علم الفيروسات هو الدراسة العلمية للفيروساتوالعدوى التي تسببها. وقد بدأ تاريخ علم الفيروسات في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. على الرغم من أن لويس باستوروإدوارد جينر اكتشفا اللقاحات الأولى للحماية من العدوى الفيروسية، إلا أنهم لم يكونوا على علم بوجود الفيروسات. وجاء أول دليل على وجود الفيروسات من خلال تجارب اُستخدم فيها مرشحات لها مسام صغيرة بما فيه الكفاية لاحتجاز البكتيريا. في عام 1892، استخدم ديمتري إيفانوفسكي واحدة من هذه المرشحات لإثبات أن عصارة نباتات التبغ المصابة تكون معدية لنباتات التبغ السليمة على الرغم من تصفيتها. وسمى مارتينوس بيجيرينك المادة المُصفّاة المعدية باسم «فيروس»، ويعتبر هذا الاكتشاف بداية لعلم الفيروسات. وقد حفّز الاكتشاف اللاحق والتوصيف الجزئي للعاثيات من قِبل فيليكس دهيريل هذا المجال، وبحلول أوائل القرن العشرين تم اكتشاف العديد من الفيروسات.
تاريخ الفيروسات
على الرغم من نجاحاته الأخرى، لم يتمكن لويس باستور (1822-1895) من العثور على العامل المسبب لداء الكلب، وخمن أن العامل الممرض صغير جدا لا يمكن الكشف عنه باستخدام المجهر.[1] في عام 1884، اخترع عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي شارل شمبرلند (1851-1931) مصفاة - تعرف اليوم باسم مصفاة شمبرلند - لها مسام أصغر من البكتيريا. وبالتالي، يمكن تمرير محلول يحتوي على البكتيريا من خلال المصفاة، وتصفيتها، وإزالتها تماما منه.[2]
في عام 1892، استخدم عالم الأحياء الروسي ديمتري إيفانوفسكي (1864-1920) مصفاة شمبرلند لدراسة ما يعرف الآن باسم فيروس تبرقش التبغ. وأظهرت تجاربه أن أوراق نباتات التبغ المصابة بعد سحقها تظل معدية حتى بعد تصفيتها. واقترح إيفانوفسكي أن تكون العدوى ناجمة عن السموم التي تنتجها البكتيريا، لكنه لم يواصل البحث في الفكرة.[3]
في عام 1898، قام عالم الأحياء الدقيقة الهولندي مارتينوس بيجيرينك (1851-1931) بتكرار التجارب، وأصبح مقتنعا بأن الرشح يحتوي على شكل جديد من عامل معدي.[4] وأشار إلى أن هذا العامل يتضاعف فقط في الخلايا التي كانت تنقسم، ووصفه بـ (contagium vivum fluidum) (العامل الجرثومي الذائب)، ثم أعاد إدخال مصطلح فيروس بعد ذلك.[3] وأكد بيجيرينك أن الفيروسات كانت سائلة في طبيعتها، وهي نظرية ساءت مصداقيتها في وقت لاحق من قِبل عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي وطبيب الفيروسات وندل ميريديث ستانلي (1904-1971)، الذي أثبت أنهم في الواقع جسيمات.[3] وفي العام نفسه، مرر فريدريك لوفلر (1852-1915)، وبول فروش (1860-1928) أول فيروس حيواني من خلال مصفاة مماثلة، واكتشفا سبب الحمى القلاعية.[5]
في عام 1881، اقترح كارلوس فينلي (1833-1915)، وهو طبيب كوبي، لأول مرة أن البعوض يحمل سبب الحمى الصفراء،[6] وقد أثبت هذه النظرية والتر ريد (1851-1902) في عام 1900. خلال عامي 1901 و1902، اقترح ويليام كروفورد غورغاس (1854-1920) فكرة تدمير مواطن تكاثر البعوض في كوبا، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدل انتشار المرض.[7] ثم قدم غورغاس في وقت لاحق فكرة القضاء على البعوض من بنما، مما سمح لقناة بنما أن تُفتتح في عام 1914.[8] وتم عزل الفيروس أخيرا بواسطة ماكس تيلر (1899-1972) في عام 1932، الذي استمر في تطوير لقاح ناجح.[9]
وبحلول عام 1928 كان قد عُرِفَ ما يكفي عن الفيروسات للإعلان عن الفيروسات القابلة للفلترة من خلال مجموعة من المقالات التي تغطي جميع الفيروسات المعروفة، قام بتحريرها توماس ميلتون ريفرز (1888-1962). وواصل ريفرز، وهو أحد الناجين من حمى التيفوئيد التي أصابته في سن الثانية عشرة، العمل ليكون لديه سيرة متميزة في علم الفيروسات. في عام 1926، دُعي ريفرز للتحدث في اجتماع نظمته جمعية علم الجراثيم الأمريكية، حيث قال لأول مرة: «يبدو أن الفيروسات تلزم الطفيليات، بمعنى أن تكاثرها يعتمد على الخلايا الحية».[10]
