ابن أبي جمهور الأحسائي
محمد بن علي بن إبراهيم الشَّيباني البكري الأحسائي يعرف عمومًا بـابن أبي جمهور الأحسائي (1435 - ق. 1505 م) (838 - ق. 910 هـ) متكلّم مسلم وفقيه جعفري مشرقي من أهل القرن الخامس عشر الميلادي/ التاسع الهجري. ولد في قرية التهيمية في إقليم الأحساء في عهد أول أمراء الجبرية فيها، ونشأ في فترة ازدهارها. كان والده زين الدين علي وجده إبراهيم من العلماء الشيعة، فدرس أولاً عليهما، ثم سافر إلى العراق، وفي النجف درس على شرف الدين حسن بن عبد الكريم فتال وهو الذي أجازه في الرواية. حجّ في 1472 وفي طريقه التقى علي بن هلال الجزائري في جبل عامل وأجازه. عاد إلى الإحساء وبعد فترة غادر إلى العراق ومن هناك توجه إلى مشهد بخراسان واشتغل بالتدريس والتأليف فيها. أجرى مناظرات فيها مع عالم مسلم سني، يُعتقد أنه الفقيه والقاضي الشافعي أحمد بن يحيى التفتازاني، وبعده زادت شهرته. ظل متنقلًا بقية عمره بين بلاد فارس والعراق في أيام الدولة التيمورية ومسقط رأسه، مشتغلًا بالتأليف. وكان كثير السفر والترحال، وأغلب استقراره كان في مسقط رأسه (الأحساء) والنجف في العراق ومشهد بخُراسان. كان ناشطًا في التأليف والتدريس خلال أسفاره، وكتب الكثير من آثاره وهو مهاجر ومسافر فترك مصنفات كثيرة تأليفاً وشرحاً وحاشية في الأصول والفقه والرجال والكلام والفلسفة والأخلاق والعرفان والمواعظ والحديث وغير ذلك. اشتهر بنظريته في عدم الاختلاط في علم دراية الحديث عند الشيعة وهي القاعدة المعروفة بـ«الجمع مهما أمكن أولى من الطرح». سنة وفاته ومكانه ليست واضحة.[1] نسبه وأسلافههو شمس الدين أبو جعفر محمد بن زين الدين أبي الحسن علي بن حسام الدين إبراهيم بن حسن بن إبراهيم بن أبي جمهور الشَّيباني البَكري الأحسائي. كان والده زين الدين علي وجده حسام الدين من علماء. وأسرته تعرف بـآل أبي جمهور، واشتهرت بشهرة شمس الدين محمد إذ هو أبرز شخصية منهم. وهذه الأسرة تتفرع من بني شيبان من بكر بن وائل، إحدى الأسر العربية، ومن أحفادهم في الأحساء حسب رأي جواد الرمضان هم آل عيثان. وقد عرف في زمانه بالصفة الأحساوي واللحساوي أيضًا.[2][3] سيرتهولد شمس الدين محمد في قرية التهيمية/ التيمية في إقليم الأحساء في عهد أول أمراء الجبرية بحدود سنة 838 هـ/ 1434 م على الأرجح. ونشأ بها برعاية والده الفقيه وفي فترة ازدهار الأحساء.[3] تعليمهدرس في الأحساء مقدمات العلوم على يد والده وعددٍ من علماء، منهم محمد بن موسى الموسوي الأحسائي، درس عنده الفقه، وعلي بن محمد بن مانع، وغيرهم. ثم هاجر إلى العراق لإكمال دراسته، ونزل النجف، وحضر بها على عدد من العلماء أبرزهم حسن بن عبد الكريم الفتال النجفي. هو يروي عن عدد من العلماء، فمن مشائخه في الرواية، من غير أساتذه هم حزر الدين الأوالي البحراني، ومحمد بن أحمد الموسوي الأحسائي، وعبد الله بن فتح الله الواعظ القمي.[4] رحلاتهبعد أداء مناسك الحج، عاد إلى موطنه الأحساء، ومكث بها قليلًا ثم ذهب إلى العراق ثم خراسان في أواسط سنة 878 هـ/ 1473 م، وفي طريقة إلى خراسان ألف رسالة أسماها زاد المسافرين في أصول الدين. ولما وصل مدينة مشهد تعرّف عليه محسن بن محمد الرضوي القمي وكان من علمائها فنزل ضيفًا في داره، وأعجب به الرضوي، وأصبح من الملازمين له. وكتب بطلبه كتابه كشف البراهين في شرح زاد المسافرين.