موسى بن علي الحرفوش
الأمير موسى بن علي الحرفوش، من أمراء آل حرفوش الذين حكموا البقاع اللبناني منذ أوائل فترة الحكم العثماني. كان الأمير موسى بطلا شجاعاً جواداً مقداما لعمل الخير فاضلا شاعراً أديباً بليغاً، كما قال عنه المحبي في خلاصة الأثر.[1] نبذة عنهالأمير موسى بن علي بن موسى الحرفوش الخزاعي (1607:1590). وينتمي لعائلة آل حرفوش التي يعتبر تاريخها وأخبارها حافلة بالأحداث والنزاعات والثورات والحروب والخطوب التي لازمت مسيرتها طيلة القرون العديدة التي بقيت تلعب الدور المحوري والأساسي في مناطق نفوذها الممتدة من حماه حتى صفد، وتمارس تأثيراً مباشراً في ولايات حلب (حالياً محافظة حلب) ودمشق وطرابلس، عرف تاريخ هذه الأسرة محطات أساسية ومهمة في مسيرتها الطويلة، وبرز من رجالاتها حكام وقادة لا بد من التوقف عند مسيرتهم المثقلة بالمبادرات والمواقف والدلالات في مسيرة الشيعة في لبنان، بدءاً من الأمير علي بن موسى إلى صاحب الترجمة ولده موسى وخلفه يونس مروراً بشديد الحرفوشي وجهجاه بن مصطفى الحرفوشي حتى سلمان بن ملحم الحرفوشي.[2] خلف الأمير موسى والده في جميع مناصبه بما فيها أمانة بعلبك وإمارة لواء حمص (حالياً محافظة حمص)، تتجدد كل أربع سنوات وليس التزاماً سنويا كما هو معمول به في سائر المقاطعات والألوية.[3] تحالفاته مع فخر الدينتحالفه مع المعني ضد بني فريخكان بنو الفريخ يحكمون البقاع العزيزي وآل حرفوش يحكمون البقاع البعلبكي، وبالنتيجة كانا يتقاسمان حكم البقاع. فتحالف الأمير موسى مع الأمير فخر الدين المعني الثاني للقضاء على قرقماز بن الفريخ. وتم له ذلك إثر انتصاره في زينون سنة 1594 م حيث كانت نهاية بني فريخ، وبالتالي حكم البقاع بعد ذلك بقسميه العزيزي والبعلبكي. تحالفه مع المعني ضد آل سيفااستمر هذا التحالف بين الأميرين بوجه يوسف باشا سيفا والي طرابلس وعدو والي دمشق محمد باشا المنتقل من ولاية مصر سنة 1598م.[5]
قتالهِ نصوح باشا والي حلبكان لجند الشام فرقة دائمة في حلب بقيادة سردار، ومهمتها جمع الأموال والأتاوة ومراقبة تحركات الولاة. وعائداتها من الأموال تقسم بين فخر الدين وموسى بن علي الحرفوش وكورد حمزة والخداوردي رئيس جند الشام. رفض والي حلب نصوح باشا الاعتراف بحقوق أمراء جند الشام مما أدى إلى فتنة استمرت طيلة عامي 1603م و 1604م شارك الأمير موسى وانتصر لجند الشام، وقاتل نصوح باشا ولعب دوراً بارزاً في شؤون ولايات حلب ودمشق وطرابلس ومناطقها. وقعة إحتلالهِ غزيروقد جاء في كتاب بعلبك لإبن ألوف: " إن الأمير موسى، نبذ طاعة الدولة. فأرسلت عليه الجيوش فتوجه خفية إلى الآستانة العليا. وكانت بلدة غزير عاصية وقد استفحل أمرها فإستأمن للدولة العلية هناك وتعهد بفتح غزير وخراجها، وأنه ينال جزاء ذلك رضى الدولة عليه وتولّي أحكام بعلبك، فأجيب طلبه. فلما عاد إلى دياره جمع خمسة عشر الف مقاتل ودهم غزير واستولى عليها حسبما وعد.