من عام 1950 إلى 1960، قام تشستر ساوثام، وهو عالم بارز في الفيروسات، بحقن خلايا هايلا الخبيثة في مرضى سرطان، وأفراد أصحاء، وسجناء من سجن أوهايو لمراقبة ما إذا كان يمكن أن ينتقل السرطان.[11] كما كان يختبر ما إذا كان يمكن للمرء أن يصبح في مأمن من السرطان عن طريق تطوير استجابة مناعية مكتسبة على أمل إنشاء لقاح للسرطان.[11]
لم تعتبر فكرة أن الفيروسات عبارة عن جسيمات غير طبيعية، وكانت مناسبة مع النظرية الجرثومية. ومن المفترض أن دكتور ج. بويست (من إدنبرة) كان أول شخص يرى جزيئات الفيروس في عام 1886، عندما قال أنه رأى «مُكَيَّرات» في لقاح ليمفاوي، على الرغم من أنه ربما لاحظ كتل من فيروس الوقس.[12] في السنوات التالية، مع تطور الميكروسكوبات الضوئية تم رؤية «الأجسام المُشْتَمَلَةُ» في العديد من الخلايا المصابة بالفيروس، ولكن ظلت هذه التجمعات من جزيئات الفيروس صغيرة جدا، لا تمكّن من الكشف عن أي تفاصيل، حتى تم اختراع المجهر الإلكتروني في عام 1931 من قِبل المهندسَين الألمانيَين إرنست روسكا (1906-1988)، وماكس كنول (1887-1969).[13] وتبين باستخدام المجهر الإلكتروني أن جسيمات الفيروسات، وخاصة العاثيات، لديها تراكيب معقدة. وتوافقت أحجام الفيروسات التي تم تحديدها باستخدام هذا المجهر الجديد مع تلك التي قُدِرَت من خلال تجارب الترشيح. كان من المتوقع أن تكون أحجام الفيروسات صغيرة، ولكن المدى الذي تراوحت فيه الأحجام كان مفاجأة. كان بعضها أصغر قليلا من أصغر بكتيريا معروفة، وكانت الفيروسات الأصغر حجما مماثلة لحجم الجزيئات العضوية المعقدة.[14]
في يوم باستور، وبعد سنوات عديدة من وفاته، اُستخدمت كلمة «فيروس» لوصف سبب أي مرض معدي. وسرعان ما اكتشف العديد من علماء البكتريا سبب العديد من العدوى. ومع ذلك، لا تزال بعض العدوى، وكثير منها خطير، لم يتم العثور لها على أي سبب بكتيري. كانت هذه الكائنات غير مرئية، ويمكن زرعها فقط في الحيوانات الحية. وكان اكتشاف الفيروسات هو المفتاح الذي فتح الباب الذي كان يحجب أسرار سبب هذه العدوى الغامضة. وعلى الرغم من أن فرضيات كوخ كشفت سبب العديد من هذه العدوى، إلا أن ذلك لم يمنع رواد علم الفيروسات من البحث عن الفيروسات في حالات العدوى التي لم يتم العثور على سبب آخر لها.[19]
العاثيات هي الفيروسات التي تغزو وتتكاثر في البكتيريا. تم اكتشافها في أوائل القرن العشرين، من قِبل طبيب علم الجراثيم الإنجليزي فريدريك توارت (1877-1950).[20] ولكن قبل هذا الوقت، في عام 1896، قال عالم الجراثيم إرنست هانبوري هانكين (1865-1939) أن شيئا في مياه نهر الغانج يمكن أن يقتل ضمة الكوليرا - سبب مرض الكوليرا. وأيا ما كان الشيء الموجود في الماء، فوجد أنه يمكن تمريره من خلال المرشحات التي تزيل البكتيريا، ولكنه يتدمر بالغليان.[21] اكتشف تورت تأثيرالعاثية على بكتيريا المكورات العنقودية، حيث لاحظ أنه عند زراعته على أغار المغذيات، تصبح بعض المستعمرات البكتيريا مائية أو "زجاجية". وقد جمع بعض هذه المستعمرات المائية، ومررها من خلال مصفاة شمبرلند لإزالة البكتيريا، واكتشف أنه عندما تم إضافة الرشح إلى مزرعة جديدة من البكتيريا، أصبحت البكتيريا بدورها مائية.[20] واقترح أن يكون ذلك الكائن أميبا، أو فيروس متعدد المجهرات، أو بروتوبلازم حي، أو إنزيم له قدرة على النمو".[21]
