يقول ابنُ مَنِّ الله في حديقة البلاغة في رده على ابن غرسية: «وكانت فيهم (أي العرب) الملّة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو من بني عدي».[9]
ومما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا ترك عبادة الأصنام: «تعلمون، والله ما قومكم على دين، ولقد أخطأوا الحجة، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به؟ لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرُّ، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين».[10]
ومن هذا النص يتضح أن ورقة كان على دين إبراهيم، ويدعو أصحابه أن يُثنوا أقوامهم عن عبادة الأصنام.
حياته وصحبته لرسول الإسلام
عُرف عن ورقة وبعض أصحابه أنهم يبحثون عن الحق دائماً، ويشغلهم التفكر في أمور الدين، لذا فقد خرج ورقة ذات يوم هو وزيد بن عمرو بن نفيل، ليسألا عن الدين، ورد في مسند الطياليسي:
«خرج ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو بن نفيل: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟
قال من بيت إبراهيم.
قال : وما تلتمس ؟
قال : ألتمس الدين.
قال : ارجع ؛ فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك[11]»
شاهد على نبوة محمد
عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال ورقة بن نوفل لمحمد: «أبشر ثم أبشر، ثم أبشر، فإنى أشهد أنك الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد، فأنا أشهد أنك أنت أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول الله، وليوشك أن تؤمر بالقتال وأنا حى لأقاتلن معك». فمات ورقة. فقال النبي محمد: «رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر».[12]
وورد عن الرسول محمد أنه لما سُئل عن ورقة قال: «أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس».[13] وقال السهيلى في الروض الأنف: ”ورقة قد ثبت إيمانه بمحمد”،[14] ويقول ابن القيم الجوزية في زاد المعاد: ”وأسلم القس ورقة بن نوفل، وتمنى أن يكون جذعاً إذ يخرج رسول الإسلام قومه«وفي جامع الترمذي أن رسول الإسلام رآه في هيئة حسنة. وفي حديث آخر أنه رآه في ثياب بيض».[15]
مرحلة نبوة محمد
حسب جميع المصادر، فإن ورقة كان قد أُصيب بالعمى في هذه الفترة.
كتاب السيرة النبوية في جزءه الثاني يذكر قصة ورقة مع خديجة:
«انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر (2/ 74) الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له : فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال : يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله ؛ فقال له ورقة : والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله إلى منزله. وفي صحيح مسلم، خبر ذهاب السيدة خديجة والنبى محمد له فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. يا ليتني فيها جذعا. يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله "أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟" قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.»
اتهامات حول علاقته بالقرآن
يدَّعي بعض المستشرقين المتأخرين دون سند أن محمد تلقى القرآن وتعاليم الرسالة الإسلامية عن ورقة بن نوفل،[16][17][18] خصوصًا أن ورقة كان متمكناً من العبرانية ودرس الأديان -كما تقول الروايات- وكان على الديانة المسيحية. لكن المسلمين يرفضون هذا الادعاء بقولهم أن ورقة مات في أول بعثة النبي محمد إذ أن الوحي بقي يتنزل عليه 23 سنة وأن محمد كان أميا لا يحسن القراءة والنسخ.
قام يوحنا الدمشقي، المعروف أيضًا باسم «دفّاق الذهب»، بالعكوف على القرآن تفلية ونبشًا،[19] وادعى أن الإسلام يُعتبر طائفة مسيحية مهرطقة.[20][21] وقد اعتبر يوحنا الدمشقي أن الراهب النسطوري «بحيرى» ساعد محمدًا على كتابة القرآن وكذلك حال ورقة بن نوفل، نافيًا مصدره الإلهي وقدسيته، لا سيما وأن الآريوسيةوالنسطورية كانتا تعتبران من الطوائف المهرطقة، واعتبر أن المشابهة بينه وبين نصوص الكتاب المقدس إنما هي مشابهة ضحلة بما قلَّتْ قيمته من أسفار العهدين القديموالجديد.[22]
في كتابه De Haeresbius (بالعربية: الهراطقة) اعتبر الإسلام نوعًا من المسيحية المهرطقة، وفي الكتاب المذكور، سرد الدمشقي قائمة مائة هرطقة ظهرت بين القرن الأولوالقرن السابع، ونال الإسلام الترتيب مئة في تصنيف الدمشقي. دعم الدمشقي أطروحة حول الآثار المسيحية والكتابية في القرآن، عملية الأخذ والرد بين مؤيدي نظرة الدمشقي ومعارضيه لا تزال حتى اليوم من خلال مؤلفات النقد والنقد المعاكس، وما يعيقها فعليًا فقدان عدد كبير من الوثائق القديمة المتعلقة ببداية الإسلام خصوصًا إثر حريق المكتبة المكية بداية القرن العشرين.
ويرد المسلمين على هذا الادعاء بالقول أن المؤرخين النصارى أصلا أخذو اسمي بحيرى وورقة من كتب السيرة النبوية التي لا تروي إلا موقفا لكل منهما مع النبي محمد قبل البعثة بسنوات أو في أولها، كما يحتجون أن الإسلام يناقض النصرانية جذريا لما جاء في القرآن «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»٧٣, «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم»٧٢ سورة المائدة , ويضيفون أن الإسلام دين قائم بحد ذاته وكتابه واحد محفوظ بلغته الأصلية.
^يقول ابنُ مَنِّ الله في حديقة البلاغة في رده على ابن غرسية: ” وكانت فيهم (أي العرب) الملّة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو من بنى عدي ” (نوادر المخطوطات 1/ 327).
^”مما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا عبادة الأصنام : تعلمون، والله ماقومكم على دين، ولقد أخطأوا الحجة، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به ؟ لا يسمع، ولا يبصر، ولا ينفع، ولا يضرُّ، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين ” (البداية والنهاية 2/ 341 وسيرة ابن هشام 1/ 242 والمنمق 175-176)
^روى البخارى في صحيحه بخصوص ورقة بن نوفل : ” كان امرأً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمى ” (صحيح البخارى : 1/3)
^أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء بلفظ : ” وكان رجلاً تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية ” (صحيح البخارى 4/ 184)
^قال ابن اسحاق في السيرة : فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، حتى علم علما من أهل الكتاب ” (سيرة ابن هشام 1 / 243).
^في تاريخ الطبرى : ”.. وكان ورقة قد تنصر، وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ” (تاريخ الطبري 2/ 302).
^ نسب قريش، مصعب بن عبد الله الزبيري، دار المعارف - القاهرة، ص 207