هيريراصور
ظلَّ تصنيف الهيريراصور غير واضح لسنوات طويلة بعدَ اكتشافه، وذلك نظراً إلى أن الأحفورة الوَحيدة التي كانت مُكتشفة له في ذلك الوقت ليست سوى بقايا متفتتة ومتشظية إلى حد كبير، ولذا فقد وُضعت عدة فرضيَّة حول تصنيفه، منها أنه من أسلاف الثيروبودات أو الصوربوديات أو سلحيات الورك أو أنه ليسَ ديناصوراً من الأساس. لكن بالرُّغم من ذلك أصبح يُصنف الهيريراصور بعدَ اكتشاف هيكل عظمي شبه مُكتمل له في عام 1988[1][2] على أنه إما ثيروبود أو سحليُّ وركٍ قديم جداً، وقد أيَّدت هذا 5 مُراجعات حديثة على الأقل لتاريخ تطور هذه الزواحف، بينما يَعتبر العديد من الباحثين أنها أكثر الثيروبودات المَعروفة بدائيَّة.[5] كما يُعد الهيريراصور في الوقت الحاضر واحداً من أجناس فصيلة الهيريراصوريات سحليَّة الورك.[6][7] الوصفالهيريراصور هوَ لاحم ثنائيُّ الحركة خفيف البنية ذو ذيل طويل ورأس صغير نسبياً. يُقدر أن طوله تراوح من 3 إلى 6 أمتار،[2] وأن ارتفاعه حتى الكتف تجاوز 1.1 متر، وربما وزن 210 إلى 350 كيلوغراماً. وفي إحدى أحافير الديناصور المُكتشفة - التي افترض وقتها أنها تنتمي إلى جنس جديد باسم «الفرنغيوليصور» - بلغ طول جُمجمة الحيوان 56 سنتيمتراً،[8] بينما بلغ طولها في بعض الأحافير الأخرى الأصغر حجماً 30 سنتيمتراً فقط.[9] الجمجمةجُمجمة الهيريراصور نحيلة وطويلة عُموماً، لكنها كانت تفتقر تقريباً إلى جميع المُميزات التشريحيَّة المُعتادة عندَ الديناصورات،[10] إلى حدِّ أن خواصها التشريحية كانت أقرب إلى الأركوصورات البدائيَّة مثل اليوباركاريا منها إلى الديناصورات الأخرى. تملك هذه الزواحف 5 أزواج من الثقوب في جماجمها، منها زوجان لمحجري العين وثقبي الأنف، ويُوجد بينهما زوج من الثقوب أمام العينيَّة وثقبان صَغيران قطرهما سنتيمتر واحد يَقعان أمام الفك العلوي،[11] بالإضافة إلى ثقبين أخيرين وراء عينيَّين. وقد ساعدت كلُّ هذه الثقوب على تخفيف وزن جُمجمة الهيريراصور. امتلكت هذه الديناصورات مِفصلاً مرناً في الفك السفلي، يُتيح لها تحريك فكها بسُهولة إلى الأمام والخلف لتوجيه عضات قويَّة إلى الفرائس،[10] وهذه الميزة الجُمجميَّة غير مُعتادة بين الديناصورات، لكنها تطوَّرت عند بعض العظاءات الأخرى غير المُرتبطة بالهيريراصور.[12] كما تملك هذه الزواحف أسناناً كبيرة مُسننة الحواف مُجهزة لتمزيق اللحم والتهامه، أما رقبتها فهيَ نحيلة وذات مفصل مرن.[10][13] الأطرافبلغَ طول ذراعي الهيريراصور حوالي نصف طول ساقيه، وقد كانت عظمتا العضد والكعبرة في ذراعه تحديداً قصيرتين، بينما كان عظم يديه طويلاً في المُقابل. أما بالنسبة لأصابعه فانتهت ثلاث منها - هيَ الإبهام والوسطى والسبابة - بمخالب حادَّة ومنحنية مُجهزة للتشبث بالطرائد، في حين كان إصبعا الخنصر والبنصر قصيرين جداً وبدون مخالب.