كان فيليكس دهيريل (1873-1949) عالم أحياء دقيقة فرنسي كندي. واكتشف في عام 1917 أنه عند إضافة «مضاد غير مرئي» إلى البكتيريا على أغار، سوف ينتج مناطق من البكتيريا الميتة.[20] وقد عُرِف المضاد حاليا بالعاثية، وتستطيع العاثية المرور من خلال مصفاة شمبرلند. خفف فيليكس معلق من هذه الفيروسات، واكتشف أن أعلى تخفيف (أدنى تركيزات للفيروس)، يشكل مناطق منفصلة من الكائنات الميتة، بدلا من قتل جميع البكتيريا. وعن طريق عد هذه المناطق، والضرب في عامل التخفيف يمكن حساب عدد الفيروسات في المعلق الأصلي.[22] أدرك أنه قد اكتشف شكلا جديدا من الفيروسات، وصاغ فيما بعد مصطلح «عاثية، بالإنجليزية:bacteriophage».[23][24] بين عامي 1918 و1921 اكتشف هيريل أنواعا مختلفة من العواثي الذي يمكن أن تغزو فصائل عديدة أخرى من البكتيريا بما في ذلك ضمة الكوليرا.[25] كانت العواثي تبشر بأنها علاج محتمل لأمراض مثل التيفوئيدوالكوليرا، ولكن تم نسيان ذلك مع اكتشاف البنسلين.[23] منذ أوائل السبعينيات، بدأت البكتيريا في مقاومة المضادات الحيوية مثل البنسلين، مما أدى إلى إعادة الاهتمام باستخدام العاثيات لعلاج العدوى الخطيرة.[26]
البحوث المبكرة 1920-1940
سافر دهريل على نطاق واسع لتعزيز استخدام العاثيات في علاج العدوى البكتيرية. وفي عام 1928، أصبح أستاذاً لعلم الأحياء في جامعة ييل، وأسس عدة معاهد للبحوث.[27] وكان مقتنعا بأن العاثيات كانت فيروسات على الرغم من معارضة علماء الجراثيم مثل جول بورديه الفائز بجائزة نوبل (1870-1961). حيث قال بورديت أن العاثيات ليست الفيروسات، ولكنها إنزيمات تفرزها البكتيريا المستذيبة. وأن «العالم الغير مرئي الذي افترضه دهريل غير موجود».[28] ولكن في الثلاثينيات من القرن العشرين، قدم كريستوفر أندروز (1896-1988) وغيره دليل على أن العاثيات كانت فيروسات. وبينوا أن هذه الفيروسات تختلف في الحجم، وفي خصائصها الكيميائية والمصلية. في عام 1940، تم نشر أول صورة مجهرية إلكترونية للعاثية، مما أخرس المتشككين الذين جادلوا بأن العاثية هي إنزيمات بسيطة نسبيا وليست الفيروسات.[29] وسرعان ما تم اكتشاف العديد من الأنواع الأخرى من العاثيات، وتبين أنها تغزو البكتيريا أينما وُجِدَت. ولكن هذا البحث المبكر توقف بسبب الحرب العالمية الثانية. حتى دهيريل تم إسكاته. وعلى الرغم من جنسيته الكندية، فقد اعتقلته حكومة فيشي حتى نهاية الحرب.[30]
العصر الحديث
زادت المعرفة بالعاثيات في الأربعينات بعد تشكيل مجموعة العاثيات من قِبل علماء في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وكان من بين الأعضاء ماكس دلبروك (1906-1981)، الذي أسس دورة عن العاثيات في مختبر كولد سبرينغ هاربور.[26] ومن بين الأعضاء الرئيسيين الآخرين في مجموعة العاثيات سلفادور لوريا (1912-1991)، وألفرد هيرشي (1908-1997). خلال الخمسينيات، قام هيرشي وتشيس باكتشافات هامة حول تكرار الحمض النووي DNA أثناء دراستهم على عاثية تسمى T2. جنبا إلى جنب مع دلبروك، حصلوا معا على جائزة نوبل عام 1969 في علم وظائف الأعضاء أو الطب «لاكتشافاتهم فيما يتعلق بآلية النسخ، والتركيب الجيني للفيروسات».[31] ومنذ ذلك الحين، وفرت دراسة العاثيات رؤى حول تشغيل وإيقاف الجينات، وحول آلية مفيدة لإدخال الجينات الغريبة في البكتيريا، وأيضا العديد من الآليات الأساسية الأخرى في البيولوجيا الجزيئية.[32]
الفيروسات النباتية