[3] مناظراته مع الفاضل الهرويفي نفس السنة 878 هـ/ 1473 م في فترة حكم حسين بايقرا، حصلت مناظرة شهيرة حول الإمامة والخلافة بين ابن أبي جمهور كمدافع عن الشيعة وأحد علماء السنة من هراة عاصمة التيمورية جاء إلى طوس للقاء هذا «المتكلم العربي» كما سماه هو والذين حضروا المناظرة، دلالة على الأهمية التي أسبغها وجوده في تلك الديار التي لم يكن فيها متكلم شيعي فارسي،[4] وكانت في ثلاث جلسات تمت كلها في مدينة مشهد/طوس، الأولى منها والثالثة كانتا في منزل محسن الرضوي، وكانت الثانية في مدرسة بالاسَر في العتبة الرضوية والتي بنيت باهتمام سلطان شاهرخ ميرزا بتاريخ يوم 10 ذو الحجة 878/ 27 أبريل 1474، تحولت إلى رواق دار الولاية فيها سنة 1989.[5] المجلس الأول في إمامة علي بن أبي طالب وأحقيته للخلافة وقد كان في دار محسن الرضوي والمجلس الثاني في المدرسة الشاهرخية أول البحث فيه «في مسألة ولد الزنا وجرى الكلام إلى طعن القرطاس»، والمجلس الثالث «في ذكر أعمال الخدعة في أمر الخلافة وبعض المطاعن».[6] سنوات 1478 - 1501استمر الأحسائي إقامته في مشهد مجاورًا للعتبة الرضوية، وكان فيها مشغولًا بالبحث والتدريس والتأليف لبعض سنوات. ثم غادرها متجهًا نحو العراق، ونزل الحلة وكتب فيها في المدرسة الزينبية شرحه بعنوان تهذيب أصول على منية اللبيب في شرح التهذيب للضياء الدين الأعرج الحسيني، وفرغ منه في صفر 883 هـ/ مايو 1478. وفي سنة 1481 كان في الأحساء، وفرغ فيها من كتابه قبس الاقتداء في شرائط الإفتاء والاستفتاء. ثم في القطيف، فرغ فيها من تأليف كتابه الآخر مسلك الإفهام في علم الكلام. ثم ذهب إلى جزيرة أوال البحرينية، حيث أملى هناك كتابه البوارق المحسنية لتجلي الدرة الجمهورية في أربعة مجالس كان آخرها يوم 23 محرم 888/ 2 مارس 1483.[3] وفاتهتوفي بحدود عام 910 هـ الموافق 1505 م في وطنه الأحساء محتملًا عن عمر بلغ حوالي 72 عامًا، ودفن بها، بجوار والده حسب رأي هاشم محمد الشخص.[3] وذهبت بعض المصادر الفارسية إلى أنه توفي في مدينة مشهد ودفن بها في العتبة الرضوية.[2] مهنته وآرائهيعد ابن أبي جمهور الأحسائي من كبار علماء المسلمون الشيعة في عصره وبرز في الفقه والأصول، وكان بارعًا في المنطق والكلام كما برز في علمي الحديث والدراية. برأي كامل مصطفى الشيبي فقد كان ابن أبي جمهور الأحسائي صورة متطورة عن ميثم البحراني وحيدر الآملي ونموذجًا للشيخية الذين قادهم أحسائي آخر، أحمد بن زين الدين الأحسائي، على المنهج ذاته.[4] وكان أديبًا وشاعرًا إلى جنب كونه فقيهًا، وقد جمع هو بعض شعره في كتابه مجموعة المواعظ والنصائح والحكم. بقي أبياتًا قليلًا من نظمه.[3] وقام باستخراج عدد كبير من الأحاديث من كتب السنة، مما يتفق مع رأي الشيعة.[9] في علم الدرايةمما عُرِف به وانتشر عنه النظرية المشهورة لدى علماء الشيعة في التعامل مع الأحاديث المتناقضة، والتي تبنّاها ابن أبي جمهور وادعى عليها الإجماع من علماء الطائفة، وهي نظرية «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح». وهذه النظرية تقول إنَّه إذا وردت روايتان عن الأئمة الاثنا عشر - أو أكثر - متعارضتان في الدلالة صحيحتا السند، فإن أمكن أن تجمع بينهما وتُوفّق بين مدلوليهما - بحيث تعمل بهما معًا ولا تطرح أحدهما - فهذا الأولى، ولا يُلجأ إلى طرح أحدهما إلّا إذا لم يكن الجمع بينهما، «فالجمع مهما أمكن أولى من الطرح.»[10] إذن، لم يكن الجمع بينهما يستند إلى المرجحات لأحدهما على الآخر كالشهرة أو عمل الأصحاب أو مخالفة العامة أو موافقة الاحتياط، أو غير ذلك. فإن تساويًا في جميع المرجحات ولم يكن العلم بالإحتياط يتخير الفقيه بينهما فيعمل بأحدهما ويترك الأخرى أو يتوقف فيهما ويُعرض عن العمل بأيهما. وقال في كتابه عوالي اللَّئالي: «إنَّ كلِّ حدثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولًا البحث عن معناها وكيفيات دلالات ألفاظهما، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فأحرص عليه وأجتهد في تحصيله، فإن العلمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء.»
