مبعدو مرج الزهور هم 415[1] ناشطاً إسلامياً فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام 1967، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإبعادهم إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان. تم هذا الإبعاد في 17 ديسمبر من عام 1992. والمبعدون ينتمون إلى حركتي حماسوالجهاد الإسلامي -أغلبهم من حماس- وقام هؤلاء المبعدون بالمرابطة في مخيم العودة لإرغام سلطات الاحتلال على إرجاعهم وقد نجحوا في ذلك.[2][3] ويُنظر إلى حدث "مرج الزهور"، باعتباره واحدًا من الأحداث التي ساهمت في تحول حركة حماس، إلى حركة جماهيرية.[4]
جاء الاعتقال والإبعاد بعد أن نفذت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية أسر جندي إسرائيلي، وطالبت حكومة الاحتلال بإطلاق سراح معتقلين من حركة حماس على رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين قبل الساعة 9 من اليوم التالي وإلا فإن كتائب القسام ستقوم بقتل الجندي الإسرائيلي.[5]
وفي مساء اليوم التالي أعلنت كتائب عز الدين القسام عن قتل الجندي الإسرائيلي لعدم انصياع حكومة الاحتلال لمطالب الجهاز العسكري، ثم اجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي في17 ديسمبر1992 واتخذ قراراً بإبعاد كافة قادة حركة حماس وعددًا من قادة الجهاد الإسلامي.
اعتُقِل الدعاةُ والمجاهدون من حركة حماس والجهاد، وانتظر المعتقلون ثلاثة أيام وهم لا يعرفون شيئاً عن مصيرهم، سوى أن هناك عددًا من الاعتقالات طالت عناصر وقيادات حركتهم تنفذ منذ ثلاثة أيام، قارب عدد من اعتقل فيها الألف شخص.[6]
خلال هذه الأيام كانت المخابرات الإسرائيلية تعمل على قدم وساق من أجل إعداد قائمة كاملة للمعتقلين الذين سيبعدون، وكانت تحركات وتنقلات المعتقلين التابعين لحركة حماس في السجون الإسرائيلية غاية في الغرابة والتعقيد، بحيث لم تكن الأمور اعتيادية بل كانت على دفعات، ولم يكن يعلم هؤلاء الذين يؤخذون بأنهم سينقلون عبر الطائرات (الهليوكوبتر) أو الحافلات إلى منطقة واقعة على الحدود الفلسطينية المحتلة - اللبنانية.[7]
جُمع كافة الأشخاص الذين اتخذ بحقهم قرار الإبعاد وهم أربعمائة وستة عشر (416) شخصاً كان معظمهم من حركة حماس وعدد قليل من حركة الجهاد الإسلامي (قرابة 40 شخصاً)، ولم يتوقع المعتقلون أن تقوم السلطات الإسرائيلية بإبعادهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.[8]
بداية الرحلة
أنزل الجنود الإسرائيليون كافة المعتقلين من الحافلات والطائرات وبدأوا بفك قيودهم ورفع الأربطة عن أعينهم وقاموا بتحميلهم على ظهر شاحنات نقل تجارية، وقد وصل عدد الشاحنات الناقلة إلى ست شاحنات وكان يملكها أشخاص دروز يعملون في النقل بين الحدود اللبنانية والفلسطينية المحتلة.
سارت الشاحنات مسافة خمسة كيلو مترات في اتجاه الحدود اللبنانية فيما يعرف بالمنطقة المحرمة وعند اقتراب الشاحنات من الحدود اللبنانية خرج الجنود اللبنانيون واعترضوا الشاحنات وطلبوا من المعتقلين عدم النزول من الشاحنات والعودة من حيث أتوا حيث لا يوجد قرار من الحكومة اللبنانية بإدخالهم إلى لبنان.
عادت الشاحنات أدراجها إلى المطلة ولكن قامت القوات الإسرائيلية بفتح النيران بكثافة شديدة باتجاه الشاحنات والمبعدين الفلسطينيين، الأمر الذي جعل سائقي الشاحنات يعودون للخلف ويطلبون من المعتقلين النزول من الشاحنات حيث لا مفر لهم سوى البقاء بين مطرقة الأسلحة الإسرائيلية وسندان القرار اللبناني بعدم السماح لهم بالدخول.
نزل المبعدون جميعاً من الشاحنات وحاولوا الجلوس بالقرب من وطنهم الذي أُبعدوا عنه لكن النيران الإسرائيلية منعتهم من التقدم وكان الفجر قد بدأ في البزوغ.