في عام 1882، وصف أدولف ماير (1843-1942) حالة من نباتات التبغ، أطلق عليها اسم «مرض التبرقش» (mozaïkziekte). كانت النباتات المصابة لديها أوراق مبرقشة متناثرة.[33] فاستبعد إمكانية الإصابة بالعدوى الفطرية، ولم يتمكن من الكشف عن أي بكتيريا، وتكهن بأن السبب يمكن أن يكون أحد الأمراض المعدية المذيبة التي تشبه الانزيم.[34] ولم يتابع فكرته أكثر من ذلك، وكانت تجارب الترشيح التي قام بها إيفانوفسكي وبيجيرينك اقترحت أن السبب كان عاملا معديا لم يتم التعرف عليه مسبقاً. بعد أن تم التعرف على تبرقش التبغ على أنه مرض فيروسي، تم اكتشاف عدوى فيروسية في العديد من النباتات الأخرى.[34]
فيروس تبرقش التبغ له دور مهم في تاريخ الفيروسات. فقد كان أول فيروس يتم اكتشافه، وأول فيروس تم بلورته والتعرف على تركيبه بالتفصيل. وتم الحصول على أول صور لحيود الأشعة السينية للفيروس المتبلور من قِبل بيرنال وفانكوشن في عام 1941. وعلى أساس هذه الصور، اكتشف روزاليند فرانكلين الهيكل الكامل للفيروس في عام 1955.[35] وفي العام نفسه، أظهر هاينز فرانكل كونراتوروبلي وليامز أن الحمض النووي الريبوزي المنقى لفيروس تبرقش التبغ، وغطاءه البروتيني يمكن أن يتجمعوا بأنفسهم لتشكيل فيروسات وظيفية، مما يوحي بأن هذه الآلية البسيطة ربما كانت الوسيلة التي تم من خلالها خلق الفيروسات داخل خلايا الكائن المضيف.[36]
وبحلول عام 1935، كان يعتقد أن العديد من أمراض النباتات تسببها الفيروسات. في عام 1922، اكتشف جون كونكل سمول (1869-1938) أن الحشرات يمكن أن تكون بمثابة ناقلات تنقل الفيروس إلى النباتات. وفي العقد التالي، تبين أن العديد من أمراض النباتات كانت ناجمة عن الفيروسات التي تحملها الحشرات، وفي عام 1939، وصف فرانسيس هولمز، الرائد في علم الفيروسات النباتية،[37] 129 فيروسا تسببت في أمراض للنباتات.[38] وتوفر الزراعة الحديثة المكثفة بيئة غنية للعديد من الفيروسات النباتية. في عام 1948، في كانساس، الولايات المتحدة، تم تدمير 7٪ من محصول القمح من قِبل فيروس تبرقش القمح. حيث انتشر الفيروس عن طريق العث الذي يسمى أسيريا توليباي (Aceria tulipae).[39]
في عام 1970، اكتشف عالم الفيروسات النباتية الروسي جوزيف أتابيكوف أن العديد من الفيروسات النباتية تصيب فقط نوع واحد من النباتات المضيفة. وأقرت اللجنة الدولية لتصنيف الفيروسات الآن بأكثر من 900 فيروس نباتي.[40]
القرن العشرين
وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، تم تعريف الفيروسات من حيث العدوى، وقدرتها على الترشح، ومتطلباتها للمضيفين الأحياء. وحتى ذلك الوقت، كانت الفيروسات تنمو فقط في النباتات والحيوانات، ولكن في عام 1906، اخترع روس جرانفيل هاريسون (1870-1959) طريقة لزراعة الأنسجة في اللمف،[41] وفي عام 1913، استخدم ستينهاردت، وسي إسرائيل، ولامبرت هذه الطريقة لزراعة فيروس الوقس في أجزاء من أنسجة قرنية خنزير من غينيا.[42] في عام 1928، زرع HB و MC (ميتلاند) فيروس الوقس في معلق من كلى الدجاج المفروم.[43] ولم يتم اعتماد ذلك الأسلوب على نطاق واسع حتى الخمسينات، عندما كان فيروس شلل الأطفال يُزرع على نطاق واسع لإنتاج اللقاحات.[44] في عام 1941-1942، وضع جورج هيرست (1909-94) مقايسات تقوم على التراص الدموي؛ لتحديد نطاق واسع من الفيروسات، وكذلك الأجسام المضادة الخاصة بالفيروس في مصل الدم.[45][46]
على الرغم من أن فيروس الإنفلونزا الذي تسبب في جائحةالأنفلونزا 1918-1919 لم يتم اكتشافه حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، إلا أن وصف المرض، والأبحاث اللاحقة أثبتت أنه كان السبب.[47] وقد تسبب هذا الوباء في وفاة ما بين 40- 50 مليون شخص في أقل من عام،[48] إلا أن الدليل على أنه بسبب فيروس لم يتم الحصول عليه حتى عام 1933.[49]المستدمية النزلية هي بكتيريا انتهازية تتبع عادة عدوى الأنفلونزا؛ مما كان سبباً في الاستنتاج الخاطيء لعالم الجراثيم الألماني البارز ريتشارد فايفر (1858-1945) بأن هذه البكتيريا كانت سبب الإنفلونزا.