زيد بن علي
زَيد بِنْ عَلِي بِنْ اَلحُسَيْنِ بِنْ عَلِي بِنْ أَبِي طَالِبْ العَلَوِي الهَاشِمْي القُرَشِّي أخو محمد الباقر، وعبد الله الباهر، وعمر، وعلي، والحسن، والحسين الأكبر والحسين الأصغر، أمه أم ولد.[1][2][3][4][5][6] روى عن أبيه زين العابدين، وأخيه الباقر، وخرج على الخلافة الاموية، فقتل وصُلب. وفد على والي العراق يوسف بن عمر، فأحسن جائزته، ثم رده، فأتاه قوم من الكوفة، فقالوا: ارجع نبايعك، فما يوسف بشيء، فأصغى إليهم وعسكر، فبرز لحربه عسكر يوسف، فقتل في المعركة، ثم صلب أربع سنين. ولادتهوُلد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالمدينة بعد طلوع الفجر سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة.[7] وأمه أم ولد من السند (باكستان الحالية)، وهي أم إخوته عمر الأشرف وعليّ وخديجة [8]، اشتراها المختار بن عبيد الثقفي أيّام ظهوره بالكوفة بثلاثين ألفاً وبعث بها إلى الإمام زين العابدين: يقول عمر الجعفري: "كنت أدمن الحج فأمرّ على علي بن الحسين فأسلّم عليه، وفي بعض حججي غدا علينا علي بن الحسين ووجهه مشرق فقال: جاءني رسول الله ﷺ في ليلتي هذه حتّى أخذ بيدي وأدخلني الجنة وزوّجني حوراءَ، فواقعتها، فعَلقَت؛ فصاح بي رسول الله ﷺ: يا علي بن الحسين، سمِّ المولود منها زيداً. فما قمنا من مجلس علي بن الحسين ذلك اليوم وعليّ يقصّ الرؤيا؛ حتّى أرسل المختار بن أبي عبيد بأمّ زيد هدية إلى علي بن الحسين اشتراها بثلاثين ألفاً؛ فلما رأينا إشفاقه بها تفرّقنا من المجلس؛ ولما كان من قابل حججت ومررت على علي بن الحسين لأسلّم عليه، فأخرج زيداً على كتفه الأيسر وله ثلاثة أشهر وهو يتلو هذه الآية ويؤمئ بيده إلى زيد: ﴿ هذا تأويلُ رؤيايَ مِن قَبلُ قد جعلَها ربّي حقاً)".[9] ويشهد لما تضمّنته هذه الرواية من قصة الرؤيا رواية أبي حمزة الثمالي المرويّة في مجالس الصدوق مسنداً إليه، وفي (فرحة الغري) للسيد ابن طاوس بحذف الاسناد. ينصّ الحديث المروي في «الفرحة» بأنه حوراء، ويعرفنا النسّابة أبو الحسن العمري في «المُجدي» بأنه غزالة، وجاء في «غاية الاختصار» [10] بأنه جيداء وفي « سر السلسلة العلوية » و « الحدايق الوردية » جيد. ونحن إذا قرأنا ما يحدّث به المبرد في الكامل <5 ـ ج 3 ص 189 طبع سنة 1347 هـ.[11] من أن العرب تسمّي الأَمَة حوراء وجيداء ولطيفة، أمكننا موافقة المجدي فقط، لكون هذه الألفاظ إنّما يُشار بها إلى خصوص صنف الإماء وليست للميزة بين أفراد ذلك الصنف. تسميتهلايوجد في مصادر أهل السنة والجماعة أن النبي سمى زيد في حياتة، في مصادر الشيعة النبي صلى الله عليه وسلم حينما حدّثه بما يجري على مهجته وفلذّة كبده ﴿ صليب الكناسة ﴾ من الحوادث الغريبة والغريبة جداً، بعد ما يقرأ في حديث أبي ذر الغفاري وقد دخل على النبي ﷺ فرآه يبكي فرقّ له وسأله عما أبكاه، فأخبره بأنّ جبرئيل عليه السّلام هبط عليه وأخبره أن ولده الحسين عليه السّلام يُولَد له ابن يُسمّى علياً ويُعرف في السماء زين العابدين، ويولد له ابن يسمى زيداً يُقتل شَهيداً. وفي حديث عليّ: أخبرني رسول الله ﷺ بقتل الحسين عليه السّلام وصلب ابنه زيد بن عليّ قلت له: أترضى يا رسول الله يقتل ولدك؟ قال: يا علي، أرضى بحكم اللهِ فيَّ وفي ولدي، ولي دعوتان: أمّا الأولى فاليوم، والثانية إذا عُرضوا على الله عزّوجلّ، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا عليّ، أَمِّن على دعائي: اللهمّ أحصِهم عدداً، واقتُلهم بَدداً، وسلِّط بعضَهم على بعض، وامنَعهم الشرب من حَوضي ومُرافقتي؛ ثمّ قال: أتاني جبرئيل وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمِّن فقال: لقد أُجيبتْ دعوتُكما.[12] وحديث حذيفة بن اليمان: نظر النبيّ إلى زيد بن حارثة فقال: المظلوم من أهل بيتي سَمِيّ هذا، والمقتول في الله والمصلوب سَميّ هذا. وأشار إلى زيد بن حارثة؛ ثمّ قال: ادنُ منّي يا زيد، زادك الله حبّاً عندي، فأنت سَميّ الحبيب من ولدي.[13] وهذان الحديثان وان لم تكن فيهما صراحة على المُدَّعى، غير أنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وَحيٌّ يُوحى، فيجب أن يكون كلّما يلفظه من قولٍ عن وحيٍ أو الهام، ولا سيما حديث أبي ذر، فإنّه ينصّ على أنّ التسمية كانت معروفة في الملأ الأعلى، وقد أنهاها جبرئيل إلى النبي بالوحي، فما يذهب بالمزاعم إلى أن التسمية كانت متأخّرة إلى حين ولادته تشبّثاً بما رواه ابن ادريس الحلّي في «مستطرفات السرائر» أجنبيّ عن القصد، وهو على ما ذكرناه أدلّ. قال ابن ادريس: روى ابن قولوية عن بعض أصحابنا، قال: كنت عند علي بن الحسين عليه السّلام، وكان إذا صلّى الفجر لم يتكلّم حتّى تطلع الشمس، فجاءه يومَ وُلد فيه زيد فبشّروه به بعد صلاة الفجر فالتفت إلى اصحابه فقال: أيّ شيء ترون أن أُسمّي هذا المولود؟ فقال كلّ رجل سمِّه كذا، فقال: يا غلام عَليَّ بالمصحف، فجاءوا بالمصحف فوضعه في حِجره ثمّ فتحه فنظر إلى أول حرف في الورقة، فإذا فيه ﴿ وفَضّل اللهُ المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما ﴾ ثمّ فتحه ثانيا فنظر، فإذا أول الورقة ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومَن أوفى بعَهده من الله فاستَبشِروا ببيعكمُ الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ﴾ ثمّ قال: هو والله زيد، هو والله زيد، فسُمّي زيداً. هذا نصّ الخبر، ونحن إذا قرأناه بتأمّل نعرف أجنبيّته عن كَون السجاد هو المخترع للاسم، وإنّما نعرف أنّه مُتلقَّى عن آبائه الهداة عن النبيّ المُوحى إليه على لسان جبرئيل؛ وممّا يكشف لنا عن ذلك اعتماده في التسمية على الآيتَين الواردتين في فضل المجاهد، وعدم ارتباطهما بالتسمية لا يختلف فيه اثنان، ولكن الوجه بالتسمية بعد قراءتهما ليس إلاّ ما هو معلوم لديه عن آبائه عن النبي بأنّه يُولَد له ولد يسمّى زيداً ويُقتَل شهيداً في الجهاد، فبهذه المناسبة سمّاه زيدًا عند قراءتهما، ويشهد له مجيئه بضمير الغائب حيث يقول «هو والله زيد، هو والله زيد»، فإنّه يريد أنّ ذلك المولود الذي سمّاه النبي زيداً ويُقتل شهيداً في الجهاد هو هذا. لقبهيلقّب زيد الأزياد [14]، إشارة إلى أنه المقدَّم على كلّ من سُمّي بهذا الاسم من جهة أعماله الصالحة وغاياته الشريفة التي استحق بها المدح والإطراء من الأئمة بخلاف غيره ممن سُمّي بهذا الاسم، وبالأخصّ من كان من أهل هذا البيت ممن لم يحمل لنا التاريخ من أعماله الحسنة ما يستوجب به المدح من الأئمّة: كزيد بن الحسن السبط وزيد بن موسى بن جعفر وهو زيد النار. نعم أقرأتنا جوامع الاحاديث خصومة الأول مع الإمام الباقر في أمر الإمامة وشهادة السكينة التي بيده والصخرة التي كانت واقفاً عليها والشجرة التي هي قريبة منهما بأن الباقر أحق بالأمر منه.[15] ويقول الرضا في حق الثاني عند ما قال له الخليفة المأمون: يا أبا الحسن لان خرج أخوك وفعل ما فعل فلقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير: «لا تقس يا أمير المؤمنين أخي زيداً بزيد بن عليّ عليه السّلام، فإنّه كان من علماء آل محمّد ﷺ فغضب لله عزّوجلّ فجاهد أعداءه».[16] كنيتهكانت كنيته المعروف بها أبا الحسين أحد أولاده، وهو أبي عبد الله الحسين ذو الدمعة؛ وعلى هذا مشهور المؤرخين وأرباب السير والتراجم.[17] نقش خاتمهفي الخطط المقريزية ج 4 ص 307 وكان نقش خاتمه (اصبر تُؤجَر، اصدق تَنْجُ)، ورواه أبو الفرج في المقاتل بإبدال «أصدق» بـ «تَوَقَّ». نشأتهنشأ في حجر أبيه السجاد وتخرّج عليه وعلى الإمامين الباقر والصادق، ومنهم أخذ المعارف وأسرار الاحكام. ومن عثرنا على كلامه من أصحابنا الإمامية كأبي إسحاق السبيعي والأعمش والشيخ المفيد، وميرزا عبد الله المعروف بالأفندي [18] وأبو الحسن العمري النسّابة [19] والسيّد عليّ خان [20] والحرّ العاملي [21] والمحدث النوري [22]، وجدناه مصرّحاً بفضله في العلم وتبصُّره بالمناظرات، وكان عمر بن موسى الوجهي يقول: رأيت زيد بن عليّ فما رأيت أحداً يفضله في معرفة الناسخ والمنسوخ والمتشابه من الكتاب المجيد.[23] وفي حديث أبي خالد الواسطيّ: صحبت زيداً بالمدينة خمس سنين، كلّ سنة أقيم شهراً وقت الحج ولم أفارقه حتّى أقدم الكوفة، فما رأيت مثله في العلم، فلذا اخترتُ صُحبته.[24] موقفه مع الخليفة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملكلقد كان زيد مقيم في الشام في ذاك الأيّام المتطاولة، وفي كل يوم يطلب الإذن من أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك ليرفع إليه القصص وفيها الشكايات من سوء معاملة عماله معه، فلم يأذن له [25]، في حين انه يشاهد الاذن للاذناب ومن لاحظَّه في العلم والعرفان، وإذا أذن له أمر أهل المجلس بالتضايق وعدم التوسع له [26] لئلا يظهر للناس كلامه وحسن بيانه، ولكن لم يمنعه ذلك من الجواب وأداء المقصود والرد عليه، فكان يُمع هشاماً من الكلام ما هو أحدّمن السيف وأنفذ من السهم.
الـمحكّم مـا لـم يرتقب حسداً أو يرهب السيف أو وخز القناة صفا عاذ بالسيف لاقى فرجة عجباً مـوتاً على عجَل أو عاش فانتصفا وتمثل بهذه الابيات:[34] شـرّده الـخوف وأزرى به كذاك من يطلب حر الجلادْ منخرق الكفين يشكو الجوى تـنكبه أطـراف مـرٍ حدادْ قـد كان في الموت له راحة والموت حتم في رقاب العبادْ يُـحدث الله لـه دولـة يـترك آثار العدى كالرمادْ
مهلاً بني عمّنا عن نحت أثلتنا سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا لا تجمعوا أن تهينونا ونكرمكم وأن نكف الاذى عنكم وتؤذونا فالله يـعـلم أنّـا لا نـحبكمُ ولا نـلـومكمُ ألا تـحـبونا زيد وخالد القسريّلما ولى يوسف بن عمر الثقفي العراق لهشام بن عبد الملك أخذ يحاسب خالد بن عبد الله بن يزيد بن اسد بن كرز البجلي ثم القسري على بيت المال، وكان قبله والياً على العراق فحبسه، وعذبه، فادعى خالد أنه اشترى أرضاً بالمدينة من زيد بن علي بعشرة آلاف دينار، فكتب يوسف بن عمر إلى هشام بذلك فاستحضر زيداً وسأله عن الأرض فأنكر واستحلفه فحلف له فخلى سبيله [36]، وكتب يوسف بن عمر كتاباً ثانياً، يقول فيه: إنّ خالداً ادعى انه أودع مالاً جزيلا عند زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وسعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبدالله بن العباس بن الوليد المخزومي. فكتب هشام إلى عامله بالمدينة أن يحمل إليه الجماعة، فحملهم إليه مكرهين.