[2][14] كان الهيريراصور حيواناً زوجيَّ الحركة على عكس مُعظم زواحف عصره، إذ امتلك ساقين قويَّتين وقدمين طويلتين وعظم فخذ قصيراً، وهذه العلامات كلها تدلُّ على الأرجح على أنه كان عدَّاءً سريعاً. لدى أقدام هذه الزواحف خمس أصابع مثل أيديها، لكن الأصابع الثلاث الوُسطى منها فقط كانت قادرة على تحمُّل وزن الجسد، في حين لم يَكن الإصبعان الأخيران قادرين على ذلك نظراً إلى صغر حجمهما، معَ أن أحدهما امتلك مخلباً صغيراً. كان ذيل الهيريراصور غير مرن نسبياً بسبب تداخل بعض النتؤات العظميَّة الفقاريَّة فيه، لكنه لعبَ دوراً هاماً في مُوازنة الجسد ومُساعدة الحيوان على زيادة سُرعته.[9] الخواص التشريحيَّةيَلف الكثير من الغمُوض تشريح الهيريراصور، إذ أنه يَملك في الوَقت ذاته العديد من صفات الديناصورات والأركوصورات غير الديناصوريَّة، ومعَ أنه يَتشارك مع الديناصورات مُعظم خواصها التشريحيَّة فلا زالت تُوجد بعض الاختلافات بينهما، خصوصاً من ناحية هيئة عظام الفخذ والساقين. يُشبه تجويف حوض هذه الزواحف حوض الديناصورات سحليَّة الورك، لكنه يَختلف عنها قليلاً بخصوص عظم مفصل الحوض (وهيَ النقطة التي يَلتقي فيها عظم الفخذ مع عظم الحوض)، حيث أنه لا يَكون مفتوحاً إلا بشكل جزئيٍّ عندها. أما عظم الإيليوم (وهوَ عظم الفخذ الرئيسيّ) فليسَ مُرتبطاً إلا بعجزين، وهذه ميزة اكتسبها الهيريراصور من أسلافه،[9] وبالإضافة إلى ذلك فإن أصول الفقرات عنده ذات شكل ساعة رملية شبيه بالحال عندَ الألوصور.[8] التصنيفتُنسب فصيلة الهيريراصور إليه، حيث تسمى الهيريراصوريات نظراً إلى كل الديناصورات التي تضمها مُشابهة للهيريراصور، كما أنها عاشت جميعاً في العصر الترياسي المتأخر وكانت بذلك بعض أقدم الديناصورات على وجه الأرض مثله تماماً. ليسَ من الواضح بالضبط أين موقع هذه الفصيلة في الشجرة التطوريَّة الديناصوريَّة، إذ توصلت مُعظم دراسات القرن الواحد والعشرين إلى أنها أسلاف للثيروبودات، لكن بالمُقابل فربما تكون في الوَاقع أسلافاً لسحليات الورك أو ربما لا تنتمي إلى مجموعة الديناصورات من الأساس، حيث أنه من المُحتمل أنها عاشت قبل ظهور سحليَّات وطيريات الورك.[15] على الرغم من أن مُعظم الدراسات العلميَّة توصلت إلى كون الهيريراصوريَّات من أسلاف الثيروبودات الواغلة في القدم،[6] فقد رأت بعضها أنها مُجرَّد أسلاف لفرع حيويٍّ يُسمى «يو-سحليات الورك»، وهيَ مجموعة فرعيَّة من سحليات الورك تضمُّ الثيروبودات والصوربوديَّات، وهُما المجموعتان الرئيسيتان لتلك الرتبة، أي أن المقصودَ هو أن الهيريراصوريَّات أقرب تصنيفياً إلى الأسلاف الأصليَّة لرتبة سحليات الورك من الثيروبودات أو الصوربوديَّات الحقيقيَّة، وبذلك فهيَ لا تنتمي فعلياً لأي من المجموعتين لكنها تنتمي إلى الرتبة الرئيسيَّة.[16] ولجعل الأمور أكثر بلبلة فإن الربط بين الحقب الزمنيَّة لطبقات صخور الحيوانات الأرضيَّة غير دقيق، ولا يُمكن الاعتماد عليه تماماً لتقييم السلم التطوري لها.