تنفس السائل

تنفس السائل

تنفس السائل (Liquid breathing) هو شكل افتراضي من أشكال التنفس يقوم فيه كائن يستطيع تنفس الهواء طبيعياً بتنفس غاز الأكسجين من سائل غني به (مثل مركبات بيرفلوروكربون) بدل تنفس أكسجين الهواء.

تمتاز مركبات بيرفلوروكربون بأن انحلالية غاز الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون فيها أكبر من الدم. [1] ويتيح التنوع في تلك المركبات من حيث اختلاف الانحلالية والكثافة واللزوجة وضغط البخار وانحلالية الدهون فيه إلى وجود تطبيقات مختلفة ممكنة لها.[2]

بالتالي، على أساس نظري بحت يمكن استخدام وسيلة تنفس السائل في تطبيقات طبية، أو كوسيلة مقترحة لاستخدامها في الغوص العميق،[3][4] أو في رحلات الفضاء المأهولة.[5]

مازال تنفس السائل تقنية تجريبية بحتة، لذا توجد عدة أساليب مقترحة.

المقاربات

التهوية السائلة الكلية

ربما تكون التهوية السائلة الكلية (TLV) التي تمتلئ فيها الرئتان بالسائل مفيدة،[6] إلا أن نظام الأنابيب المملوءة بالسائل المطلوب معقد، ويعد أحد العيوب مقارنةَ بالتهوية الغازيّة - يجب أن يتضمن النظام مِكساجًا غشائيًا وسخانًا ومضخات مهمتها توصيل جزيئات البيرفلوروكربون إلى السعة الحيوية للرئة، وتصريفها. أكدت مجموعة بحثية قادها توماس إتش. شافر أن استخدام المعالجات الدقيقة والتكنولوجيا الحديثة، سيجعل التحكم بمتغيرات الجهاز التنفسي كالسعة المتبقية الوظيفية السائلة والحجم الجاري في التهوية السائلة الكلية أفضل منها في التهوية الغازية.[7][8][9] وبالتالي، تستدعي التهوية السائلة الكلية جهاز تهوية مخصص لتنفس السائل مماثل لجهاز التنفس الاصطناعي إلا أنه يستخدم سائل التنفس. جُربت نماذج أولية عدة على الحيوانات، لكن يوصي الخبراء بمواصلة تطوير جهاز تنفس السائل وصولًا إلى استخدامه في تطبيقات سريرية.[10] يخضع حاليًا جهاز تنفس سائل اصطناعي (إنوليفنت) للدراسة قبل السريرية والتطوير المشترك في كندا وفرنسا.[11] التطبيق الرئيسي لجهاز التنفس الاصطناعي السائل هذا هو بدء خفض الحرارة العلاجي على نحو سريع جدًا بعد توقف القلب. وثبت أن هذا النمط أكثر أمانًا من التبريد الأبطأ في تجارب توقف القلبية.[12]

التهوية السائلة الجزئية

التهوية السائلة الجزئية (PLV) تقنية يجري فيها غرس البيرفلوروكربون في الرئة بحجم يقارب السعة المتبقية الوظيفية (نحو40% من سعة الرئة الكلية). توفر التهوية الميكانيكية التقليدية أنفاس الحجم الجاري زيادة على السعة المتبقية الوظيفية المشغولة بالسائل.[13] يبدو هذا النمط من التهوية السائلة حاليًا أكثر جدوى من الناحية التقنية من التهوية السائلة الكلية، إذ يمكن للتهوية السائلة الجزئية أن تستخدم التكنولوجيا المتوفرة حاليًا في الكثير من وحدات العناية المركزة للولدان (NICU) في كل أنحاء العالم.

دُرس تأثير التهوية السائلة الجزئية على الأكسجة والتخلص من ثنائي أكسيد الكربون وميكانيك الرئة في دراسات حيوانية كثيرة باستخدام نماذج مختلفة من إصابات الرئة.[13] أُبلغ عن التطبيقات السريرية للتهوية السائلة الجزئية عند الوِلدان المصابين بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS)، أو متلازمة استنشاق العقي، أو فتق الحجاب الحاجز الخلقي، أو متلازمة الضائقة التنفسية (RDS). لتطبيق التهوية السائلة الجزئية بشكل صحيح وفعال يجب:

  1. استخدام جرعة صحيحة للوصول إلى حجم رئوي معين (10-15 مل/كغ) لتشغيل الحجم السنخي
  2. تعديل جرعة البيرفلوروكربون في الرئة (1-2 مل/كغ/ساعة) لتعويض تبخره من الرئة.