فقرر المبعدون الفلسطينيون البدء بأخذ زمام المبادرة حيث باتوا على قناعة تامة الآن بأنهم فعلاً قد أُبْعِدُوا إلى جنوب لبنان وأنهم قد أصبحوا خارج الوطن، فقرروا أن يجلسوا في أقرب منطقة يوجد بها ماء، وفعلاً وجد المبعدون أنفسهم -بعد لحظات من المسير- في منطقة تلّية بين نهرين من الماء، فقرروا الجلوس بها وأقاموا تلة المبعدين.
فيما بعد عرف المبعدون أن هذه المنطقة التلية التي أقاموا بها تسمى (مرج الزهور) وهي قرية لبنانية يقطنها سكان لبنانيون سنيون.
اختيار المكان
استقر المبعدون في هذا المكان (مرج الزهور) والذي ارتبط فيما بعد بهم حيث أصبح يطلق على المبعدين مصطلح (مبعدي مرج الزهور)، كان البرد شديداً بل قارساً، وإضافة إلى ذلك كانت تهطل عليهم الثلوج، ولم يكن لدى المبعدين أي ملابس إضافية أو خاصة تقيهم هذا البرد الثلجي الذي لم يعتادوا عليه في حياتهم، كانوا قد رُحّلوا بنفس الملابس التي خرجوا بها من بيوتهم لحظة اعتقالهم ولم تكن تلك الملابس تقيهم برد هذه المنطقة القارس.
كانت اللحظات الأولى في غاية القسوة هذا إذا ما أضفنا لها المسألة النفسية الصعبة جداً وهي تقبل فكرة الإبعاد عن الوطن والأهل هكذا في لحظات قليلة، بدون سوابق إنذار وبدون أمل أو يقين بأن هذا الأمر سيكون لفترة بسيطة، لقد كان الأمر في غاية التعقيد واليأس والتعب.
استيقظ العالم صباح ذلك اليوم على قرار الاحتلال بإبعاد قادة حماس والجهاد إلى جنوب لبنان فبدأت وسائل الإعلام بالتحرك السريع لتغطية الخبر، كما بدأت المؤسسات الدولية والإنسانية بالتحرك من أجل المساعدة في تجاوز محنات هذا القرار الأرعن.
كان الصليب الأحمر الدولي أول من وصل إلى المبعدين في مرج الزهور، وقد نقل لهم الخيام والأغطية وبعض المستلزمات الأساسية الأولية للاستقرار، وبدأت وسائل الإعلام بالتحرك لتنقل وقائعهم صورة وصوتاً وحدثا.
وقد عرف المبعدون حينها أن القرار اللبناني برفض دخولهم لبنان اتخذ بناء على اتصالات بين قيادات حركة حماس في الخارج وبين الحكومة اللبنانية من أجل خلق ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإعادتهم إلى الوطن بدلاً من إبعادهم مدى الحياة.
تنظيم الصفوف
يقول أحد المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة فقد شكلوا لجان مختلفة منها: اللجنة الإعلامية التي يترأسها د. عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية والدكتور عزيز دويك المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضا اللجنة المالية واللجنة الاجتماعية واللجنة الرياضية ولجنة الدعوة وغيرها من اللجان الفاعلة، وقاموا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم وأطلقوا عليها اسم «جامعة ابن تيمية»، وكان هناك دورات التجويد وحفظ القرآن ودورات الكاراتيه والخط والخطابة ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التي تم تلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابهم العديد من المهارات والعلوم الدينية والدنيوية.
نوعية المبعدين
كان المبعدون من مختلف الشرائح الاجتماعية منهم الطبيب والمهندس والشيخ والعامل والموظف والقاضي والتاجر، وكانت تضم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال العائدون من مرج الزهور: إن رحلة الإبعاد عادت عليهم بالخير الكبير على عكس ما أراد الاحتلال، ويذكر الأستاذ حسني البوريني ذلك بالقول: "أرادت الحكومة (الإسرائيلية) من عملية الإبعاد إيقاف المقاومة وإضعاف الحركة الإسلامية بإبعاد رجالاتها، إلا أن إرادة الله فوق كل اعتبار فحولنا المحنة إلى منحة زادت من رصيد الحركة الإسلامية ليست الفلسطينية فحسب بل العالمية، فقد دخل بعض زوار المخيم من الصحفيين في الإسلام من خلال حسن تعاملنا، ومن خلال عملية الإبعاد وصل صوت الحركة الإسلامية إلى أكثر من 100 دولة من خلال جيش الصحفيين والتي كانت الوفود منهم يومية، فعرضنا وجهة نظرنا وأسمعنا العالم صوتنا، وعرف العالم حقيقة الحكومة الصهيونية التي تدعي حماية حقوق الإنسان".