[37] فقال بعض بني هاشم:[38] يـأمن الطير والظباء ولا يـأمن آلُ النبي عند المقامِ طبتَ بيتاً وطاب أهلُك أهلاً أهـل بيت النبيّ والإسلامِ رحـمةُ الله والسلام عليكم كـلّما قـام قـائمٌ بـسلامِ حفظوا خاتَماً وجرّوا رداءً أضـاعوا قـرابة الأرحامِ ولما اجتمعوا عند هشام سألهم عن المال فانكروا واستحلفهم فحلفوا وأقرّ بعضهم بانه لم يستفد من خالد سوى الجائزة؛ فقال لهم هشام: انا باعثون بكم إلى يوسف بن عمر ليجمعكم مع خالد، فقال زيد: نشدتك الله يا هشام والرحم إلا تبعث بنا إليه فانا نخاف ان يتعدى علينا، فقال: كلاّ انا باعث معكم رجلاً من الحرس يأخذه بذلك. ثمّ كتب إلى يوسف بن عمر: أما بعد، فإذا قدم عليك فلان وفلان فاجمع بينهم وبين خالد فان اقروا بما ادّعى عليهم فسرّح بهم إليّ، وإن أنكروا فاسأله البيّنة، فإن لم يُقِمْها فاستحلفهم بعد صلاة العصر، بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة ولا له قبلهم شيء ثمّ خلِّ سبيلهم [39]، وبعث هشام بهم إلى العراق واجتنب أيوب بن سلمة لخؤلته فإنّ ام هشام بن عبد الملك ابنة هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد المخزومي وهو في اخواله [40]، فقدموا على يوسف بن عمر فسألهم عن المال فأنكروا ثمّ قال زيد: كيف يودعني المال وهو يشتم آبائي على منبره ؟! [41]؛ فأخرج خالداً إليهم وقال له: هؤلاء الذي ادّعيت عندهم، فاعترف بأنه لم يكن له عندهم شيء، فغضب يوسف وقال: أفبي تهزأ أم بأمير المؤمنين ؟! وضربه حتّى خُشي عليه الهلاك، فقال زيد لخالد: ما الذي دعاك إلى ذلك ؟ قال: شدة العذاب ورجوت به الفرج. استجارة أهل الكوفةاقام زيد بن علي بالكوفة أيّاماً بعد ان وضح حاله للوالي وعرف براءته من تلك التهمة، ثمّ قفل راجعاً إلى المدينة. وفي القادسية أو الثعلبية لحقه جماعة من أهل الكوفة واستجاروا به من جور الأمويين وظلمهم وطلبوا منه المصير إلى بلادهم، وقالوا له: نحن اربعون الفاً نضرب باسيافنا دونك، وليس عندنا من أهل الشام إلا عدة وبعض قبائلنا يكفيهم باذن الله تعالى. وأعطوه العهود والمواثيق إلاّ يخذلونه، فقال لهم: اني أخاف ان تفعلوا معي كفعلكم مع أبي وجدي. فحلفوا له بالايمان المغلظة على ان يجاهدوا بين يديه [42]، فلما عزم على موافقتهم عرفه جماعة ممن يمحضه الود والنصيحة غدر أهل الكوفة وانهم لا ثبات لهم في قول ولا عمل. حسب هؤلاء الناصحون له أنه لم يصل إلى ما يعرفونه في أولئك على نقض العهود والمواثيق، فاشاروا عليه بالإعراض عن الكوفة فإن نتيجة وفاقهم القتل، ولكنهم لم يقفوا على الغاية المقصودة له من تعريف الملأ البدع التي أحدثها الامويون، وكادت ـ لولا هذه النهضات المقدسة من العلويين ـ تقضي على الدين باسرع وقت.[43] ورأى مرة ثانية كانه أضرم ناراً في العراق ثمّ اطفأها ومات، فقصّها على ابنه يحيى فعبّرها بالخروج على هشام. ومن هنا كان يقول لهشام حين أمره بالخروج إلى الكوفة لموافقة يوسف بن عمر الثقفي: نشدتُك بالله يا أمير المؤمنين ألاّ تبعثني إليه، فوالله لا آمن إن بعثتني إليه ألاّ أجتمع أنا وأنت حيّين على ظهر الأرض بعدها، فقال له: الحق بيوسف كما تُؤمر، فقدم عليه [44]، وكان الأمر كما قال. وينضاف إلى ذلك ما تلقّاه من آبائه عن النبيّ الموحى إليه على لسان جبرئيل من القتل والصلب والحرق، وإليه يشير بقوله لجابر بن عبد الله: لو لم أكن إلاّ أنا وآخر لخرجتُ عليه. يريد أنّ الخروج على هشام والقتل في هذا السبيل أمر محتّم من الله، لأن فيه أسراراً ومصالح أهمّها اظهار مظلوميّة آبائه. تحذيره من أهل الكوفةلما أجاب أهل الكوفة ورجع إليها عظم ذلك على صحبه وأهل بيته، فبالغوا في تخويفه وعرّفوه عواقب هذا الوفاق لما عليه أولئك الخونة من الشقاق والميل إلى الاطماع. ولم يعزب عن علم زيد ما يصير إليه امره من القتل، ولا كان يخفى عليه غرائز الكوفيين الغدرة بسلفه الطاهر، فقد انتهى إليه العلم القطعي من آبائه الهداة عن جده النبيّ بما سوف ينتابه من المحن ويعانيه من السياسة القاسية، لكنه كغيره من قادة الإصلاح الناهضين لم يحصر أثر الوثبة في وجه الفساد بخصوص الاستيلاء على قطر تتقلص عنه بقوة بأسه عوامل الفساد فيتخذه قاعدة سطوته، فتارة يقول: شهدت هشاماً ورسول الله ﷺ يُسَبّ عنده فلم يُغيّره، فو الله لو لم يكن إلا انا وآخر لخرجت عليه، وأخرى يقول: ان هشاماً أخرجنا اسرى على غير ذنب من الحجاز ثمّ إلى الجزيرة ثمّ إلى العراق ثمّ إلى تيس ثقيف يلعب بنا، وثالثة يقول: ان أهل الكوفة بايعوني وقد وجبتْ بيعتهم في عنقي، ورابعة يقول: انهم كتبوا إليّ يسألون القدوم عليهم. وفي ذلك كله دلالة على ان هناك علماً لا يستطيع بثه لعدم القابل لتحمله. وبالرغم من أيّ وهن صوري يجده في طريقه، وتخاذل يبلغه عن الكوفيين ، مشى إلى مصرعه قِدماً. وكان كلما اشتد عليه الأمر لم يزدد إلا نشاطاً وفرحاً بقرب الغاية وبلوغ الأُمنيّة حتّى لفظ آخر نفس. دخوله الكوفةدخل الكوفة في شهر شوال سنة مائة وعشرين وقيل تسع عشرة، فاقام بالكوفة خمسة عشر شهراً وفي البصرة شهرين [45]، فأخذت الشيعة وغيرهم من المحكِّمة [46] تختلف إليه يبايعونه فبلغ ديوانه خمسة وعشرين ألفاً وقيل اربعون ألفاً [47] وقال أبو معَّمر: بلغ ثمانين الفاً [48] كلهم من أهل الكوفة، وبايعه من أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل والجزيرة والريّ وخراسان وجرجان [49] خلق كثير، وفيمن بايعه من أهل الكوفة نصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية إسحاق بن زيد بن حارثة الانصاري، وحجية الأجلح الكندي [50]، وكان نصر على إحدى مجنبته، وكان معمر بن خيثم وفضيل الرسان يُدخلان الناس عليه وعليهم براقع لئلا يُعرَف موضع زيد.[51] وبايعه من فقهاء الكوفة وقضاتها ومحدّثيها عدد كثير نذكر بعضاً ممن وقفنا عليه كمثل تتعرف منه القراء أن زيداً لم يتبعه سواد الناس ومن لا معرفة له بمقاصد الرجال الناهضين، بل الذين اتبعوه مع هؤلاء خواص الناس ومن لهم المعرفة التامة بالسبب الدافع لزيد على هذه النهضة الهاشمية التي لم يقصد بها إلا إحياء السنّة واقامة العدل، ثمّ انه أخذ يرسل دعاته إلى من تخلف من الناس في الكوفة وسائر الأمصار، وكان من رسله الفضل بن الزبير بعثه إلى أبي حنيفة يدعوه إلى بيعته فأبلغه الفضل رسالة زيد، فذكره أبو حنيفة بكل جميل وألزم الخروج معه وبعث إليه بثلاثين الف درهم ويقال دينار معونةً على جهاد عدوه. وذكر الخوارزمي أن أبا حنيفة قال: لو علمت أن الناس لا يخذلونه كما خذلوا اباه لجاهدت معه لأنه إمام بحق، ولكن أُعينه بمالي. ثمّ بعث إليه بالمال وقال للرسول: أبسط عذري عنده. وسئل أبو حنيفة عن خروج زيد فقال: ضاهى خروج رسول الله يوم بدر، فقيل له: لمَ تخلفت عنه ؟ فقال: حبستني عنه ودايع الناس عرضتها على ابن أبي ليلى فلم يقبل، فخفت أن اموت مجهلاً، وكان كلما ذكر خروج زيد بكى.[52] ومن دعاته يزيد بن أبي زياد الفقيه مولى بني هاشم وصاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى، بعثه إلى الرقة فاجابه إلى بيعته عدد كثير من أهلها وفيهم عبدة بن كثير الجرمي، فكان هو والحسن بن سعيد الفقيه رسولاه إلى خراسان. ومن دعاته أبو اليقظان عثمان بن عمير الفقيه بعثه إلى الأعمش سليمان بن مهران. وبعث سالم بن الجعد إلى زبيد الفقيه، ومن دعاته منصور بن المعتمر السلمي المحدث، بعثه يدعو الناس إليه فقُتل زيد وهو غائب، وخاف أن يكون مقصِّراً فصام سنة رجاء ان يُكفر ذلك عنه، ثمّ خرج بعد ذلك مع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار.[53] لم يمنع أولئك الفقهاء من الخروج معه إلاّ تخاذل الناس عنه وخوف السلطان. وكان الأعمش يقول: لولا ضرارة بي لخرجت معه، والله ليخذلنه أهل العراق وليسلمنّه كما فعلوا بجده وعمه.[54] ماهي البيعةكانت البيعة التي أخذ الناس عليها: الدعوة إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين واعطاء المحرومين وقسمة الفيء بين المسلمين بالسوية وردّ المظالم ونصرة أهل البيت على من نصب لهم العداوة وجهل حقهم. فكان يقول للناس: اتُبايعوني على ذلك ؟ فإذا قالوا: نعم، وضع يده على يد من بايعه ثمّ يقول عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله لتفينّ ببيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية. فإذا قالوا: نعم، مسح يده على يده ثمّ قال: اشهدوا عليه.[55] ولما تمت البيعة لزيد وخفقت الألوية على رأسه قال: الحمد لله الذي اكمل لي ديني، والله اني كنت لاستحي من رسول الله ﷺ أن أرِد عليه الحوض غداً ولم آمر في امته بمعروف ولم أنهَ عن منكر [56]، والله ما ابالي إذا اقمت كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ان أُجّجت لي نار وقذفت فيها ثمّ صرت بعد ذلك إلى رحمة الله، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين. وَيْحكم: أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد صلّى الله عليه وآله ونحن بنوه، يا معشر الفقهاء، ويا أهل الحجاز، أنا حجة الله عليكم وهذه يدي مع أيديكم على ان نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله ونقسم فيئكم بالسوية، فسلوني عن معالم دينكم فان لم انبئكم عما سُئلتم فولوا من شئتم ممن علمتم انه اعلم مني، والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله ﷺ وعيبة علمه، والله ما كذِبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت محرّماً لله يؤاخذني به.[57] موقف الإمام زيد بن علي من الخليفتين أبوبكر وعمر بن الخطابجاء إليه جماعة من رؤساء أهل الكوفة وذوي البصائر وأهل الحل والعقد فسألوه عما يراه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال لهم : (ما سمعت أحداً من آبائي تبرّأ منهما، ولا يقول فيهما إلاّ خيراً)، فلم يقتنع القوم منه بهذا بعد أن كان غرضهم حلّ عُرى العهود والمواثيق الصادرة منهم، فاتخذوا علامة التبرّي من الخلفاء ذنباً يستوجب به عدم النصرة والمحاماة، وصاحوا بأجمعهم: إنك لم تطلب بدم أهل هذا البيت إلاّ أن وثبا على سلطانكم فانتزعاه من أيديكم. فقال زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم أنّا كنا أحق بسلطان رسول الله ﷺ من الناس أجمعين، وإن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، قد وُلوا فعدلوا في الناس أجمعين، وعملوا بالكتاب والسنة، فقالوا له: إذا لم يظلمك أولئك فلِم يظلمك هؤلاء، فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين ؟ فقال: إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم؛ وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وإلى السنن أن تُحيى وإلى البدع أن تُطفأ، فان أنتم أجبتمونا سُعدتم وإن أنتم أبيتنم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته. فتبرأ زيد منهم وصاح: فعلوها حسينية. ولما بلغ الصادق عليه السّلام حديثهم معه تبرأ منهم؛ وقال: برئ الله ممّن تبرّأ من عمّي زيد. وقال لجماعة من أهل الكوفة سألوه عن زيد والدخول في طاعته: (هو والله خيرنا)، فكتموا ما أمرهم به وتفرقوا عنه. غدر أهل الكوفة بزيدجاء إليه جماعة من الرؤساء وذوي البصائر وأهل الحل والعقد فسألوه عما يراه في أبي بكر وعمر فتلكّأ واحتبس وما يدري ماذا يجب في ذلك الحال الرهيب حال التجمع والتحزب والتألف والتجمهر كله لمكافحة الباطل والضلال، وكيف لا يرتكب المجاز في القول فقال لهم في الجواب:(ما سمعت أحداً من آبائي تبرّأ منهما، ولا يقول فيهما إلاّ خيراً) [58]، فلم يقتنع القوم منه بهذا بعد أن كان غرضهم حلّ عُرى العهود والمواثيق الصادرة منهم، فاتخذوا علامة التبرّي من الخلفاء ذنباً يستوجب به عدم النصرة، وصاحوا باجمعهم: إنك لم تطلب بدم أهل هذا البيت إلاّ أن وثبا على سلطانكم فانتزعاه من أيديكم. فقال زيد: ان أشد ما أقول فيما ذكرتم أنّا كنا أحق بسلطان رسول الله ﷺ من الناس أجمعين، وإن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، قد وُلوا فعدلوا في الناس أجمعين، وعملوا بالكتاب والسنة، فقالوا له: إذا لم يظلمك أولئك فلِم يظلمك هؤلاء، فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين ؟ فقال: ان هؤلاء ظالمون لي ولكم ولانفسهم؛ وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ وإلى السنن أن تُحيى وإلى البدع أن تُطفأ، فان أنتم أجبتمونا سُعدتم وإن أنتم أبيتنم فلست عليكم بوكيل، ففارقوه ونكثوا بيعته.[59] فتبرأ زيد منهم وصاح: فعلوها حسينية. ولما بلغ الصادق عليه السّلام حديثهم معه تبرأ منهم؛ وقال: برئ الله ممّن تبرّأ من عمّي زيد. وقال لجماعة من أهل الكوفة سألوه عن زيد والدخول في طاعته: ( هو والله سيدنا وخيرنا ) [60]، فكتموا ما أمرهم به وتفرقوا عنه. المواجهة الكُبرى ونكث أهل الكوفة لبيعة الإمام زيد- بعث يوسف بن عمر الثقفي القائد الأموي بعض رجاله إلى شوارع الكوفة لإثارة الرعب في قلوب الأهالي، ودعوة الناس إلى الاجتماع في المسجد الأعظم، وحظر التجول وحمل السلاح، وبث الإشاعات عن الجيش القادم من الشام. ولكن الإمام زيد توجه مع من بقي من أنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وطمأنة أهل الكوفة، وفي طريقه إلى المسجد وقعت بينه وبين جند الأمويين مواجهة عنيفة كان النصر فيها حليفه، ولما وصل إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره (يا منصور أمت) وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، وكان نصر بن خزيمة ينادي: « يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها »، ولكنهم حنوا إلى طبعهم القديم (الغدر والخيانة)، واعتذروا بالحصار الموهوم. وانتشر أصحاب زيد في الكوفة وأمرهم زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن. وأخذ يطارد بقايا جند الأمويين في محاولة لتطهير الكوفة منهم، وفجأة ظهر جنود الأمويين القادمون من الحِيْرة؛ فاشتبك أصحاب الإمام معهم وقاتلوا قتالا شديداً حتى ردوهم على أعقابهم، ثم جمع زيد أصحابه ونادى فيهم: « انصروني على أهل الشام فوالله لاينصرني رجل عليهم إلا أخذت بيده حتى ادخله الجنة، ثم قال: واللـه لو علمت عملا هو أرضى لله من قتال أهل الشام لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقا ». واستمرت المواجهة بين المعسكرين، وكان جنود الأمويين يتزايدون بينما كان جند الإمام زيد ينقصون، والتفت الإمام زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني اللّه فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!! قاتل زيد وأصحابه فلم يجرؤ أحد على مواجهتهم أو مبارزتهم، وحين شعر الأمويون أنه لا قدرة لهم على المواجهة تحصنوا خلف الكثب والجدران، وأخذوا يمطرون الإمام زيد وأصحابه بوابل من السهام. وسُمِع ـ في مقدمة الجيش ـ صوت الإمام زيد يرتفع قائلا: الشهادة.. الشهادة.. الحمد لله الذي رزقنيها! فهرعوا إلى مكان الصوت، فأصيب بسهم في جبهته، فارتفع صوته بتلك الكلمات. صفة الحربلمّا عرّف زيد من يوسف بن عمر الثقفي التطلب له والاستبحاث عن أمره وتتبع شيعته، وبلغه خبر الرجلين الذين أُخذا وقُتلا، خاف على نفسه ان يؤخذ غيلة فتعجل الخروج قبل الأجل الذي كان بينه وبين الامصار [61] وأمر من ثبت معه بالتهيؤ والاستعداد.[62] وكان ظهوره بالكوفة ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة مائة وإحدى وعشرين. قال ابن جرير: جمع الحكم بن الصلت أهل الكوفة في المسجد الاعظم قبل خروج زيد، وبعث إلى العرفاء والشرطة والمناكب والمقاتلة فحصرهم في المسجد، ومكث الناس ثلاثة أيّام وثلاث ليالي في المسجد الأعظم يُؤتى إليهم بالطعام والشراب من منازلهم. ونادى مناديه إلى أن أمير المؤمنين يقول: من أدركْنا زيداً في رحله فقد برئت منه الذمة. وكان يومئذ على ربع المدينة إبراهيم بن عبدالله بن جرير البجلي، وعلى ربع مذحج واسد عمر وابن أبي بذل العبدي، وعلى ربع كندة وربيعة المنذر بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وعلى ربع تميم وهمدان محمد بن مالك الهمداني ثم الخيواني. وفي يوم الثلاثاء قبل خروج زيد أمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغُلقت وغلقت أبواب المسجد على أهل الكوفة وبعث إلى يوسف بن عمر وهو بالحيرة يُعلمه الحال، فأمر يوسف مناديه فنادى في اصحابه من يأتي الكوفة ويقترب من هؤلاء القوم، فركب جعفر بن العباس الكندي في خمسين فارساً حتّى انتهى إلى ( جبانة سالم السلوي ) [63] فعرف موضعهم ورجع إليه. وفي ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر طلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الانصاري، فلم يجدوه لانه خرج من دار معاوية وفي ليلة شديدة البر ذي ظلمة، واصحابه يستضيئون بالهراوي يشعلون فيها النار، وما زالوا على هذا الحال طول ليلهم وشعارُهم كاصحاب بدر يا منصور أمت. وفي صباح يوم الأربعاء خرج يوسف بن عمر إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه جماعة من كبار قريش واشراف الناس، وبعث الريان بن سلمة الاراشي في الفين وثلثمائة من القيقانية معهم النشاب قوةً لصاحب شرطته العباس بن سعيد المزني. وفي هذا اليوم بعث ( زيد ) القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التنعي ثمّ الحضرمي؛ رجلاً آخراً يقال له ( صدام ) يناديان بشعارهما: يا منصور أمت، فالتقيا مع جعفر بن العباس الكندي في صحراء عبد القيس واقتتلا معهم فقُتل صدام وارتُثّ القاسم فأُسِر وجيء به إلى ابن الصلت فكلمه فلم يردّ عليه فامر به فضُربت عنقه على باب القصر، فقالت ابنته سكينة ترثيه: عـينُ جـودي لـقاسمِ بن كثيرِ بـدرورٍ مـن الـدموع غـزيرِ أدركـتـه سـيوفُ قـوم لـئامٍ من أُولي الشرك والردى والشرورِ سـوف أبـكيك مـا تغنّى حَمامٌ فـوق غصن من الغصون نضيرِ لم يواف زيداً ممن بايعه في هذا اليوم غير مائتين وثمانية عشر رجلاً، فقال زيد: سبحان الله! اين الناس ؟ قيل: انهم محصورون في المسجد الأعظم، قال: والله ما هذا لمن بايعنا بعذر. وسمع نصر بن خزيمة النداء فأقبل إليه ولقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيله من جهينة عند دار ( الزبير بن حكيمة ) في الطريق الخارج إلى مسجد بني عدي، فقال نصر بن خزيمة: يا منصور أمت فلم يردّ عليه شيئاً فحمل عليه نصر واصحابه فقتل عمرو بن عبد الرحمن، وانهزم من كان معه، واقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فالتقى معه في جبانة الصائدين ؛ وفيها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد فيمن معه فهزمهم، وتحت زيد برذون بهيم اشتراه رجل من بني نهد ابن كهمس بن مروان النجاري بخمسة وعشرين ديناراً، ثمّ صار بعد زيد إلى الحكم بن الصلت. وانتهى زيد إلى باب رجل من الازد يقال له انس بن عمرو وكان ممن بايعه، فناداه زيد: يا انس اخرج إلي رحمك الله، فقد جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، فلم يخرج إليه. فقال زيد: ما اخلفكم، قد فعلتموها، الله حسيبكم. ومضى زيد حتّى انتهى إلى الكناسة وكان بها جماعة من أهل الشام فحمل عليهم وهزمهم، ثمّ خرج حتّى اتى الجبانة وكانت فيما بين الحيرة والكوفة ويوسف بن عمر الثقفي على تل قريب من الحيرة، معه من قريش واشراف الناس نحو مائتي رجل فيهم حزام بن مرة المزني، وزمزم بن سليم التغلبي ولو اقبل على يوسف لقتله، وكان الرّيان بن سلمة يتبع أثر زيد في أهل الشام فمانعه عن التوجه نحو يوسف بن عمر فأخذ زيد على مصلى خالد بن عبد الله القسري حتّى دخل الكوفة، وقد انشعب اصحابه لمّا قصد الجبانة فذهب بعضهم نحو جبانة مخنف بن سليم، ثمّ تراجعوا إلى جبانة كندة. وبينا هم يسيرون اذ طلعت عليهم خيل اصحاب يوسف بن عمر، فلما رأوهم دخلوا زقاقاً ونجوا منهم إلا رجلاً دخل مسجداً يصلي فيه ركعتين وبعد ان فرغ خرج إلى اصحاب يوسف وقاتلهم فتكاثروا عليه وصرعوه وحمل عليه رجل بعمود فقتله، وخرج أولئك النفر الذين دخلوا الزقاق وقاتلوا اصحاب يوسف بن عمر، فاقتطع أهل الشام منهم رجلاً دخل دار عبد الله بن عوف فهجموا عليه وأسروه واتوا به إلى يوسف بن عمر فقتله. ولما دخل زيد الكوفة أشار عليه نصر بن خزيمة بالتوجّه نحو المسجد الاعظم لاجتماع الناس فيه، فقال له زيد: انهم فعلوها حُسينيةً، فقال نصر: أمّا انا فاضرب معك بسيفي هذا حتّى أُقتل. وبينا يسير زيد نحو المسجد الاعظم، إذ طلع عليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام والتقى معه على باب عمر بن سعد بن أبي وقاص فاراد الحملة عبيدالله وتكعكع مولاه سلمان وبيده اللواء فصاح به: احمل يا بن الخبيثة، فحمل عليهم ولم ينصرف حتّى خضب اللواء بالدم وضرب واصل الحناط عبيد الله وقال: خذها وانا الغلام الحناط، فلم تعمل فيه شيئاً، وقال عبيدالله: قطع الله يدي ان اكلت بتفيز ابداً. ثمّ ضرب الحناط فلم يصنع شيئاً. واشتد القتال بينهم، ولكثرة من قتل من اصحاب عبيدالله فر بمن بقي معه وانتهى إلى دار عمرو بن حريث وكانت في ( السبخة ) قريبة من المسجد الاعظم. وأقبل زيد باصحابه وانتهى إلى باب الفيل فأدخل اصحابه راياتهم من فوق الأبواب وهم يقولون: يا أهل المسجد اخرجوا إلى العز، اخرجوا إلى الدين والدنيا فانكم لستم في دين ولا دنيا. فاشرف عليهم أهل الشام يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد. وفي عشية الأربعاء انصرف الريان بن سلمة إلى الحيرة وخرج زيد فيمن معه فنزل ( دار الرزق ) فاتاه الريان بن سلمة وقاتله هناك قتالاً شديداً. فخرج بعض اصحاب الريان وقُتل منهم كثير وفرّ الباقون، فتبعهم اصحاب زيد من دار الرزق حتّى انتهوا إلى المسجد ورجع أهل الكوفة عشية الأربعاء بأسوأ حال. وفي صباح يوم الخميس الثاني من صفر بعث يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني صاحب الشرطة في جماعة من أصحابه فاتوا زيداً وهو في ( دار الرزق ) فاقتتلوا هناك والطريق متضايق بخشب كثير للنجار، وعلى ميمنة زيد وميسرته نصر بن خزيمة العبسي، ومعاوية بن اسحاق الأنصاري، فصاح العباس باصحابه: الأرض الأرض، فنزلوا عن خيولهم واشتد القتال، فضرب نائل بن فروة نصر بن خزيمة على فخذه، وضربه نصر فقتله، ولم يلبث نصر ان مات. وقتل في هذه الصدمة من اصحاب العباس بن سعيد نحو من سبعين رجلاً وفرّ الباقون. وفي عشية الخميس عبّأ يوسف بن عمر الثقفي اصحابه وسيّرهم إلى زيد فاقتتلوا ثمّ كشفهم زيد إلى ( السبخة ) واشتد القتال فيها، فكانت الدبرة على أصحاب يوسف بن عمر، وتبعهم زيد بمن معه حتّى اخرجهم إلى بني سليم، وطاردهم في خيله ورجاله فاخذوا طريق المسناة، ثمّ ظهر لهم فيما بين ( بارق ورؤاس ) فقاتلهم، وصاحب لوائه عبد الصمد بن أبي مالك بن مسروح من بني سعد بن زيد حليف العباس بن عبد المطلب، وكان مسروح السعدي متزوجاً صفية بنت العباس بن عبد المطلب. وتمثل زيد يوم السبخة بأبيات ضرار بن الخطاب الفهري التي قالها يوم الخندق: مـهلاً بني عمّنا ظلامتنا إنّ بـنا سَورةً من القَلَقِ لمثلكم نحمل السيوف ولا نـغمز أحسابنا من الرققِ إنّي لأُنمى إذا انتميتُ إلى عزّ عزيز ومعشر صدقِ بـيض سباط كأنّ أعينهم تُكحل يوم الهياج بالعلقِ وفي حديث محمد بن