في حال عدم صيانة سائل البيرفلوروكربون في الرئة، لن تتمكن التهوية السائلة الجزئية من حماية الرئة بشكل فعال من القوى الفيزيائية الحيوية المرافقة لاستخدام جهاز التنفس الاصطناعي الغازي.

لم تُطور بعد أنماط تطبيقية جديدة للتهوية السائلة الجزئية.[14]

تنطوي التهوية السائلة الجزئية على ملء الرئتين بسائل. السائل هو مركب كربوني مشبع بالفلور (بيرفلوروكربون)، يسمى أيضًا ليكويفنت أو بيرفلوبرون. يمتاز هذا السائل ببعض الخصائص الفريدة. فهو ذو توتر سطحي منخفض جدًا، مماثل للسورفاكتانت، وهي مادة تُنتج في الرئتين لمنع الحويصلات الهوائية من الانخماص والالتصاق عند الزفير. كثافة البيرفلوروكربون عالية، ينتشر الأكسجين بسهولة عبره، وقد يكون له بعض الخصائص المضادة للالتهاب. في التهوية السائلة الجزئية، تُملأ الرئتان بالسائل، ثم تجري تهوية المريض باستخدام جهاز التنفس التقليدي باستخدام إستراتيجية تهوية واقية للرئة. ويسمى هذا بالتهوية السائلة الجزئية. الغاية أن يساعد السائل على إيصال الأكسجين إلى أجزاء من الرئة مغمورة وممتلئة بالحطام، يفيد السائل في إزالة هذا الحطام وفتح المزيد من الحويصلات الهوائية لتحسين وظائف الرئة. يجب عند دراسة تنفس السائل الجزئي مقارنته باستراتيجية التهوية المبرمجة المصممة لتقليل تلف الرئة.[15][16]

بخار البيرفلوروكربون

تبين أن تبخير البيرفلوروكربون باستخدام اثنتين من مواد التخدير الُمبخِرة التي جرت معايرتها خصيصًا للبيرفلوروكربون يُحسن تبادل الغازات في أذية الرئة المحدثة بحمض الأوليك عند الأغنام.[17]

تكون مركبات البيرفلوروكربون ذات ضغط البخار المرتفع مناسبة للتبخير.

ضبوبات البيرفلوروكربون

ظهر تحسن لافت في الأكسجة وميكانيك الرئة بعد استخدام ضبوبات البيرفلوروأوكتان عند الأغنام البالغة المصابة بأذية رئوية محدثة بحمض الأوليك. عند الخنازير مُستنزَفة السورفاكتانت، ظهر تحسن ثابت في التبادل الغازي وميكانيك الرئة عند استخدام ضبوبات البيرفلوروكربون، جهاز الضبوب ذو أهمية حاسمة في فاعلية تطاير البيرفلوروكربون، إذ ثبت أن تطاير البيرفلوروأوكتان (الأقل نقاء من فلورينرت) غير فعال عند استخدام جهاز ضبوب مختلف عند الأرانب مستنزفة السورفاكتانت. خفضت التهوية السائلة الجزئية وضبوبات البيرفلوروكربون الاستجابة الالتهابية الرئوية.[18][19]

الاستخدامات المقترحة

في الغوص

يزداد ضغط الغاز مع العمق، إذ يرتفع بنحو 1 بار (14.5 رطل لكل بوصة مربعة (100 كيلو باسكال)) كل 10 أمتار حتى الوصول إلى أكثر من 1000 بار في قاع خندق ماريانا. تزداد خطورة الغوص مع زيادة العمق، ويمثل الغوص العميق الكثير من المخاطر. تتعرض كل الحيوانات التي تتنفس على السطح إلى مرض تخفيف الضغط (داء الغواص)، بما فيها الثدييات المائية والبشر الذين يمارسون الغوص الحر.[20] يمكن أن يسبب التنفس في العمق التخدر النيتروجيني وسمية الأكسجين. يمكن أن يسبب حبس النفس خلال الصعود نحو السطح بعد التنفس في العمق صمة هوائية أو انفجار الرئة أو انخماص الرئة.

تٌستخدم مخاليط غاز التنفس الخاصة مثل تريميكس أو هيليوكس لتقليل خطر الإصابة بأمراض الضغط ولكنها لا تمنع حدوثها بالكامل. يمنع الهليوكس حدوث التخدر النيتروجيني لكنه يُعرض الشخص لخطر حدوث رعاش الهيليوم في أعماق تحت 500 قدم (150 م). تحافظ بدلات الغوص الجوية على ضغط الجسم والتنفس عند ضغط 1 بار، ما يقي من معظم مخاطر النزول والصعود والتنفس في الأعماق. لكن هذه البدلات صلبة وكبيرة الحجم وغير متقنة ومكلفة جدًا.

