حديث مدرج

المُدرج في سياق علم الحديث هو الكلام الذي أَدرَجه الراوي في سند أو متن الحديث وهو ليس منه، فيتوهم السامع أن هذا الكلام المُدرج من ضمن الحديث، بعبارة أخرى فالمُدرج هو أي كلام مذكور في ضمن الحديث ومتصلا به من غير فصل، وهو في الحقيقة ليس منه،[1] والإدراج في اللغة جعل شيء في طي شيء آخر[1]

أنواع الحديث المُدرج

حديث مُدرج السند

ذكر العلماء صورا للحديث المدرج السند منها:

  • رواية الأسنانيد المختلفة بإسناد واحد: بأن يسمع الراوي حديثا عن جماعة بأسانيد مختلفة، ثم يرويه عنهم بإسناد واحد، ولا يبين اختلاف الأسانيد
    • مثله:

ما رواه أبو داود[2] حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي : «فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني - في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كان لك عشرون دينارا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد، فبحساب ذلك»

وقد أدرج جرير رواية عاصم بن ضمرة الموقوفة على علي رضي الله عنه، مع رواية الحارث الأعور المرفعة إلى النبي ، وعُرف ذلك لأن أبا داود ذكر أن رواة آخرون مثل شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه موقوفا ولم يرفعوه إلى النبي ،[1] وأكد ذلك الدارقطني بقوله أن الصواب وقف الحديث على علي رضي الله عنه.[3]

  • أن يجمع الراوي بين متنين بسندين مختلفين في متن بسند واحد: وذلك أن يكون جزءا من المتن مروي بسند، وجزءا آخر مروي بسند آخر، فيروي الراوي جزئي المتن معا بسند واحد
    • مثله:

ما رواه سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا...»

فقوله «ولا تناقسو» مدرج في هذا الحديث بهذا السند، وإنما هو من حديث آخر:[4]

ما رواه البخاري[5] عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ‌لا ‌تجسَّسُوا ‌ولا ‌تحسَّسُوا، ‌ولا تنافسوا، ولا تناجشوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا»

  • الإداراج بسبب عارض طارئ: كأن يشرع الراوي في رواية إسناد حديث، ثم يعرض له عارض، فيقول كلاما من عند نفسه فيظنه بعض السامعين متن ذلك الإسناد، فيرويه به.
    • مثله:

ما رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار

وأصل هذا الحديث أن ثابت دخل على شريك وهو يُملي حديثا، فشرع شريك يقول: «حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله ...»، وسكت شريك ليعطى المستملي وقتا ليكتب، ثم نظر شريك إلى ثابت وقال: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار». وكان يقصد بذلك ثابتا لزهده وورعه، فظن ثابت أن هذا متن ذلك الإسناد، فكان يحدث به،[6] وقد عده بعض العلماء حديثا موضوعا، وعده ابن الصلاح شبه الوضع، وعده الحافظ ابن حجر من المدرج، وهو أولى لأن معنى الإدراج فيه أظهر.[1]

حديث مُدرج المتن

وهو أي كلام من كلام الرواي يقوله ضمن متن الحديث موصولا به، لأن الراوي يقول كلاما يريد أن يستدل عليه بالحديث، فيأتي به بلا فصل بين كلامه وبين الحديث، فيتوهم السامع أن كل ما قيل هو من الحديث، والإدراج في المتن قد يقع في أول الحديث، أو وسطه، أو آخره (وهو الأكثر)، وغالبا ما يكون الإدراج في المتن لتفسير عبارة في الحديث، أو استنباطا لحكم منه ظنه السامع جزءا من الحديث فأدرجه فيه.

  • مثل المدرج في أوله:

ما رواه الخطيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار»

لكن الحديث لما رُوي من طريق آخر:

ما رواه البخاري[7] عن أبي هريرة رضي الله عنه كان يمر بالناس يتوضئون من المطهرة قال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال: «ويل للأعقاب من النار»

فبينت الرواية الثانية أن «أسبغوا الوضوء» من قول أبي هريرة وأنها أُدرجت في الرواية الأولى.

  • مثل المدرج في وسطه:

ما رواه البخاري[8] عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أول ما بُدِئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه (وهو التعبد) الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك...»

فجملة «وهو التعبد» مُدرجة في الحديث، لأنها من كلام ابن شهاب الزهري تفسيرا لكلمة «يتحنث».[1]

  • مثل المدرج في آخره:

ما رواه أبو داود[9] عن زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله أخذ بيد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فعلمه التشهد في الصلاة، فذكر مثل دعاء حديث الأعمش:«التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها، أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» «إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»

فزهير بن معاوية أدرج قول عبد الله بن مسعود: «إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد» فرواه موصولا بالحديث المرفوع، ويوضح ذلك رواية البخاري[10] للحديث من طريق عبد الله بن مسعود دون هذه الزيادة:

حدثنا أبو نعيم حدثنا سيف بن سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: حدثني عبد الله بن سخبرة قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: «علمني رسول الله وكفِّي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..»

معرفة الحديث المُدرج

لما كان الإدراج في الحديث يُدخل في الحديث ما ليس منه، فكان من المهم معرفته لئلا يختلط كلام النبي بكلام من دونه، ومن وسائل معرفة الحديث المدرج:

  • أن ترد رواية أخرى تَفْصِل الكلام المُدرج عن أصل الحديث
  • أن ينص الرواي نفسه أو أحد من أئمة الحديث على موضع الإدارج
  • أن يُعرف الإدراج من ظاهر سياق الحديث

ويُمكن الاستعانة بالكتب التي تناولت الأحاديث المدرجة مثل «الفصل للوصل المدرج في النقل» للخطيب البغدادي، «تقريب المنهج بترتيب المدرج» للحافظ ابن حجر و«المدرج إلى المدرج» السيوطي.

حكم الحديث المدرج

الحديث المدرج من أنواع الحديث الضعيف، لأن الإدراج يُدْخِل في الحديث ما ليس منه، وهذا الكلام المُدرج حتى وإن كان صحيحا أحيانا بسبب وروده من طرق أخرى يصح بها، لكنه يُحكم عليه بالضعف في الرواية (السياق) الذي جاء مدرجا فيه، وقد يقع الإدراج عن تعمد من الراوي، وهو حرام بإجماع أهل الحديث والفقه، وقيل فيه أن من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة، محرف للكلم عن مواضعه، ملحق بالكذابين، واستُثنى من ذلك الإدراج الذي يكون لتفسير لفظ غريب، فإنه لا يُمنع، ويؤيد ذلك ما أدرجه أئمة الحديث كالزهري وغيره،[11] وقد يقع الإدراج خطأ وسهوا فلا يؤاخذ عليه صاحبه، إلا إذا كثر إدراجه فإنه يكون حينئذ مجروحا في ضبطه.[1]

انظر أيضا

وصلات خارجية

مراجع

  1. ^ ا ب ج د ه و كتاب منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر
  2. ^ سنن أبي داود، حديث رقم 1573
  3. ^ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي
  4. ^ مقدمة ابن الصلاح
  5. ^ صحيح الرخاري، حديث رقم 6066
  6. ^ كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لجمال الدين القاسمي
  7. ^ صحيح البخاري، حديث رقم165
  8. ^ صحيح البخاري، حديث رقم 3
  9. ^ سنن أبي داود، حديث رقم 970
  10. ^ صحيح البخاري،حديث رقم 6265
  11. ^ كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي لجلال السيوطي