هذه مقالة غير مراجعة. ينبغي أن يزال هذا القالب بعد أن يراجعهامحرر؛ إذا لزم الأمر فيجب أن توسم المقالة بقوالب الصيانة المناسبة. يمكن أيضاً تقديم طلب لمراجعة المقالة في الصفحة المخصصة لذلك.(نوفمبر 2020)
فكثرةُ الذُّنوبِ تُقسِّي القلبَ، والمعاصي لا تَزالُ تدَعُ في القَلبِ نُكَتًا سَوداءَ حتَّى يتَحوَّلَ القلبُ مِن كَثرةِ الذُّنوبِ والمعاصي إلى السَّوادِ الخالِصِ، ويَعلوه الرَّانُ.[10]
علاج الران
بينت السنة النبوية بأن علاج طبقة الران التي تكسو القلب بسبب الذنوب يمر عبر فهم طبيعة المرض أولا، وقد وصف رسول الله ﷺ هذا الران على أنه مماثل للصدأ الذي يصيب الحديد المبلل بالماء، وذلك في الحديث النبوي الذي نصه:[11][12]
ثم وجه الرسول ﷺ إلى علاج القلب المريض بالران، بواسطة دواءين ناجعَيْنِ هما تذكر مفارقة الدنيا بالموت، وتلاوة القرآن الذي هو شفاء للقلوب التي في الصدور.[13][14]
فتشخيص القلب المريض هو المرحلة الأولى من العلاج، ثم معرفة الهدف من التطبيب للوصول إلى القلب السليم هي المرحلة الموالية للتشخيص.[15][16]
القلب المريض
وردت عبارة "القلب المريض"، الذي هو منطلق علاج ما في الصدور من طبقة الران العازلة، العديد من المرات في القرآن الكريم، منها:[17]
فبينت آيات سورة الشعراء بأن نجاة الإنسان يوم القيامة من العذاب مقتضاه حيازته على "قلب سليم"، ثم بينت آيات سورة الصافات بأن القدوة المُتَّبعة في موضوع القلب السليم هي النبي إبراهيم.[33][34]
فلم يترك القرآن الكريم التالين له من المسلمين في حيرة من أمرهم في تتبعهم لمنهاج علاج قلوبهم من مرض الران للوصول إلى قلوب سليمة تُنجي أصحابها من عذاب يوم القيامة، بل أعطاهم نموذجا طاهرا كاملا مستقيما له قلب سليم، ألا وهو النبي الرسول إبراهيم الذي استفاضت الآيات القرآنية في سرد قصته وسيرته وخصائصه الإيمانية والأخلاقية والسلوكية.[35][36]
وتبين آيات سورة الممتحنة بأن سيدنا إبراهيم والذين آمنوا معه واجبٌ على المسلمين اتخاذهم أسوة وقدوة في علاج مرض القلب بالران للوصول إلى وضعية العافية والصحة المسماة بالقلب السليم.[37][38]
ثم جاءت آية سورة الأحزاب لتذكر المؤمنين بالرحمة المهداة التي وهبهم الله أنوارها، وهو الرسول محمد ﷺ، فصار التأسي والاقتداء به واجبا للانتقال من مرض القلب إلى سلامته لمن كان يرجو لقاء الله ورؤية وجهه الكريم، والنجاة من عذاب يوم القيامة، ولا يكون ذلك بالمداومة على الأذكاروالدعواتوالأوراد.[39][40]
استفحال الران
إذا لم يبادر المسلم إلى علاج الران الذي يتراكم على قلبه بسبب ذنوبه، فإن عاقبة هذا التفريط والتراخي والغفلة يكون وخيما كما بينه رسول الله ﷺ في الحديث النبوي الذي يرويه حذيفة بن اليمان، والذي نصه:[41]
تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ، حديث صحيح
فحينما يتمكن الران من القلب فإنه يمنع المسلم من التفريق بين الحق والباطل، وبين المعروف والمنكر، فتنقلب المفاهيم لديه، ويرفض بذلك الهدى ويُعرض عن التوبة والتذكير والموعظة.[42]
أشكال الران
إن من بديع وإعجاز الآيات القرآنية أن الران الذي يعلو ويكسو ويصيب قلب المسلم العاصي له عدة أوصاف ونعوت بليغة تدل على طبيعة وتطور المرض القلبي.[43]
بداية الران
فمصيبة القلب حينما تتوالى المعاصي عليه، وإذا به يتلوث سطحه شيئاً فشيئاً حتى يغلفه السواد، وبعض النكت السوداء قد يمحى وبعضها يبقى أثره إلى يوم القيامة، ومما يبقى اليمين الكاذبة التي تقتطع حق امرئ مسلم بغير حق، ومنها أيضاً من انساق في الفتن حين تُعرض ولم ينكرها، وكلما زادت الآثام زاد الران حتى يغطي السواد القلب كله فيحجب عن الله .[44]
حينما يصر القلب على اتباع الهوى فإن معاصيه تأسره وتؤدي به إلى الطبع، وهو ثاني المصائب بعد بداية الران، ويطبع الله على قلب العبد إذا أصر على المعصية أو تهاون بأداء الطاعة، كما قال رَسُولَ اللَّهِ :[45][46]
وإذا طبع على قلب العبد ضاق بالإيمان ذرعا، وود لو لم يسمع الموعظة، فتراه على عكس ما تتوقع منه يضيق بمجالسة الصالحين ويرتاح إلى العاصين ويتغنى بحجج الكافرين، إذ انشرح صدره للكفر.