يقدم التنفس السائل خيارًا ثالثًا،[21] فهو يوفر سهولة الحركة التي تمنحها بدلات الغوص المرنة ويقلل المخاطر كما تفعل البدلات الصلبة. بوجود سائل في الرئتين، يتمكن الضغط داخل الرئة من استيعاب التغيرات في ضغط الماء المحيط دون التعرض للضغط الجزئي الغازي الكبير الناتج عند امتلاء الرئة بالغاز. لا يؤدي التنفس السائل إلى إشباع أنسجة الجسم بالنيتروجين عالي الضغط أو الهيليوم مثلما يحدث عند استخدام غير السوائل، لذا يقلل أو يلغي الحاجة إلى تخفيف الضغط ببطء.

اقرأ أيضاً

المراجع

  1. ^ Gabriel، J. L.؛ Miller Jr، T. F.؛ Wolfson، M. R.؛ Shaffer، T. H. (1996). "Quantitative structure-activity relationships of perfluorinated hetero-hydrocarbons as potential respiratory media: application to oxygen solubility, partition coefficient, viscosity, vapor pressure, and density". ASAIO Journal. ج. 42 ع. 6: 968–973. DOI:10.1097/00002480-199642060-00009. PMID:8959271. مؤرشف من الأصل في 2016-03-04.
  2. ^ Shaffer، Thomas H.؛ Wolfson، Marla R.؛ Clark، Leland C. (أكتوبر 1992). "Liquid ventilation". Pediatric Pulmonology. ج. 14 ع. 2: 102–109. DOI:10.1002/ppul.1950140208. PMID:1437347.
  3. ^ Kylstra JA (1977). The Feasibility of Liquid Breathing in Man. Durham, NC: Duke University. ج. Report to the US Office of Naval Research. مؤرشف من الأصل في 2011-08-22. اطلع عليه بتاريخ 2008-05-05.
  4. ^ "menfish". مؤرشف من الأصل في 2016-03-13. اطلع عليه بتاريخ 2008-05-17.
  5. ^ "Liquid Breathing - Medical uses". مؤرشف من الأصل في 2012-04-04. اطلع عليه بتاريخ 2008-05-17.
  6. ^ Wolfson, Marla R.; Hirschl, Ronald B.; Jackson, J Craig; Gauvin, France; Foley, David S.; Lamm, Wayne J. E.; Gaughan, John; Shaffer, Thomas H. (May 2008). "Multicenter Comparative Study of Conventional Mechanical Gas Ventilation to Tidal Liquid Ventilation in Oleic Acid Injured Sheep". ASAIO Journal (بالإنجليزية). 54 (3): 256–269. DOI:10.1097/MAT.0b013e318168fef0. ISSN:1058-2916. PMID:18496275.
  7. ^ Cox CA, Stavis RL. Wolfson MR, Shaffer TH؛ Stavis؛ Wolfson؛ Shaffer (2003). "Long-term tidal liquid ventilation in premature lambs: Physiologic, biochemical and histological correlates". Biol. Neonate. ج. 84 ع. 3: 232–242. DOI:10.1159/000072307. PMID:14504447.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
  8. ^ Libros، R.؛ Philips، C. M.؛ Wolfson، M. R.؛ Shaffer، T. H. (سبتمبر 2000). "A perfluorochemical loss/restoration (L/R) system for tidal liquid ventilation". Biomedical Instrumentation & Technology. ج. 34 ع. 5: 351–360. ISSN:0899-8205. PMID:11098391.
  9. ^ Heckman، J. L.؛ Hoffman، J.؛ Shaffer، T. H.؛ Wolfson، M. R. (مايو 1999). "Software for real-time control of a tidal liquid ventilator". Biomedical Instrumentation & Technology. ج. 33 ع. 3: 268–276. ISSN:0899-8205. PMID:10360217.
  10. ^ Costantino، ML؛ Micheau، P؛ Shaffer، TH؛ Tredici، S؛ وآخرون (2009). "Clinical design functions: Round table discussions on bioengineering of liquid ventilators". ASAIO J. ج. 55 ع. 3: 206–8. DOI:10.1097/MAT.0b013e318199c167. PMID:19282746.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: أسماء عددية: قائمة المؤلفين (link)
  11. ^ "Inolivent". مؤرشف من الأصل في 2020-04-09.
  12. ^ Kohlhauer, Matthias; Lidouren, Fanny; Remy-Jouet, Isabelle; Mongardon, Nicolas; Adam, Clovis; Bruneval, Patrick; Hocini, Hakim; Levy, Yves; Blengio, Fabiola (Oct 2015). "Hypothermic Total Liquid Ventilation Is Highly Protective Through Cerebral Hemodynamic Preservation and Sepsis-Like Mitigation After Asphyxial Cardiac Arrest*". Critical Care Medicine (بالإنجليزية). 43 (10): e420–e430. DOI:10.1097/CCM.0000000000001160. ISSN:0090-3493. PMID:26110489. Archived from the original on 2020-04-09.