ثم يضيف ذاكرًا حديث مرفوعة زارة أو مقبولة عمر بن حنظلة: «فإذا لم تتمكن من ذلك، أو لم يظهر لك وجهه فإرجع إلى العمل بهذا الحديث [أي مرفوعة زارة أو مقبولة ابن حنظلة] فتعمل بالمشهور إذا عارضه ما ليس بمشهور. فإن تساويا في الشهرة فاعمل منهما على أعدلهما راويًا وأوثقهما في نفسك ورودًا. فإن تساويا في ذلك فانظر منهما ما وافق مذهب العامة فأطرحه وخذ بهما خالفهم، فإن مذهب القوم منبي على خلافهم...»
في علم الكلامبرأي فرهاد دفتري، حاول ابن أبي جمهور لدمج الصوفية بالفكر الشيعي، وفي كتابه المُجلي قدّم تركيبًا لبنية دمجت بين علم الكلام الشيعي الإثناعشري وفلسفة ابن سينا والفكر الإشراقي للسُهروردي وصوفية مدرسة ابن عربي.[11]
ترك ابن أبي جمهور كتبًا في الكلام، منها زاد المسافرين، والمُجلي كتاب الذي استغرق منه وقتًا طويلًا جدًا وأشار إلى أنه بدأ تصنيفه في شبابه بالنجف، على صورة متن سماه مسلك الأفهام في علم الكلام. بعد ما شاع بين الطلاب، كتب عليه حاشية سماها تلاميذه النور المنجي من الظلام حاشية مسلك الأفهام، وكان ذلك في 893 هـ/ 1488 م. ولما استقبله الطلبة في أثناء زيارته للنجف بحماسة بالغة، راجعه سنة 894 هـ/ 1489 ونقّحه وأضاف إليه وتم إخراجه في صفر 896 هـ/ 1490 باسم مجلي مرآة المنجي بوصفه «قد اشتمل على الحكمة الإلهية ونفايس أسرار العلوم العرفانية وخلاصة زبدة الوصول ونهاية مراتب الكمال المأمول.» واعتبر كتابه بحثًا في علم الكلام الذي قضى عمره فيه. ويعد موسوعة تستغرق كل الموضوعات المعروفة في عصره تقريبًا، غير أن أكثره هي الفلسفة على الصورة التي عرضها ابن ميثم البحراني مع ميل إلى أسلوب حيدر الآملي. والكتاب مقسم إلى نصفين، الأول يعرض التوحيد والثاني لمباحث الأفعال على اعتبار أن علم الكلام «منقسم في الحقيقة إليهما».[4] تدريسهتتلمذ عليه وروي عنه جماعة، منهم جمال الدين حسن بن إبراهيم ابن أبي شبانة البحراني، ومحسن بن محمد الرضوي القمي، وهو أقرب التلاميذ إليه ومن الملازمين له في سنينه الأخيرة حين كان مقيمًا في المشهد الرضوي بخراسان، ثم شرف الدين محمود بن علاء الدين الطالقاني، حضر عنه في الفقه والحديث والرجال وعلم الكلام سنين عديدة، وله منه أجازة، وربيع بن جمعة الغزي الحويزي، وجلال الدين بهرام الأسترآبادي، وعطاء الله بن معين الدين السروي الأسترآبادي، وعلي بن قاسم المعروف بابن عذاقة الحلي، وحسين التوني، وعبد الوهاب بن علي الحسيني الأسترآبادي وغيرهم.[2][3] نقدهوجهت إليه بعض الانتقادات والمؤاخذات في العقائد والفكر، بسبب ميوله الصوفية. واتهم بالغلو، من قبل بعض العلماء، منهم عبد الله الأفندي في رياض العلماء. دافعوا عنه عدة من العلماء، منهم نعمة الله الجزائري وحسين النوري الطبرسي، وشهاب الدين المرعشي، وغيرهم. وهناك أيضًا انتقادات حول كتابه عوالي اللئالي بأنه «خلط فيه الغث بالسمين».[3] تراثهيوجد في التيمية مسجد ينسب إلى أبن أبي جمهور الأحسائي لا زال معروفًا، في محرابه قطعة منقوشة تاريخها 810 هـ/ 1407 م، وكان يصلى فيه والده علي، وجده إبراهيم. ونصّ ما هو مكتوب في اللوحة المنقوشة القديمة لا تزال محفوظة وقد أعيد وضعها فوق المحراب، هو «لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذا المحراب، الجمعة شهر شوّال سنة ثمانمائة وعشرة، عمل عبد الله بن قاسم بن محمد الهممي العماني.»[3][13] مؤلفاتهترك ابن أبي جمهور الأحسائي عددًا كبيرًا من المؤلفات في مختلف الحقول، وهي في معظمها موجودة في مكتبات إيران، وطبع الكثير منها، وبقي بعضها مخطوطًا. صدر كتاب حول مؤلفاته بجهود عبد الله غفراني ونشره سنة 2013. من أبرز مؤلفاته:[16]
انظر أيضًاالمراجع
فهرس المراجع
وصلات خارجية |