[50] وحدث تقدم كبير في عام 1931، عندما زرع عالم الأمراض الأمريكي أرنست وليام غودباستير فيروس الأنفلونزا وعدة فيروسات أخرى في بيض الدجاج المخصب.[51] كما عرف هيرست نشاطا إنزيميا مرتبطا بجسيمات الفيروس، وتم وصفه لاحقا باسم النيورامينيداز، وهو أول دليل على أن الفيروسات قد تحتوي على إنزيمات. وأوضح فرانك ماكفارلين بورنيت في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي أن الفيروس يعيد تركيبه بتكرارت عالية، واستنتج هيرست فيما بعد أنه يحتوي على جينوم مجزأ.[52]
في عام 1949، قام جون إندرز (1897-1985)، وتوماس ولر (1915-2008)، وفردريك روبنز (1916-2003) بزراعة الفيروس السنجابي المسبب لشلل الأطفال للمرة الأولى في خلايا الجنين البشرية المستزرعة، وهو أول فيروس ينمو دون استخدام أنسجة حيوانية صلبة أو بيض الحيوانات. وغالبا ما تسبب العدوى بالفيروس السنجابي أعراض بسيطة. ولم يكن هذا معروفا إلا بعد عزل الفيروس في الخلايا المستزرعة، وقد تبين أن العديد من الأشخاص أصيبوا بعدوى خفيفة لم تؤد إلى شلل الأطفال. ولكن، خلافا للعدوى الفيروسية الأخرى، زادت الإصابة بشلل الأطفال - الشكل الأكثر ندرة وشدة من العدوى - في القرن العشرين، وبلغت ذروتها في عام 1952. وقد مَكّن اختراع نظام زراعة الخلايا لإنماء الفيروس جوناس سالك (1914-1995) من صناعة لقاح فعال لشلل الأطفال.[53]
ولد دينيس بارسونز بوركيت (1911-1993) في إنيسكيلن، مقاطعة فيرماناغ، أيرلندا. وكان أول من وصف نوع من السرطان يحمل الآن اسم لمفوما بوركيت. كان هذا النوع من السرطان متوطنا في أفريقيا الاستوائية، وكان أكثر الأورام الخبيثة شيوعا في أوائل الستينيات.[54] في محاولة لإيجاد سبب للسرطان، أرسل بوركيت خلايا من الورم إلى أنطوني إبشتاين (ب 1921)، وهو عالم الفيروسات الريطاني، الذي اكتشف مع إيفون بار، وبيرت أشونغ (1928-1996)، بعد العديد من المحاولات الفاشلة، فيروسات تشبه فيروس الهربس في السائل الذي يحيط بالخلايا. وقد تبين بعد ذلك أن الفيروس هو فيروس الهربس غير المعروف سابقا، والذي يسمى الآن فيروس إبشتاين بار.[55] والمثير للدهشة أن فيروس إبشتاين بار هو عدوى شائعة جدا، ولكنها بسيطة نسبيا بين الأوروبيين. ولكن تفسير أنه يسبب مثل ذلك المرض المدمر للأفارقة ليس مفهوم تماما، ولكن انخفاض المناعة ضد الفيروس بسبب الملاريا قد يكون له دور.[56] إبشتاين بار هو فيروس مهم في تاريخ الفيروسات لكونه أول فيروس يُعرف أنه يسبب السرطان في البشر.[57]
أواخر القرن العشرين
كان النصف الثاني من القرن العشرين هو العصر الذهبي لاكتشاف الفيروسات، وتم اكتشاف أكثر من 2000 نوع معترف به من فيروسات الحيوانات، والنباتات، والبكتيريا خلال تلك السنوات.[58][59] في عام 1946، تم اكتشاف الإسهال الفيروسي عند الأبقار،[60] والذي لا يزال ربما أكثر الممرضات شيوعا للماشية في جميع أنحاء العالم.[61] وفي عام 1957، تم اكتشاف الفيروس الشرياني في الخيل.[62] في الخمسينيات من القرن العشرين، أدت التطورات في طرق عزل الفيروس والكشف عنه إلى اكتشاف العديد من الفيروسات البشرية الهامة بما في ذلك فيروس جدري الماء النطاقي،[63]والفيروسات المخاطية[64] -التي تشمل فيروس الحصبة،[65]والفيروس المخلوي التنفسي[64]- والفيروسات الأنفية التي تسبب نزلات البرد.[66] في الستينات، تم اكتشاف المزيد من الفيروسات. وفي عام 1963، تم اكتشاف فيروس التهاب الكبد ب من قِبل باروخ بلومبرغ (ب 1925)،[67] وفي عام 1965، وصف هوارد تيمن (1934-1994) أول فيروس قهقري.