[9] ربما يَنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة - المُتفرعة من رتبة سحليات الورك الرئيسيَّة - ديناصورات الإيورابتور الذي اكتشف هوَ الآخر في تشكيل إسشيغوالاتسو بالأرجنتين مثل الهيريراصور، والستوريكوصور الذي اكتشف في تشكيل سانتا ماريا بالبرازيل،[17] والتشينديصور الذي اكتشف في تشكيل تشينل بالولايات المتحدة،[18] لكن معَ ذلك فإن العلاقات التصنيفيَّة بين هذه الديناصورات ليست مفهومة جيداً بعد ولا يَتفق عليها جميع الإحاثيِّين.[19] يُعرف بعض الباحثين فصيلة الهيريراصوريَّات على أنها المَجموعة لتي تضمُّ الهيريراصور والستوريكوصور وأحدث سلف عامٍ لهُما،[20] بينما يُعرِّفها آخرون على أنها المَجموعة التي تضم نوع «الهيريراصور. الإسشيغوالاستينيّ» وأقاربه وَحدهم.[21] وقد كان المُصنف «لانجر» عام 2004 هوَ أوَّلَ من وضع تعريفاً مبنياً على العلاقات التطوريَّة لمجموعة الهيريراصور، معَ أنه لم يَكن لفصيلة الهيريراصوريَّات نفسها بل لتحت رتيبة الهيريراصوريا.[9] تاريخ الاكتشافاتكان من أطلق اسم الهيريراصور على هذا النوع من الديناصورات هوَ الإحاثي «أوزفالدو ريغ» نسبة إلى راعي ماشية أنديزي يُدعى «فيكتورينو هيرَّا»، إذ كان أوَّل من عثرَ على أحافير الديناصور في صخور مكشوفة قرب مدينة سان جوان عام 1959،[4] وقد كانت هذه الصخور التي عثر فيها على الأحفورة جزءاً من تشكيل إسشيغوالاتسو العائد إلى العصر الترياسي المتأخر.[22] وعلى الرغم من أنه تبين لاحقاً أن الأحفورة كانت تعود إلى إيورابتور،[23] اكتشفت بعد ذلك بفترة أحفورة جديدة لديناصور آخر، فأطلق عليها ريغ اسمَ الهيريراصور.[4] وتعتبر تلك الأحفورة اليوم جزءاً من بقايا لهيريراصور إسشغوالاستيني يافع.[13] لكن ما لبث أن اكتشف هيكلان جديدان جزئيَّان معَ بقايا جمجمة، فأطلق عليهما الإحاثي «فرناندو نوفاس» اسم «فرنغويليصور الإسشغوالاستينيّ» عام 1986،[24] ويُعتبر اليوم أن تلك العينات هي الأخرى تعود إلى هيريراصور إسشغوالاستينيّ.[13] اعتقد ريغ أن الهيريراصور كان سلفاً مبكراً للكارنوصور،[4] وقد كان هذا موضع جدل بين العُلماء لمدة تزيد عن 30 عاماً بعد ذلك، ونتيجة له وُضع الجنس ضمن تصنيفات عديدة مُختلفة. ففي عام 1970 صنف بعض العلماء الهيريراصور على أنه صوربوديٌّ،[25] ثمَّ اعتبر آخرون في عام 1972 أنه غير قابل للتصنيف في مجموعة غير سحليات الورك.[26] ولاحقاً أجرى البعض تحليلات باستخدام علم التفريع على عدة أجناس من الديناصورات وتوصلوا إلى أن الهيريراصور والستوريكوصور يَقعان على منبع شجرة الديناصورات، لكن ذلك كان قبل فصل مجموعتي سلحيات وطيريات الورك.[15][20][27][28] وقد وصل الأمر معَ بعض الباحثين إلى تصنيف الهيريراصور على أنه لا يَنتمي إلى مجموع الديناصورات من أساسها.[29] لكن على الرغم من هذه الاكتشافات فلم يُعثر على جمجمة هيريراصور مُكتملة حتى عام 1988، عندما وجدها فريق من الإحاثيين بقيادة باول سيرينو.[2] وصنف بعض الباحثين الآخرين بناءً على تلك الأحفورة[30][31] ديناصور الهيريراصور على أنه يَقع عند منبع شجرة سحليات الورك، قبل أنفصام الثيروبودات والصوربوديات وأخذ كل منهما لمساره التطوري المستقل. لكن معَ ذلك فضل باول تصنيفه مع فصيلته - الهيريراصوريات - على أنهما ثيروبودات بدائيَّة. وقد أصبحَ هذان التصنيفان الآن هما الأكثر قبولاً وشيوعاً في المجتمع العلمي، ولدى كل منهما مؤيدون ومعارضون.