيها ناسخ، وليس فيها منسوخ، والناسخ منها قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق:2]، ناسخة لما في آخر سورة المائدة، قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة:106]،[19] وأما باقيها فهو محكم، ليس بناسخ ولا منسوخ.[20] من فقه السورة (بعض الفوائد الفقهية)
اللغة والبلاغة في سورة الطلاقاللغة في بعض آيات سورة الطلاق(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ): اللام في قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن لام التوقيت كاللام الداخلة في التاريخ، نحو كتبته لثلاث مضين من المحرم، أي فطلقوهن في عدتهن، أي في وقتها.[23] (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) الإحصاء: معرفة العد وضبطه، وهو مشتق من الحصى وهي صغار الحجارة، لأنهم كانوا إذا كثرت أعداد شيء، جعلوا لكل معدود حصاة ثم عدوا ذلك الحصى، والمعنى: الأمر بضبط أيام العدة والإتيان على جميعها وعدم التساهل فيها، لأن التساهل فيها ذريعة إلى أحد أمرين: إما التزويج قبل انتهائها، فربما اختلط النسب، وإما تطويل المدة على المطلقة في أيام منعها من التزوج، لأنها في مدة العدة لا تخلو من حاجة إلى من يقوم بها، وأما فوات أمد المراجعة إذا كان المطلق قد ثاب إلى مراجعة امرأته.[13] (وتلك حدود الله) والحدود: جمع حد وهو ما يحد، أي يمنع من الاجتياز إلى ما ورائه للأماكن التي لا يحبون الاقتحام فيها إما مطلقا مثل حدود الحمى وإما لوجوب تغيير الحالة مثل حدود الحرم لمنع الصيد وحدود المواقيت للإحرام بالحج والعمرة، والمعنى: أن هذه الأحكام مشابهة الحدود في المحافظة على ما تقتضيه في هذا.[13] {إِنِ ارْتَبْتُمْ} الارتياب: الشك، وجاء في التفسير في قوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} لأن المعنى: إذا لم تدروا للكبر أم لدم الاستحاضة، فالعدة ثلاثة شهور.[24] البلاغة في سورة الطلاقفي قوله: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق:1] التفات من الغيبة إلى الخطاب، والفائدة منه مشافهة المتعدي بالخطاب لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدّي، وقد تورط بعضهم فحسب أن الخطاب للنبي ﷺ والمعنى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه وأضربها، فأنت لا تدري أيّها المتعدّي مغبّة الأمر وما عسى أن يسفر عنه لعلّ الله يحدث في قلبك بعد ذلك الذي أقدمت عليه من التعدّي أمرا يقتضي خلاف ما فعلت فيبدل ببغضها محبة وبالإعراض عنها إقبالا عليها وبالصدود رضا.[25] وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ٤﴾ [الطلاق:4] حذف خبر، فالصمت عن الخبر، وعطف اللائي لم يحضن، على اللائي يئسن، مؤذن باتحادهما في الخبر.[26] في قوله ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الطلاق:8] مجاز مرسل علاقته المحلية، من إطلاق المحل وإرادة الحال وقد تقدمت له نظائر كثيرة.[25] وفي قوله ﴿لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الطلاق:11]، استعارتان تصريحيتان شبّه الكفر بالظلمات ثم حذف المشبّه وأبقى المشبّه به وشبّه الإيمان بالنور وحذف المشبّه وأبقى المشبّه به أيضا.[25] القراءات لبعض الكلمات في سورة الطلاقفي قوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1]، قرأ ورش وبصري وحفص (بُيُوتِهِنَّ) بضم الباء، وكسرها للباقين جليّ ومُبَيِّنَةٍ، وقرأ المكي وشعبة بفتح الياء المنقوطة نقطتين من أسفل والباقون بالكسر.[27] وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق:3]، كلهم قَرَأَ (بالِغُ أمره) منوناً، وروى حَفْص والمفضل عَن عَاصِم (بالِغُ أَمْرِهِ) مُضَافاً.[28] وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق:4]. (واللاء): قرأ قالون وقنبل ويعقوب بهمزة مكسورة محققه من غير ياء بعدها وصلاً ووقفاً، وقرأ ورش من الطريقين، وأبو جعفر بهمزة مكسورة مسهلة من غير ياء بعدها، مع المد والقصر، وهم على أصولهم في المد، أما وقفاً فلهم تسهيل الهمزة بالروم مع المد والقصر، إبدالها ياء ساكنة مع المد المشبع، وقرأ البزي وأبو عمرو وصلاً بهمزة مكسورة مسهلة من غير ياء بعدها مع المد والقصر، ولهما أيضاً إبدال الهمزة ياء ساكنة مع المد المشبع للساكنين، ولاحظ لهما الإظهار، الإدغام عند الوصل بلفظ يئسن، والوجهان من الإظهار والإدغام صحيحان.[29] وفي قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ﴾ [الطلاق:6]، اختلف القرّاء في (وُجْدِكُمْ)، فقرأ روح بكسر الواو، وقرأ الباقون (وُجْدِكُمْ) بضم الواو، والكسر، والضمّ لغتان بمعنى: (الوسع).[30] وفي قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ٨﴾ [الطلاق:8]، (وَكَأَيِّنْ)، يقرأ بالهمز والتشديد للياء بعد الهمز، وبألف ممدودة قبل الهمزة ونون ساكنة بعدها، ومعناها: معنى كم،[31] و(نكرا): قرأ نافع وابن ذكوان وشعبة وأبو جعفر ويعقوب بضم الكاف، والباقون بإسكانها.[29] أهم المؤلفات في سورة الطلاق
مصادر
وصلات خارجية
|