[68] وقد تم وصف انزيم النسخ العكسي، الذي تستخدمه الفيروسات القهقرية لترجمة RNA إلى DNA لأول مرة في عام 1970، بشكل مستقل من قِبل كلا من هوارد تيمن وديفيد بلتيمور (ب. 1938).[69] وكان ذلك مهما لتطوير العقاقير المضادة للفيروسات التي تعتبر نقطة تحول رئيسية في تاريخ العدوى الفيروسية.[70] في عام 1983، قام لوك مونتانييه (ب 1932) وفريقه في معهد باستير في فرنسا، بعزل الفيروس القهقري لأول مرة، والذي يعرف الآن باسم فيروس نقص المناعة البشرية.[71] في عام 1989 اكتشف فريق مايكل هوتون في شركة تشيرون التهاب الكبد سي.[72] وتم اكتشاف أنواع وفصائلة جديدة من الفيروسات في كل عقد من النصف الثاني من القرن العشرين. واستمرت هذه الاكتشافات إلى القرن الحادي والعشرين مع ظهور أمراض فيروسية جديدة مثل السارس[73] وفيروس نيباه.[74] على الرغم من إنجازات العلماء على مدى المائة سنة الماضية، لا تزال الفيروسات تشكل تهديدات وتحديات جديدة.[75]
^ ابجSussman, Max؛ Topley, W. W. C.؛ Wilson, Graham K.؛ Collier, L. H.؛ Balows, Albert (1998). Topley & Wilson's microbiology and microbial infections. London: Arnold. ص. 3. ISBN:0-340-66316-2.
^Fenner F. (2009). Mahy B. W. J. and Van Regenmortal M. H. V. (المحرر). Desk Encyclopedia of General Virology (ط. 1). Oxford, UK: Academic Press. ص. 15. ISBN:0-12-375146-2.
^ ابSkloot، Rebecca (2010). The Immortal Life of Henrietta Lacks. New York: Broadway Paperbacks. ص. 128-135.
^*In 1887, Buist visualised one of the largest, Vaccinia virus, by optical microscopy after staining it. Vaccinia was not known to be a virus at that time. (Buist J.B.(1887) Vaccinia and Variola: a study of their life history Churchill, London)
^From Nobel Lectures, Physics 1981–1990, (1993) Editor-in-Charge Tore Frängsmyr, Editor Gösta Ekspång, World Scientific Publishing Co., Singapore.
^Carr, N. G.؛ Mahy, B. W. J.؛ Pattison, J. R.؛ Kelly, D. P. (1984). The microbe 1984: Thirty-sixth Symposium of the Society for General Microbiology, held at the University of Warwick, April 1984. Cambridge: Published for the Society for General Microbiology [by] Cambridge University Press. ص. 4. ISBN:0-521-26056-6.
^Carr, N. G.؛ Mahy, B. W. J.؛ Pattison, J. R.؛ Kelly, D. P. (1984). The microbe 1984: Thirty-sixth Symposium of the Society for General Microbiology, held at the University of Warwick, April 1984. Cambridge: Published for the Society for General Microbiology [by] Cambridge University Press. ص. 3. ISBN:0-521-26056-6.
^ ابD'Herelle F (سبتمبر 2007). "On an invisible microbe antagonistic toward dysenteric bacilli: brief note by Mr. F. D'Herelle, presented by Mr. Roux☆". Research in Microbiology. ج. 158 ع. 7: 553–4. DOI:10.1016/j.resmic.2007.07.005. PMID:17855060.
^"The antagonistic microbe can never be cultivated in media in the absence of the dysentery bacillus. It does not attack heat-killed dysentery bacilli, but is cultivated perfectly in a suspension of washed cells in physiological saline. This indicates that the anti dysentery microbe is an obligate bacteriophage".
Felix d'Herelle (1917) An invisible microbe that is antagonistic to the dysentery bacillus (1917) Comptes rendus Acad. Sci. Paris Retrieved on 2 December 2010نسخة محفوظة 13 مارس 2012 على موقع واي باك مشين.