وممن يطبع الله على قلوبهم، الذين عهد الله إليهم بأمانة الدين فضلوا وأضلوا، ويطبع الله تعالى كذلك على قلب الذي يكفر بعد الإيمان، فقد سنحت له من الدهر فرصة ثمينة فنبذها وارتد عن الغالي إلى الرخيص.[49]
وإذا كان الران قابلاً للإزالة بالتوبة وباجتناب المعاصي، فإن الطابع صار أصعب زوالاً لأن صاحبه غاب عن الوعي وانساق في الضلال واستحب العمى على النور.
فإذا ما انجرف العبد في الموبقات وتمادى بارتكاب المعاصي واجترأ على الخالق القهار، فيصير لا ينافق مرة بل ماردا على النفاق ومعتادا عليه، فيبلغ بذلك المصيبة الأكبر وهي الختم، فيختم الله على قلبه وعلى سمعه وبصره، بحيث يؤول إلى سوء المصير ويكتب على نفسه عذاب السعير.[51]
وإذا ما صار القلب مختوما فلن يهتدي بعد ذلك أبدا، إلا أن يشاء الله غير ذلك من الاجتباء والعفو والتوبة على عبده.[52]
القفل
وآخر الختم على القلب يكون بالقفل الذي من معانيه في اللغة الإغلاق وما لا يرجى منه خير، وكأن العاصي كتب نهايته على نفسه بنفسه، فصارت بينه وبين الهدى عداوة ونفور.[53]
فتتوقف بوادر الإيمان وتنقطع آمال الهدى على هذا القلب المقفول ولا ينفع بعد ذلك كلام ولا علم ولا عمل، ولا يتبقى للعبد إلا رحمة تنزل عليه من الله تفضلاً ونعمةً.
أوعية الران
يتشكل الران على شكل أوعية وأغشية تعلو وتكسو قلب المسلم العاصي على حسب سمكها وعزلها وقسوتها، منها:[49]
الحائل
الحائل هو غشاء الران الذي ذكرته الآية الرابعة والعشرون من سورة الأنفال في كونه يفصل بين إرادة الإنسان وأعماله، وفي ذلك قال سعيد بن جبير في حائل القلب المريض بالران:[55]
فالعاصي الذي تَشَرَّبَ الشر والسوء يُحَالُ بينه وبين التوبة والأوبة والعودة إلى الله بسبب تمرده على الحق والآيات والحجج والبراهين حينما كان في فسحة وسعة وقوة من أمره.[56]
الغلاف
الغلاف هو وعاء الران الذي ذكرته الآية الثامنة والثمانون من سورة البقرة، والذي يحيط بالقلب المريض ويجعله يدعي الحكمة والعلم، ويرفض ما يأتيه من النصح والموعظة، فيكتفي بما يظنه حقا ولا يحتاج إلى ما لدى غيره من حجج وبراهين.[57]
فيجعل هذا الغلاف قلوب المعتلين لا تفقه، ولا تفهم ما تقول، فتكسوها غشاوة كالأوعية، فلا تعي ولا تفقه، لأنها ليست قلوبا محلا للعلم والحكمة بل مطبوع عليها.[58]
ويكون هذا الغشاء عائقا للآثم كي يفهم ما جاء به الرسول ﷺ ويعرفه، وسبب هذا الغلاف هو الذنوب التي اختارها العاصون لأنفسهم وآثروها على الإيمان والطاعة، فعاقبهم الله على ذلك بالطبع واللعنة والختم عليها.[59]
الكِنان
والكِنَانُ (جمعه: أَكِنَّةٌ) هو الكيس الفضفاض الذي توضع فيه السهام والنبال، فيُحْكِم القبضة عليها ولا تستطيع الخروج منه، فيحتبس بذلك ما في القلب من الخروج، ولا يستطيع ما هو خارجه من الدخول إليه.[60]
غطاء القلب المريض هو وعاء من الران يحيط بالقلب، ويمتد تأثيره إلى الحواس والجوارح، فيصده ويمنعه عن الانتفاع بالذكر وآيات الله وأدلة التوحيد وعجائب القدرة الإلهية، فلا يستطيع القلب المعتل فهم القرآن وتدبره والاهتداء به.[62]
وهو مرحلة ومنزلة من غشاء الران تجعل العاصي لا ينظر إلى دلائل الله ، ولا يطيق أن يسمع كلام الله ، كأن به صمم.[63]
الحجاب
حجاب القلب المريض بالران هو وعاء وغشاء يحول بين المريض وبين فهم آيات الرحمن وتدبرها والإيمان بها، فيمنع هذا الحجاب رؤية الحق وفهمه وسماعه.[60]
فيصير بين القلب المحجوب وبين نور الحق ساتر، فلا يجتمعان لاختلاف القلب المريض عن صحة وصواب أمور الدين.[64]