[9] قد يكون الشعر الذائع الذي أرسله أمير حماه أبو الفوارس إلى صديقه الحرفوشي يتعلق بمعركته في إعزاز مع السيفي (ابن سيفا) لقربها من مدينته وقد يكون اهتمامه قليلا بما يجري في غزير لبعدها عنه:[10] غزير طور ونار الحرب موقدة وأنت موسى و هذا اليوم ميقات الق العصا لتلقف كل ما صنعوا ولا تخف فحبال القوم حيات ثمن سعيه لإحلال الصلحكان يتمتع الأمير موسى بن علي بالحكمة التي وظفها في سعيه إلى إحلال الصلح والوئام بين جند دمشق والمتحالفين لمهاجمته. حيث بدأت الرواية بعد أن تولي ابن سيفا قيادة جند الشام ليحارب المتمردين على السلطان، وعلى رأسهم جانبولاد الذي وصل مع جيشه قاصداً دمشق، إلى تخوم إمارة موسى. فقصده موسى مداراة ومحاماة عن أرضه وطلب إليه حبياً أن يبقى بعيداً عن إمارته. واجتمع المعني وجانبولاد على نبع العاصي قرب الهرمل فتداولوا في الأمور[11]، فطلب موسى إتفاقية سلام تعقد بين المتخاصمين، وتعهد بالذهاب إلى الشام ومحاولة تحقيق شروط جانبولاد سلمياً. فتمت الموافقة على اقتراحه.فقال الأمير موسى: هل تُعطيَني عهداً على الصلح وأنا أذهب إلى الشام، وآخذ لك العهد الوثيق مِن الأنام [12]،[13] فرد عليه جانبولاد: «إذهب سليماً وكن يا موسى كليماً». فحضر إلى الشام «فرُمي من عساكرها بغاية الملام وآلموه بغليظ كلام ظناً من جهلائهم أنه عليهم وما كان ناوياً إلا سوق الخير».[14] فقابل أمير الأمراء بدمشق وعرض عليه مطالب جانبولاد وحلفائه وهي:
وبدأ لموسى أن أهل السلطة في دمشق قد قبلوا بهذه الشروط والمطالب بعد أن عقد أمير الأمراء ديواناً لبحثها، «وإتفقوا أن حوران لعمرو ولكن في السنة المقبلة، وإعطاء البقاع لمنصور غير معقول لكونه عند الرعايا غير مقبول، وأما كيوان فيرجع وعليه الأمان».[15]
السبب في عودته الثانية لدمشق لإستكمال التفاوضإن الذي نراه أقرب إلى واقع الأمور، أن الأمير موسى عاد مرة أخرى إلى دمشق لإستكمال مساعيه التفاوضية بطلب من جانبولاد وفخر الدين اللذين عمدا إلى إبعاده لإستغلال فرصة غيابه ومهاجمة بعلبك ونهبها ثم تسليم الحكم فيها إلى ابن عمه يونس، خصوصاً بعد الأهمية التي وصل إليها موسى، حتى استطاع أن تكون كلمته مسموعة حتى في دار السلطنة منذ زيارته الأولى لها، وأن يجند في حملاته خمسة عشر ألف مقاتل[18]، وهذه أمور لن يتقبلها فخر الدين بطيبة خاطر بل سيسعى، حسب عاداته، إلى التخلص منه كما فعل مع والده وسيفعل بعد ذلك مع يونس نفسه.[19]
صفاته ومآثره