^Mayer A (1882) Over de moza¨ıkziekte van de tabak: voorloopige mededeeling. Tijdschr
Landbouwkunde Groningen 2: 359–364 (In German)
^ ابQuoted in: van der Want JP، Dijkstra J (أغسطس 2006). "A history of plant virology". Archives of Virology. ج. 151 ع. 8: 1467–98. DOI:10.1007/s00705-006-0782-3. PMID:16732421.
^Pennazio S، Roggero P، Conti M (أكتوبر 2001). "A history of plant virology. Mendelian genetics and resistance of plants to viruses". New Microbiology. ج. 24 ع. 4: 409–24. PMID:11718380.
^D. Hansing, C. O. Johnston, L. E. Melchers and H. Fellows (1949) "Kansas Phytopathological Notes: 1948" Transactions of the Kansas Academy of Science (1903–) Vol. 52, No. 3, pp. 363–369 Stable URL Retrieved on 13 December 2010نسخة محفوظة 23 يونيو 2016 على موقع واي باك مشين.
^Sussman, Max؛ Topley, W. W. C.؛ Wilson, Graham K.؛ Collier, L. H.؛ Balows, Albert (1998). Topley & Wilson's microbiology and microbial infections. London: Arnold. ص. 4. ISBN:0-340-66316-2.
^Wolfgang Joklik|Joklik WK. (1999) When two is better than one: Thoughts on three decades of interaction between Virology and the Journal of Virology. J Virol[لغات أخرى] 73: 3520–3523 (text) نسخة محفوظة 15 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
^Kilbourne ED. (1975) Presentation of the Academy Medal to George K. Hirst, M.D. Bulletin of the New York Academy of Medicine 51: 1133–1136 (pdf) نسخة محفوظة 15 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
^Rosen FS (2004). "Isolation of poliovirus—John Enders and the Nobel Prize". New England Journal of Medicine. ج. 351 ع. 15: 1481–83. DOI:10.1056/NEJMp048202. PMID:15470207.
^Magrath I (سبتمبر 2009). "Lessons from clinical trials in African Burkitt lymphoma". Current Opinion in Oncology. ج. 21 ع. 5: 462–8. DOI:10.1097/CCO.0b013e32832f3dcd. PMID:19620863.
^Epstein، M. Anthony (2005). "1. The origins of EBV research: discovery and characterization of the virus". في Robertson، Earl S. (المحرر). Epstein-Barr Virus. Trowbridge: Cromwell Press. ص. 1–14. ISBN:1-904455-03-4. مؤرشف من الأصل في 2017-03-25. اطلع عليه بتاريخ 2010-09-18.
^Bornkamm GW (أبريل 2009). "Epstein-Barr virus and the pathogenesis of Burkitt's lymphoma: more questions than answers". International Journal of Cancer. Journal International Du Cancer. ج. 124 ع. 8: 1745–55. DOI:10.1002/ijc.24223. PMID:19165855.
^Bryans JT، Crowe ME، Doll ER، McCollum WH (يناير 1957). "Isolation of a filterable agent causing arteritis of horses and abortion by mares; its differentiation from the equine abortion (influenza) virus". The Cornell Veterinarian. ج. 47 ع. 1: 3–41. PMID:13397177.
^ ابجSchmidt AC، Johnson TR، Openshaw PJ، Braciale TJ، Falsey AR، Anderson LJ، Wertz GW، Groothuis JR، Prince GA، Melero JA، Graham BS (نوفمبر 2004). "Respiratory syncytial virus and other pneumoviruses: a review of the international symposium—RSV 2003". Virus Research. ج. 106 ع. 1: 1–13. DOI:10.1016/j.virusres.2004.06.008. PMID:15522442.
^ ابGriffin DE، Pan CH (2009). "Measles: old vaccines, new vaccines". Current Topics in Microbiology and Immunology. ج. 330: 191–212. DOI:10.1007/978-3-540-70617-5_10. PMID:19203111.
^ ابTyrrell DA (أغسطس 1987). "The common cold—my favourite infection. The eighteenth Majority Stephenson memorial lecture". The Journal of General Virology. ج. 68 ع. 8: 2053–61. DOI:10.1099/0022-1317-68-8-2053. PMID:3039038.
^Zetterström R (مارس 2008). "Nobel Prize to Baruch Blumberg for the discovery of the aetiology of hepatitis B". Acta Paediatrica (Oslo, Norway : 1992). ج. 97 ع. 3: 384–7. DOI:10.1111/j.1651-2227.2008.00669.x. PMID:18298788.
^Yoshida M (يناير 1997). "Howard Temin memorial lectureship. Molecular biology of HTLV-1: deregulation of host cell gene expression and cell cycle". Leukemia : Official Journal of the Leukemia Society of America, Leukemia Research Fund, U.K. ج. 11 ع. 1: 14–5. DOI:10.1038/sj.leu.2400545. PMID:9001412.
