يحيى البرمكي
يحيى بن خالد البرمكي (ت 190 هـ) كان كاتبَ هارون الرشيد قبل أن يليَ الخلافة، ثم أصبح وزيرَه بعد أن تولَّاها، وأصبح هو وأولادُه الفضل وجعفر من عِلية القوم في الخلافة الرشيدية. صفاته ونشأتهكان أشهرَ رجال عصره علمًا وأدبًا وفضلًا وجودًا ونبلًا.[2] من رجال الدهر حزمًا ورأيًا وسياسة وعقلًا، حَذِقًا بالتصرُّف.[3] وكان الرشيد يعُده أباه بعد المَهدي لشدَّة تعلًّقه به. كان في الثانية عشرة من عمره حين قامت الدولة العباسية، فتربَّى في ظلِّها، وشَمِلَه الخليفة المنصور بعطفه فولَّاه أذربيجان عام 158هـ، واختاره المَهدي كاتبًا ونائبًا لابنه هارون، فخرج معه في الصائفة لغزو البيزنطيين.[4] الكتابة والوزارةلمَّا تولى الرشيد بلاد المغرب، ساعده يحيى على النهوض بأعبائها، وأخلص له الإخلاص كله. ولما أراد الهادي أن يخلعَ أخاه الرشيد من ولاية العهد، نصحه بالعدول عن ذلك، فعيَّنه الرشيد وزيرًا بعد تولِّيه خلافة الدولة، واستعان بأولاده الفضل وجعفر وموسى ومحمد.[2] نهض يحيى بأعباء الدولة أتم نهوض وسدَّ الثغور، وتدارك الخلل، وجبى الأموال، وعمَّر الأطراف، وأظهر رونق الخلافة، وتصدَّى لمهمَّات المملكة. وكان كاتبًا بليغًا[5] من أقوالهقال يحيى بن خالد البَرْمَكِيُّ لولده: «اكتُبوا أحسنَ ما تسمَعُون، واحفظوا أحسنَ ما تكتُبون، وحدِّثوا بأحسنِ ما تحفَظُون، وخذوا من كلِّ شيءٍ طرفًا، فإنه مَن جهِلَ شيئًا عاداه».[6] قال الأصمعي: «سمعت يحيى يقول: الدنيا دول، والمال عارِيَّة، ولنا بمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة[3]»
رسالة كتبها إلى الرشيد يستجدي فيها عطفه ورحمته به وبأبنائه حين كانوا في السجن:[7] قل للخليفة ذي الصنيعـ ـة والعطايا الفاشية وابن الخلائف من قريـ ـش والملوك العالية إن البرامكة الذيـ ـن رموا لديك بداهية صفر الوجوه عليهم خلع المذلّة بادية عمتهم لك سخطة لم تبق منهم باقية فكأنهم مما بهم أعجاز نخل خاوية بعد الإمارة والوزا رة والأمور السامية ومنازل كانت لهم فوق المنازل عالية أضحوا وجلّ مناهم منك الرضا والعافية يا من يريد لي الردى يكفيك مني ما بيه يكفيك ما أبصرت من ذلي و ذل مكانيه وبكاء فاطمة الكئيـ ـبة والمدامع جارية ومقالها بتَوجُّع يا سوأتي وشقائيه من لي وقد غضب الزمان على جميع رجاليه يا لهف نفسي لهفها ما للزمان وما ليه ياعطفة الملك الرضا عودي علينا ثانيه وقد حاول يحيى استعطاف الرشيد مجددًا، فأرسل رسالة من طريق ابنه الأمين، الذي أعطاها أمَّه زبيدة، وقد جاء فيها: يا مَلاذي وعِصمَتي وعِمادي ومُجيري من الخُطوبِ الشِّدادِ بكَ قامَ الرَّجاءُ في كلِّ قلبٍ زادَ فيهِ البَلاءُ كلَّ مَزادِ إنما أنتَ نعمةٌ أعقَبَتْها أنعُمٌ نفعُها لكلِّ العِبادِ وَعدُ مَولاكَ أتمَمتَه فأبهَى الدُّرْ رِ ما زيَّنَ حُسنَه بانعِقادِ ما أظلَّت سَحائبُ اليأسِ إلَّا خِلتُ في كشفِها عليكَ اعتِمادي إن تراخَتْ يَداكَ عنِّي فُواقًا أكلَتْني الأيامُ أكلَ الجَرادِ وقد أعطتها الرشيد وهو في موضع لذَّته، فقرأها الرشيد ووقّع في أسفلها: «عِظَمُ ذنبك أماتَ خواطرَ العفو عنك»
ورمى بالرسالة إلى زبيدة، فلمَّا رأت توقيعه علمت أنه لا يرجع عنه.[8] مما قيل فيهقال الأصمعي عن شرك البرامكة:[9] وفاتهتوفي في سجن الرَّقَّة سنة 190هـ، وله من العمر 70 سنة.[3] المصادر
|