فرات الكوفي: كان الناس ينظرون إلى زيد يقاتل يوم السبخة وعلى رأسه صفراء تدور معه حيثما دار. وبينا زيد يقاتل اصحاب يوسف بن عمر اذ انفصل رجل من كلب على فراس له رائع، وصار بالقرب من زيد فشتم الزهراء فاطمة، فغضب زيد، وبكى حتّى ابتلت لحيته، والتفت إلى من معه وقال: اما أحد يغضب لفاطمة، أما أحد يغضب لرسول الله ﷺ، اما أحد يغضب لله ؟! قال سعيد بن خيثم: اتيت إلى مولى لي كان معه مشمل [64] فاخذتُه منه وتسَترت خلف النظارة والناس يومئذ فرقتان مقاتلة ونظارة، ثمّ صرت وراء الكلبي وقد تحول من فرسه وركب بغلة فضربته في عنقه فوقع رأسه بين يدي البغلة، وشد اصحابه عليّ وكادوا يرهقوني، فلما رأى اصحابنا ذلك كبروا وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت البغلة واتيت زيداً فقبل بين عيني وقال: ادركتَ والله ثارنا، ادركت والله شرف الدنيا والاخرة وذخرهما، ثمّ اعطاني البغلة. وسار زيد حتّى انتهى إلى الجسر ونادى اصحابه: والله لو كنت اعلم عملاً أرضى لله من قتال هؤلاء لفعلته. وقد كنت نهيتكم ألاّ تُتْبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح؛ ولا تفتحوا باباً مغلقاً، ولكني سمعتهم يسبون علياً عليه السّلام فاقتلوهم من كل وجه، فوالله لا ينصرني رجل عليهم اليوم إلا اخذت بيده وادخلته الجنة. واشتد القتال فكانت خيل أهل الكوفة لا تثبت لخيل اصحاب زيد، فبعث العباس بن سعيد المزني إلى يوسف بن عمر الثقفي يستمده الرجال والخيل فمده بسليمان بن كيسان الكلبي في القيقانية والبخارية وهم نشابة؛ وحرص زيد حين انتهوا إليه ان يصرفهم نحو السبخة فيم يتمكن. وفي هذه الصدمة قاتل معاوية بن إسحاق حتّى قتل، وكان زيد يتمثل: أُذُلُّ الـحياة وعِـزّ الـممات وكــلاًّ أراه طـعاماً وبـيلا فـإن كـان لابـدّ مـن واحدٍ فسَيري إلى الموت سيراً جميلا ولمّا جنح الليل من ليلة الجمعة الثالثة من صفر سنة 121 هـ رُمي زيد بسهم غرب اصاب جبهته ووصل إلى الدِّماغ [65] فرجع زيد ورجع اصحابه ولم يظن اصحاب يوسف بن عمر إلاّ انهم رجعوا للمساء والليل. وكان الرامي له مملوك ليوسف بن عمر اسمه راشد، ويقال من اصحابه اسمه داود بن كيسان. وجاء بزيد اصحابُه فأدخلوه بيت حران بن كريمة مولى لبعض العرب في سكة البريد [66] في دور ارحب وشاكر، وجاءوا بطبيب يقال له شقير، وفي مقاتل أبي الفرج اسمه سفيان. فقال له الطبيب: ان نزعتُه من رأسك مت، فقال: الموت اهون علَيّ مما انا فيه، فخذ الكلبتين فانتزعه. فساعة انتزعه مات رضوان الله عليه، ولعن قاتله وخاذله. وقال سلمة بن الحر بن الحكم: في قتل زيد: وأهلكْنا جحاجحُ من قُريشٍ فأمسى ذِكرهم كحديث أمسِ وكـنّا أُسَّ مُـلكهمُ قـديماً ومـا مُـلكٌ يقوم بغير أُسِّ ضـمنّا مـنهم نكلاً وحُزناً ولـكن لا مـحالة من تأسِّ زيد وتقدير عمرهاتفق جمهور المؤرّخين على أنه مات وله اثنتان واربعون سنة [67]، وحدّده ابن العماد في شذرات الذهب بثلاث واربعين، وابن خرداد بثمان واربعين، وعلى تصحيحنا لتقدير الولادة يكون عمره ستاً وخمسين أو سبعاً وخمسين. وتقدم اختيار ما اتُّفق عليه في تحديد سنة موته بالواحدة والعشرين بعد المائة الشيخ الطوسي في المصباح، والمسعودي في مروج الذهب، وابن قتيبة في المعارف، واليافعي في مرآة الجنان ج 1 ص 257، وأبو الحسن الدياربكري في تأريخ الخميس ج 2 ص 357، وابن العماد في شذرات الذهب ج 1 ص 58، ونص ابن جرير في باب مقتل زيد على الاثنتين والعشرين بعد المائة، ولم يخالف أحد في تعيين شهر موته في [ صفر ] وتواتر الحديث بقتله في الثالث من صفر إلا محمّد بن إسحاق خصه بالنصف منه. وفاتهقتل زيد بن علي بالثاني من شهر صفر من عام 122ھ . مواراة الجسدلما قُتل اختلف اصحابه في دفنه ومواراته بصورة تخفى عن الاعداء خوفاً من اخراجه والتمثيل به، فقال بعضهم: نُلبسه درعه ونطرحه في الماء [68]، وهذه الوسيلة تمنّاها الصادق، فقد قال لسليمان بن خالد: كم بين الموضع الذي واروه فيه وبين الفرات؟ قال سليمان: قذفة حجر، فقال الصادق: سبحان! الله أفلا كنتم أوقرتُموه حديداً وقذفتموه في الفرات وكان أفضل؟!.[69] ويمكن ان يدلنا الحديث على ان المكان المعروف له اليوم الذي يزار ويتبرك به لم يكن محل دفنه لبُعده عن الفرات بنحو ست فراسخ، فاين يقع منه قذفة الحجر ؟! واشار بعض من حضر من اصحابه بدفنه في العباسية [70] وهي النخيلة.[71] وارتأى اخرون حز رأسه وإلقاءه بين القتلى [72] حتّى لا يعرف، فلم يوافق ابنه يحيى على هذا الرأي وقال: لا والله، لا تأكل لحم أبي الكلاب [73]، يشير إلى ان هذه الوسيلة لإخفاء الجسد عن الاعداء لا يدفع محذور التمثيل به، فان الكلاب لا تصل إليه وتتحاماه فيوجب ذلك اهتداء الاعداء إليه فيعود المحذور. قال سلمة بن ثابت: لما كثر الخلاف بين اصحابه أشرت عليهم ان ننطلق به إلى نهر هناك وندفنه فيه، فقبلوا الرأي وكان في النهر ماء كثير حتّى إذا امكنا له دفناه [74]، ووضعنا عليه الحشيش والتراب وأُجري عليه الماء [75] وكان النهر في بستان رجل يقال له [ زائدة ] [76] وقيل يعقوب.[77] اخراجه بعد الدفندخل يوسف بن عمر الكوفة بعد قتل زيد وتطلب مكان دفنه، ونادى مناديه، الا من اخبر بمكان دفنه فله الجائزة، فجاءه الطبيب الذي اخرج السهم وكان حاضراً دفنه فاعلمه بمكانه [78] وكان مملوكاً لعبد الحميد الرؤاسي. وقيل: انّ مملوكاً سندياً لزيد بن علي اخبر بمكان دفنه.[79] وحدّث أبو مخنف عن كهمس: ان نبطياً كان يسقي زرعاً له بتلك الناحية رآهم حين دفنوه فاخبر به.