^Field H، Young P، Yob JM، Mills J، Hall L، Mackenzie J (أبريل 2001). "The natural history of Hendra and Nipah viruses". Microbes and Infection / Institut Pasteur. ج. 3 ع. 4: 307–14. DOI:10.1016/S1286-4579(01)01384-3. PMID:11334748.
^Skern T (سبتمبر 2010). "100 years poliovirus: from discovery to eradication. A meeting report". Archives of Virology. ج. 155 ع. 9: 1371–81. DOI:10.1007/s00705-010-0778-x. PMID:20683737.
^Becsei-Kilborn E (2010). "Scientific discovery and scientific reputation: the reception of Peyton Rous' discovery of the chicken sarcoma virus". Journal of the History of Biology. ج. 43 ع. 1: 111–57. DOI:10.1007/s10739-008-9171-y. PMID:20503720.
^Melnick JL (ديسمبر 1993). "The discovery of the enteroviruses and the classification of poliovirus among them". Biologicals : Journal of the International Association of Biological Standardization. ج. 21 ع. 4: 305–9. DOI:10.1006/biol.1993.1088. PMID:8024744.
^Martin, Malcolm A.؛ Knipe, David M.؛ Fields, Bernard N.؛ Howley, Peter M.؛ Griffin, Diane؛ Lamb, Robert (2007). Fields' virology. Philadelphia: Wolters Kluwer Health/Lippincott Williams & Wilkins. ص. 2395. ISBN:0-7817-6060-7. مؤرشف من الأصل في 2022-06-25.
^Yap SF (يونيو 2004). "Hepatitis B: review of development from the discovery of the "Australia Antigen" to end of the twentieth Century". The Malaysian Journal of Pathology. ج. 26 ع. 1: 1–12. PMID:16190102.
^Karpas A. "Human retroviruses in leukaemia and AIDS: reflections on their discovery, biology and epidemiology". Biological Reviews of the Cambridge Philosophical Society. ج. 79 ع. 4: 911–33. DOI:10.1017/S1464793104006505. PMID:15682876. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |التاؤيخ= تم تجاهله (مساعدة)
^Curtis N (2006). "Viral haemorrhagic fevers caused by Lassa, Ebola and Marburg viruses". Advances in Experimental Medicine and Biology. ج. 582: 35–44. DOI:10.1007/0-387-33026-7_4. PMID:16802617.
^Hartman AL، Towner JS، Nichol ST (مارس 2010). "Ebola and marburg hemorrhagic fever". Clinics in Laboratory Medicine. ج. 30 ع. 1: 161–77. DOI:10.1016/j.cll.2009.12.001. PMID:20513546.
^Kapikian AZ (مايو 2000). "The discovery of the 27-nm Norwalk virus: an historic perspective". The Journal of Infectious Diseases. 181 Suppl 2: S295–302. DOI:10.1086/315584. PMID:10804141.
^Bishop RF, Cameron DJ, Barnes GL, Holmes IH, Ruck BJ (1976). "The aetiology of diarrhoea in newborn infants". Ciba Foundation Symposium ع. 42: 223–36. DOI:10.1002/9780470720240.ch13. PMID:186236.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Gust ID، Coulepis AG، Feinstone SM، Locarnini SA، Moritsugu Y، Najera R، Siegl G (1983). "Taxonomic classification of hepatitis A virus". Intervirology. ج. 20 ع. 1: 1–7. DOI:10.1159/000149367. PMID:6307916.
^ ابGallo RC (سبتمبر 2005). "History of the discoveries of the first human retroviruses: HTLV-1 and HTLV-2". Oncogene. ج. 24 ع. 39: 5926–30. DOI:10.1038/sj.onc.1208980. PMID:16155599.
^Choo QL، Kuo G، Weiner AJ، Overby LR، Bradley DW، Houghton M (أبريل 1989). "Isolation of a cDNA clone derived from a blood-borne non-A, non-B viral hepatitis genome". Science. ج. 244 ع. 4902: 359–62. Bibcode:1989Sci...244..359C. DOI:10.1126/science.2523562. PMID:2523562.
^Bihl F، Negro F (مايو 2010). "Hepatitis E virus: a zoonosis adapting to humans". The Journal of Antimicrobial Chemotherapy. ج. 65 ع. 5: 817–21. DOI:10.1093/jac/dkq085. PMID:20335188.
^Okamoto H (2009). "History of discoveries and pathogenicity of TT viruses". Current Topics in Microbiology and Immunology. ج. 331: 1–20. DOI:10.1007/978-3-540-70972-5_1. PMID:19230554.