  13. ^ ا ب Clark, L. C.; Gollan, F. (24 Jun 1966). "Survival of Mammals Breathing Organic Liquids Equilibrated with Oxygen at Atmospheric Pressure". Science (بالإنجليزية). 152 (3730): 1755–1756. Bibcode:1966Sci...152.1755C. DOI:10.1126/science.152.3730.1755. ISSN:0036-8075. PMID:5938414.
  14. ^ Hlastala, Michael P.; Souders, Jennifer E. (Jul 2001). "Perfluorocarbon Enhanced Gas Exchange: The Easy Way". American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine (بالإنجليزية). 164 (1): 1–2. DOI:10.1164/ajrccm.164.1.2104021a. ISSN:1073-449X. PMID:11435228. A significant positive step was the use of PFC-associated gas exchange, now termed partial liquid ventilation (PLV).
  15. ^ Hirschl, Ronald B.; Pranikoff, T; Wise, C; Overbeck, MC; et al. (7 Feb 1996). "Initial Experience With Partial Liquid Ventilation in Adult Patients With the Acute Respiratory Distress Syndrome". JAMA: The Journal of the American Medical Association (بالإنجليزية). 275 (5): 383. DOI:10.1001/jama.1996.03530290053037. ISSN:0098-7484.
  16. ^ Verbrugge، S.J.C.؛ Lachmann، B. (1 سبتمبر 1997). "Partial liquid ventilation". European Respiratory Journal. ج. 10 ع. 9: 1937–1939. DOI:10.1183/09031936.97.10091937. PMID:9311481.[وصلة مكسورة] (editorial)
  17. ^ Bleyl, Jorg U.; Ragaller, Maximilian; Tscho, Uwe; Regner, Mike; Kanzow, Maria; Hubler, Matthias; Rasche, Stefan; Albrecht, Michael (Aug 1999). "Vaporized Perfluorocarbon Improves Oxygenation and Pulmonary Function in an Ovine Model of Acute Respiratory Distress Syndrome". Anesthesiology (بالإنجليزية). 91 (2): 461–469. DOI:10.1097/00000542-199908000-00021. ISSN:0003-3022. PMID:10443610. Vaporization is a new application technique for perfluorocarbon that significantly improved oxygenation and pulmonary function in oleic acid-induced lung injury.
  18. ^ Kandler, Michael A.; von der HARDT, Katharina; Schoof, Ellen; Dötsch, Jörg; Rascher, Wolfgang (Jul 2001). "Persistent Improvement of Gas Exchange and Lung Mechanics by Aerosolized Perfluorocarbon". American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine (بالإنجليزية). 164 (1): 31–35. DOI:10.1164/ajrccm.164.1.2010049. ISSN:1073-449X. PMID:11435235. Aerosolized perfluorocarbon improved pulmonary gas exchange and lung mechanics as effectively as PLV did in surfactant-depleted piglets, and the improvement was sustained longer.
  19. ^ Von Der Hardt، Katharina؛ Schoof، Ellen؛ Kandler، Michael A؛ Dötsch، Jörg؛ Rascher، Wolfgang (فبراير 2002). "Aerosolized Perfluorocarbon Suppresses Early Pulmonary Inflammatory Response in a Surfactant-Depleted Piglet Model". Pediatric Research. ج. 51 ع. 2: 177–182. DOI:10.1203/00006450-200202000-00009. ISSN:0031-3998. PMID:11809911. In a surfactant-depleted piglet model, aerosol therapy with perfluorocarbon but not LV-PLV reduces the initial pulmonary inflammatory reaction at least as potently as PLV at FRC volume.
  20. ^ Lippsett، Lonny (5 أبريل 2005). "Even Sperm Whales Get the Bends". Oceanus. ج. 44 ع. 1. مؤرشف من الأصل في 2010-06-05. اطلع عليه بتاريخ 2010-08-03.
  21. ^ Kylstra، J. A. (سبتمبر 1974). "Liquid breathing". Undersea Biomedical Research. ج. 1 ع. 3: 259–269. ISSN:0093-5387. PMID:4619862.