وقوف على أطلالالوقوف على الأطلال هي ظاهرة برزت عند الشعراء الجاهليين، فقد افتتحوا قصائدهم بالوقوف على الأطلال، أي بالوقوف على آثار ما تبقى من ديار المحبوبة. ومن الصور الشائعة في المقدمة الطللية أن يبدأ الشاعر بذكر الديار وقد عفت أو كادت آثارها أن تمحى، ثم يذكر الديار ويحدد مكانها بذكر ما جاورها من مواضع، ثمّ ينعتها بعد أن سقطت عليها الأمطار، ونما عليها العشب فاتخذتها الحيوانات مرتعا تقيم فيه وتتوالد.[1] من ملامح الوقفة الطللية[2]مناداةُ الدارِ وذكرهاالشاعر يذكر الدارَ مثلاً من خلال استفهام إنكاري حيثُ يسأل ويعرف الجواب، ولكنَّهُ يعبِّرُ عن حالةٍ إنسانيةٍ عميقةٍ تتجلَّى في دهشته وحسرته على ما يرى من الدمار في الطلل، كقول (زهير بن أبي سلمى): لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الحُجْرِ أقويْنَ مِنْ حُجَجٍ ومِنْ دَهْرِ ذكر اسم المحبوبةفهي رمزٌ فنِيٌّ مفتوحُ الدِّلالةِ تبعاً للحالة النفسية للشاعر، فمثلاً (زُهيْر بنِ أبِي سُلمَى) يذكر محبوبته للدلالة على الوفاء بالعهودِ التِي قطعتها القبائل المتحاربة عندما تصالحوا، فيقولُ: أمِنْ أُمِّ أوفَى دِمْنةٌ لَمْ تَكلَّمِ بِحومانةِ الدرَّاجِ فالمتثلَّمِ ذِكْرُ الريحِ والمطرِ والزمانِ والدهرِبوصفِها رموزاً دالةً على الشرِّ والاعتداء، كقولِ (امرِؤ القيس): حَيِّ الدِّيارَ التِي أبلَى معالِمَها عواصفُ الصَّيْفِ بِالْخَرْجاءِ والْحقَبِ ذكر الأمكنة والبكاءدلالةً على مصداقية التجربة وواقعيتها، كقولِ (عبيد بن الأبرص): لِمَنِ الدِّيارُ بِصاحةٍ فَحروسِ دَرَسَتْ مِنَ الإقفارِ أيَّ دروسِ وكثيْرٌ من الشعراء بكوا أو ذكروا الدموع عند الطللِ، فللوقفة الطللية بُعدٌ نفسِيٌّ يرتبطُ بإحساس الشاعر بتبدُل الحياة، وكثيراً ما يتبع وقوف الشاعر في الطلل وسؤاله إيَّاه عن مصير الأحبة البكاءُ كقولِ (النابغة الذبيانِي): وقفْتُ بِها القلوصَ على اكتئابٍ وذاكَ تـفارُطُ الشَّوقِ المُعنِّي أُسائِلُها وقد سُفِحتْ دمـوعِي كأنَّ مفيْضَهُنَّ غروبُ شَـنِّ وقت الوقوفتبعاً للحالة النفسية للشاعر، فالنابغة الذبيانِي إزاء غضب الملك النعمان، يشعر بضياع كلِّ شيءٍ، فيكون وقت وقوفه عند الغروب والأصيل: وقفْتُ فيْها أُصيلاناً أُسائِلُها عيَّتْ جواباً وما بالربعِ من أحدِ؟ ذكر الوشوممن خلال تشبيه بقايا الطلل بِها، وذكر الحيوانات والنباتاتِ، وتشبيه الأطلالِ بالكتابةِ، ويشبهُ بعضُ الشعراءِ الأطلال بالكتابةِ المتجددةِ لإضفاء الحياةِ على الطللِ، يقولُ (زهير بنِ أبي سلمى) مشبهاً دار (أم أوفى) بالوشم على المعصمِ: ودارٌ لَهَـا بالرَّقْمَتيْنِ كأنَّها مراجعُ وشْمٍ فِي نواشِرِ معصمِ كما يشبه بعضهم الأطلال في تَجدُّدها واستمرارها بالكتابة المتجدِّدةِ، يقول (لبيد بن ربيعة العامري): وجلا السيولُ عنِ الطلولِ كأنَّها زُبُرٌ تُجِدُّ متونَها أقلامُها ويُسكنُ بعضهم الحيوانات كالغزال في الطلل لاستيفاءِ الحياةِ واستمرارِها، كقولِ (زُهيْر بنِ أبِي سُلمَى): بِها العيْنُ والآرامُ يَمشيْنَ خِلْفةً وأطلاؤُها يَنْهضْنَ من كلِّ مَجْثَمِ ذكر الصحبِ والخلاَّنِلكونِ الوقفة الطللية تُعذِّبُ النفسَ من خلال الذكريات فيستدعي ذلك الحزنَ والبكاءَ، فتحتاجُ النفسُ صاحباً يشارجها هذا المصابَ ويُعينها عليهِ، كقولِ (امرِئِ القيسِ): قِفا نبْكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل أسباب الوقوف على الأطلال[3]الحنين لديار المحبوبةالحنين الذي يشعر به الشاعر لدارالحبيب بعد أن خلت هذه الدار من الحبيب، فرؤية منازل الأحبة خالية تشعر الشاعر بالحنين والشوق. وكان لانعكاسات البيئة الصحراوية على الناس قيامهم بالترحال بحثا عن الماء والكلأ وكان يسمى الناس الذين يتجمعون في موضع اللقاء بالخليط وهنا يبدأ شعر الوقوف على الأطلال عند ابن الغدير في الخليط : إن الخليط أجد والبين فابتكروا لينة ثم ما عادوا ولا انتظروا وقال جرير : إن الخليط ولو طوعت ما بانا وقطعوا من حبال الوصل أقرانا وقال بن حري : إن الخليط أجد والبين فابتكروا وأهتاج شوقك أحداج لها زمر البعد والاشتياق والحبالبعد عن المحبوبة والاشتياق لها في دار الغربة أو موت المحبوبة. وهنا يدمج الشاعر في قصيدته مشاعر الحزن بمشاعر الشوق ولعل من أبرز انعكاسات هذه الظاهرة على الشعر الجاهلي ابتداء الشعراء قصائدهم بالوقوف على الأطلال والبكاء على الديار والاستطراد إلى وصفها وجعلوا ذلك شبه قاعدة فنية نادرا ما يخرجون عنها ومن مقدمات الوقوف على الأطلال قول زهير بن أبي سلمى: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم بحومانة الدراج فالمتثلم بها العين والأرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم. انظر أيضًاالمراجع
|