كما يروي الطبيب عمر فروانة، استشهد في حرب 2023 على غزة، قصة عن تفاعل المبعدين الفلسطينيين مع أهالي المنطقة في لبنان، إذ قاموا بتأسيس عيادة طبية لخدمة أهالي المنطقة.[9]
متحدث رسمي
برز عبد العزيز الرنتيسي القيادي السابق في حركة حماس والذي اغتالته القوات الإسرائيلية لاحقاً، برز كمتحدث رسمي باسم مبعدي مرج الزهور.
ولقد قام المبعدون في تأكيد منهم على أنهم رواد حرية وطلاب علم بإنشاء جامعة في المخيم وقد عملت الجامعة -جامعة مرج الزهور/ابن تيمية- بحرفية عالية ودرست العديد من المساقات وخرجت الكثير من الطلاب من بين المبعدين.
وتم التواصل مع الجامعات في فلسطين لاعتماد خريجي جامعة مرج الزهور متحدين كل محاولات الصهاينة لتهميشهم وإثبات تهمة الإرهاب عليهم!
كان رئيس هذه الجامعة هو د.موسى الأقطم، ونائبه هو د.سالم سلامة، بالإضافة إلى د.عاطف عدوان، ود.عزيز دويك، ود.عزام سلهب، ود.فارس أبو معمر، ود. عبد الفتاح العويسي.
ردود فعل
صدرت العديد من ردود الفعل المستنكرة لهذا الفعل، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 799 الذي يدين تصرف إسرائيل ويطالبها بالتكفل بإرجاع كافة المبعدين، حيث وصف هذا القرار إسرائيل بأنها تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف لسنة 1948.
عودتهم إلى وطنهم
بقي هؤلاء المبعدون في مرج الزهور حتى عادوا على مراحل، فكان أول العائدين: باسم السيوري، أصغر المبعدين سنًا، الذي أعلن الاحتلال أنَّه أُبعد خطأ وأعاده إلى بيته؛ والمبعد المريض زهير لبادة الذي أعيد إلى السجون الإسرائيلية. وتم ذلك في 7/1/1993.
ثمَّ أعيد 17 شخصًا آخر إلى السجون الإسرائيلية في 23/1/1993، وأعلن الاحتلال أنَّهم أبعدوا خطأ، وأعيد المريض المبعد علي سويعد أبو عجوة في 21/6/1993، ثمَّ عادت الدفعة الأولى المكونة من 189 شخصًا في 9/9/1993، اختار منها 8 مبعدين عدم العودة، وتلتها الدفعة الأخيرة المكونة من 214 شخصًا في 17/12/1993، اختار منها 19 مبعدًا عدم العودة.
زيارة المكان بعد 27 عام
بعد نحو 27 عاماً وفي في 13 أيلول 2020 زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماسإسماعيل هنية منطقة مرج الزهور في لبنان، واستذكر ذكريات الإبعاد، وقال «إنها جبال نحبها وتحبنا، لأن على وقعها صنعت الانتصارات، وكتبت صفحات المجد والعودة إلى فلسطين في خيام منعزلة، وجسدوا معاني النضال والثبات الفلسطيني، فضلا عن ضربهم النموذج في الأخوة الصادقة والإيثار،» وقال «إنه لا يمكن أن ينسى الترحاب من سكان المنطقة ومساندتهم بما يمتلكون من بساطة العيش للمبعدين، ووقوف لبنان وشعبها وقيادتها ومقاومتها إلى جانب موقف المبعدين وصمودهم وتعزيز عناصر الصمود لهم، وإن تاريخا مشتركا بين حركة حماس ولبنان كتب في هذه المنطقة»، مستذكرا في الوقت نفسه العديد من الشهداء والقادة الذين رافقهم في رحلة الإبعاد.[10][11]
^"The Mass Deportation of 1992". بتسيلم - مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. 1 يناير 2011. مؤرشف من الأصل في 2019-06-11. اطلع عليه بتاريخ 2014-12-20.