[80] وبعد ان استبان للوالي موضع دفنه، بعث العباس بن سعيد المزني، وفي نقل آخر بعث الحجاج بن القاسم بن محمد بن أبي عقيل [81]، ويقال بعث خراش بن حوشب بن يزيد الشيباني وكان على شرطة يوسف بن عمر.[82] وحُمل الجسد على جمل وكان عليه قميص هروي، فأُلقي على باب القصر. فامر يوسف بن عمر بقطع رأسه وفي حديث أبي مخنف قطعَ رأسَه ابن الحكم بن الصلت، فان الحكم ابن الصلت بعث ابنه، وصاحب الشرطة العباس بن سعيد المزني لاستخراج زيد، فكره العباس ان يغلب ابن الحكم عليه فتركه وسرح الحجاج بن القاسم بن محمد بن الحكم ابن أبي عقيل بشيراً إلى يوسف بن عمر الثقفي. فقال أبو الجويرة مولى جهينة: قُـل لـلذين انتهكوا المحارمْ ورفعوا الشمع بصحرى سالمْ كـيف وجـدتم وقعة الأكارمْ يا يوسف بن الحكم بن القاسمْ الرأس المقدسلما قطع يوسف بن عمر رأسه بعث به وبرؤوس اصحابه إلى هشام بن عبد الملك مع زهرة بن سليم، وفي ضيعة ام الحكم ضربه الفالج فانصرف واتته جائزته من هشام [83]، ودفع هشام لمن اتاه بالرأس عشرة دراهم، ونصبه على باب دمشق [84]، ويروي [85] انه ألقى الرأس امامه فاقبل الديك ينقر رأسه فقال بعض من حضر من الشاميين. اطردوا الديك عن ذُؤابة زيدٍ فـلقد كـان لا يطاه الدجاجُ وقال المبرد في الكامل:[86] قائل هذا البيت بعض الشيعة فانه رأى يوسف بن عمر الثقفي ألقى الرأس إلى الديك ينقره. بعث هشام بالرأس من الشام إلى مدينة الرسول ﷺ فنُصب عند قبر النبيّ ﷺ يوماً وليلة.[87] وكان العامل على المدينة « محمد بن إبراهيم بن هشام المخزومي »، فتكلم معه ناس من أهل المدينة ان يُنزله فأبى إلاّ ذلك، فضجت المدينة بالبكاء من دور بني هاشم، وكان كيوم الحسين عليه السّلام. ونظر إلى الرأس كثير بن المطلب السهمي فكى وقال: نضّر الله وجهك أبا الحسين عليه السّلام وقتل قاتليك. وكان كثير يميل إلى بني هاشم لأن أم أبيه المطلب، أروى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فقال له الوالي: بلغني عنك كذا وكذا، قال: هو كما بلغك، فحبسه وكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره فقال كثير وهو في الحبس:[88] امــرأً كـانت مـساويه حُـبَّ الـنبيّ لَغير ذي ذنْبِ وكـذا بـني حـسنٍ ووالدُهُم من طاب في الأرحام والصُّلبِ ويَــرَون ذنـباً إن أُحـبَّكمُ بـل حُـبُّكم كَـفّارةُ الـذَّنْبِ صلبهلما جيء بجسده وأُلقي امام الوالي وكان هناك عدد كثير من جثث اصحابه، امر بالجسد فصُلب منكوساً [89] بسوق الكناسة [90]، وصلب معه اصحابه [91] وفيهم معاوية بن إسحاق، ونصر بن خزيمة العبسي وزياد الهندي.[92] وامر بحراسة زيد لئلا يُنزَل من الخشبة. وكان فيمن يحرسه زهير بن معاوية بن جديح بن الرحيل [93]، حدّث ابن تيمية في ( منهاج السنة ):[94] لما صُلب زيد كان أهل الكوفة يأتون خشبته ليلاً ويتعبّدون عندها !!. صلبهلم يختلف المؤرخون في بقائه مرفوعاً على الخشبة زمناً طويلاً حتّى اتخذته الفاختة وكراً [95] تنعى لرسول الله صلّى الله عليه وآله العدل والإصلاح والمكارم والإباء، وانما كان الخلاف في تحديد تلك المدة، وكل يرتئي قدراً حسب القرائن المتوفرة عليه، والمتحصل من كلام المؤرخين اراء ستة ( أ ) سنة وأشهر ( ب ) سنتين ( ج ) ثلاث سنين ( د ) اربع سنين ( هـ) خمس سنين ( و ) ست سنين.[96] ولعل السر في اختيار الأول والثاني الاعتماد على ما حدّث به بعض المؤرخين من ان هشاماً هو الذي امر باحراقه، كما يمكن ان يكون الوجه في اختيار الثالث والرابع مقايسة اختيار سنة الشهادة إلى تصحيح الحديث الحاكي أمر الوليد بن يزيد بن عبد الملك [97] باحراقه عند ظهور يحيى بن زيد سنة 125ھ ، كتب إلى يوسف بن عمر: إذا اتاك كتابي فأنزل عجل أهل العراق وانسفه في اليمّ نسفا، فلما وقف على الكتاب امر خراش بن حوشب فأنزله من جذعه واحرقه بالنار وجعله في قواصر وحمله في سفينة وذرّاه في الفرات. وفي حديث أبي حمزة الثمالي بعد ان احرقه دق عظمه بالهواوين وذرّاه بالعريض من اسفل العاقول، وإذا كان العاقول موضعاً قريباً من الفرات امكن ان يتفق الحديثان بان بعضه ذُرّي في البر وبعضه في الفرات. ولعل ما في تذكرة الخواص من ان رماده ذروه في الماء والريح، وقول ابن خلكان في ترجمة الهيثم بن عدي من الوفيات ذُرّي رماده في الرياح على شاطئ الفرات يشير إلى هذا المعنى. ولم نعرف الوجه في تعيين القول الخامس والسادس. زوجاتهتزوج ستاً من النساء، أوّلهن ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأمها ريطة بنت الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمها بنت المطلب بن وداعة السهمي، وكانت ريطة بنت أبي هاشم من سيدات نساء بني هاشم ومجيداتهن، روت الحديث عن أبيها وبعلها [98]، وهي التي عناها أبو ثميلة الأبّار [99] بقوله:[100] فـلعلّ راحـم أم موسى والذي نـجّاه مـن لُـجج خِضَمّ مُزيدِ سـيسرّ ريطة بعد حزن فؤادها يحيى ويحيى في الكتائب مرتدي والثانية والثالثة من أهل الكوفة، تزوجهن أيّام إقامته في الكوفة، ويظهر من ابن خلدون [101] أنه تزوج في الكوفة باكثر من اثنتين، والكوفيتان واحدة ابنة يعقوب بن عبد الله السلمي أحد بني فرقد، والثانية ابنة عبد الله بن أبي العنس الازدي، وهذه ولدت له بنتاً ماتت في أيامه.[102] والثلاثة الأُخر أمهات أولاد. اولادهاتفق أهل النسب وغيرهم على انه لم يخلّف إلا أربعة بنين وليس له اثنى، وهم يحيى أمُّه ريطة بنت أبي هاشم، و عيسى أمه أم ولد نوبية اسمها سكن [103]، والحسين ذو الدمعة أمه أم ولد [104]؛ ومحمد وهو أصغرهم أمه أم ولد من السند.[105] تراثه
المصادر
المراجع
وصلات خارجية
زيد بن علي في المشاريع الشقيقة
|
Portal di Ensiklopedia Dunia