[9][32][33][34][35] وفي حال كان الهيريراصور ثيروبوداً بالفعل فسيَعني هذا أن الثيروبودات والصوربوديات وطيريات الورك انفصمت عن بعضها البعض قبلَ ظهور الهيريراصوريات، أي قبل الفترة الكارنية، وسيَعني أيضاً أن «كلاً من مسارات الديناصورات التطورية الثلاث طورت بشكل مستقل عن الأخرى خواصاً ديناصورية مُتعددة، كمفصل الكاحل المُتطور على سبيل المثال».[36] وتدعم هذا الرأي أكثر سجلات الأحافير التي اكتشفت فيها آثار أقدام كبيرة ثلاثيَّة الأصابع لا يُمكن أن تنسب إلا لثيروبود، وتعود هذه الآثار إلى الفترة اللادينية (الترياسي الوسيط) في «تشكيل لوس راستروس» بالأرجنتين، مما يَعني أنها سبقت ظهور الهيريراصور بحوالي 3 إلى 5 ملايين سنة.[37][38] لدى دراسة الديناصورات الواغلة في القدم مثل الهيريراصور والإيورابتور فوائد كبيرة في مجال بحث الديناصورات كمجموعة أحادية العرق (أي مجموعة انحدرت بكاملها من سلف مشترك واحد). كانت أوَّل مرة طرحت فيها فكرة أحادية عرق الديناصورات بوضوح في السبعينيات، عندما اقترحها الإحاثيان «غالتون» و«روبرت ت. باكر»،[39][40] إذ جمعا قائمة بالتشابهات التشريحية الجمجميَّة والهيكليَّة التي اكتسبتها الديناصورات من سلفها المشترك الواحد (ولاحقاً وضعا قائمة أخرى بالمزيد من التشابهات المُحتملة).[15][20] لكن معَ ذلك وجدت دراسة مُفصَّلة للهيريراصور أجريت عام 1992 أن تشابهاً جمجمياً واحداً وبضع تشابهات هيكلية فقط من بين جميع هذه التشابهات التشريحيَّة كانت مُكتسبة فعلاً من السلف المشترك، في حين أن الأخرى جميعاً كان يُمكن نسبها إلى التطور التقاربي (وبالإضافة إلى ذلك اقترحت الدراسة الجديد بنفسها عدداً جديداً من التشابهات).[2] الخواص البيئيةمعَ أن شكل جسد الهيريراصور العامّ كان مُشابهاً للديناصورات اللاحمة الكبيرة أكثر من غيرها، فقد عاش في الوَاقع قبل 230 مليون سنة، أي عندما كانت لا تزال الديناصورات كائنات صغيرة وضئيلة الحجم. ففي تلك الفترة كانت الزواحف المهيمنة على الأرض هيَ تلك غير الديناصوريَّة، وكانت حقبة مفصليَّة في تاريخ بيئة الكوكب. وبالنسبة لمحيط الهيريراصور نفسه، فقد تألفت أحافير الحيوانات الفقاريَّة في تشكيل إسشوالاتسو - الذي اكتشفت فيه أولى عظام هذا الديناصور - ولاحقاً «تشكيل لوس كولورادوس» بشكل رئيسيٍّ من أنواع مختلف من الأركوصورات ووالزواحف الثديّيَّة،[41][42] فعلى سبيل المثال في إسشغوالاتسو لا تمثل الديناصورات سوى نسبة 6% من إجماليّ عدد الأحافير التي اكتشفت فيه، وبذلك فكان الهيريراصور فريداً من نوعه في تلك البيئة.[43] لكن بالرغم من هذه الحال خلال حقبة الهيريراصور، فبنهاية العصر الترياسي أصبحت الديناصورات الحيوانات المُهمينة على كوكب الأرض وحلت مكان الزواحف الأخرى القديمة مثل الأركوصورات والزواحف الثديية، والتي انحدرت أعدادها وأصبحت محدودة أكثر بعد ذلك.[44] المرجع
|