كأن رأس جنود الضد ليس له علم بأن بلادي موطن الأسدِ ومن مهابة سيفي في القلوب غدت أم العدو لغير الموت لم تلدِ فليرقبوا صدمة مني معودة أن لا تقر لها الأعداء في البلدِ الست نجل علي وهو من عرفوا منه المخافة في الأحشاء والكبدِ وإنني أنا موسى منه قد ورثت كفي سيوفاً تذيب الأمن في الخلدِ قصيدة في مدحهقصيدة كتبها الشاعر أبو المعالي درويش محمد بن أحمد الطالوي الأرتقي الدمشقي في مدحه؛ حيث أرخ ذلك بتاريخ 1006 هجرية[23] أُحَمِّلُ نشرَ الرِّيح أزكى تحيةِ كنَشْر خُزَامى الرَّوض فَاح بسَحْرَةِ بها نفحةُ المَسْكِ الزكيِّ سَرَتْ بها شَمّالٌ إلى أرض العراق وَهَبَّتِ فوافتْ حِمَى الزوراء ليلا وهَاجَها إلى الكَرْخِ برقٌ لاح جُنْحَ دوجُنَّةِ وهَبَّتْ لها من أرض بَابِل نفحةٌ أسَرَّتْ لها عن أهله ما أسَرَّتِ فبينا تطيفُ الحائريةَ روضةٌ سقاها سَحَابُ الوحي أغْزَرِ دِيَمةِ لها وقفةٌ في مائلات عِرَصُها تعادل عندي بالمعرَّف وقفتِي تراءى لها البَرْقُ الحجازيُّ مَوْهِناً فهاج لها تَذْكارَ عَهْدِ سُوَيقَةِ فأثْنتْ على الزَّوراء خيراً وودَّعَتْ على الكَرْخِ دارا للنُّهَى دَارَ هِجْرةِ وفارقتِ الزَّهْراءَ كُرْهاً وفي الحَشَا لَزوْرَتها يَوماً لَوَاعج حَسْرَةِ ومالتْ إلى نجد وطِيبِ شَمِيمِه وباتَتْ بوادِي الشّحْر في ظلِّ رَوضَةِ ومَرَّتْ بَجرعَاءِ الحمى فثنتْ به ذوائب بانٍ كالقُدُودِ الرَّشيقةِ حِمَى الشَّام جَادَ الغَيْثُ ما حَلَّ تُرْبَها معانِ الهوى فيها مَغَانِي أحِبَّتِي وباتَتْ بأعْلَى النَّيْرَبَيْن مع الصَّبَا تطارحُها ذكْرَى عُهُودٍ بربوةِ على نهرٍ حَصْبَاؤُه الشُّهْبُ قد جرى خلالَ سماءٍ وضاّؤها كالَمجَرةِ يجاوب تَسجْاعُ الحَمامِ خَرِيرَه فتُصغِي له الوَرقاءُ من فَوق أيْكَةِ إلى حَضْرةٍ يَعْلُو الكواكَبَ قَدْرُها وتسمُو بها العَلْياء أشرفَ رُتْبةِ اميرُ المعالي وابن نَجْدتها التي زكَا فَرْعُهُ من أصل خَيْر أرُومَةِ سُلاَلةُ حَرْفُوشٍ نصيرُ الأئمةِ وحامِي حِمَاها بالظُّبَا والأسِنَّةِ سَقَى قبرَه جودٌ كجود يمينهِ فما قَدْرُ ما يَسقيه هطلُ غَمامةِ فيا آلَ حَرفوشٍ أحاديثُ جُوْدِكم وإن تكُ صَحّتْ في الليالي القديمةِ وأثبتتِ الأيَّامُ صدقَ ولائكم إلى الآلِ وهو الفَخْرُ في كلِّ مَلّةِ فأفضلكم مُوسَى وفَضْلُ أبيه لا أرى فيه شكاَّ غيرُ واهِي العقيدةِ فيا من يَرُومُ الحقَّ والحَقُّ ظاهرٌ ولكنما الأهواءُ عمّتْ فأعْمَتِ عليك بإخلاص الولاء لحيْدرٍ إمامِ الورى والعِلْمُ بابُ المدينةِ فحبُّ عَلِيٍّ في الحياةِ وسيلتي وحُبُّ عَلِيِّ في الممات ذخيرتي أدينُ به مادمُتُ حَيًّا وإن أمِل وإن مِلْتُ يوماً عنه فارقتُ مِلَّتي له في صميم القَلْب مِنِّي محبّةٌ اُرجِّي بها في الحَشْر أعظمَ زُلْفَةِ وّلاءٌ لهُ بين الجَوانح والحَشَا نجاءٌ من النيران ففهم إشارتي بقيت أميراً في ولائك آمراً وغَيْرُكَ مأمورٌ بحكم الإضافةِ مَدَى الدهر ما طاف المشاهدَ طائفٌ وعَفَّرِ في أعتابها وَجْهُ جَبْهةِ وقَدَّستِ الأملاك فيها حَضَائراً مَهَابطَ وحي اللهِ خَير أئِمةِ هُمُ للورى سُفْنُ النجاة وحُبُّهُمْ هو العُرْوَةُ الوُثقى لنا في القيامةِ عليهم سَلَامُ اللهِ في كلِّ لحظةٍ سَلَامُ مُحِبٍّ لا يَدينُ بَسَلْوةِ المراجع
|
Portal di Ensiklopedia Dunia