معاهدة السلام المصرية الحيثية

معاهدة السلام المصرية الحيثية

معاهدة السلام المصرية الحيثية وقعت بين الفرعون رمسيس الثاني والملك الحيثي خاتوشيلي الثالث في عام 21 من حكم رمسيس الثاني، نحو 10 نوفمبر 1259 ق م.[1] أكد كلا الحاكمين في الاتفاق على السلام بينهما واعترف كل منهما بالآخر كشريك متساوي له. وعدا بعضهما البعض بالدعم العسكري ضد التهديدات الداخلية والخارجية، كما وافقا على تسليم «اللاجئين» إلى أيدي الطرف الآخر.

لم يُتفق حتى الآن حول مدى أهمية محتوى المعاهدة أو حول معناها. خاصة في الأبحاث القديمة صُنّفت الوثيقة على أنها أقدم معاهدة دولة و‌معاهدة سلام في تاريخ العالم تساوي بين الطرفين.[2] أما الأبحاث الحديثة تُشكك في اعتبار الوثيقة اتفاقية سلام بالمعنى الحديث، وتفترض أن معاهدات سلام أخرى قد وقعت من قبلها، حتى لو لم نعثر على نصوصها.[3]

في وسائل الإعلام العامة تسود الوجهة النظرية الكلاسيكية على أنها اتفاقية سلام رائدة. من ثَم تُعرض نسخة من نص المعاهدة اليوم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

السياق التاريخي

الشرق الأوسط نحو 1400 ق.م. مصر بالأصفر، الإمبراطورية الحيثية بالأزرق، الإمبراطورية الآشورية بالأخضر.

تنافس مصر والإمبراطورية الحيثية منذ نحو النصف الثاني من القرن الرابع عشر قبل الميلاد حول الحكم في منطقة سوريا و‌فلسطين. كان تحتمس الثالث قد وسع دائرة النفوذ المصري إلى هناك. على أبعد تقدير بدأت الاشتباكات بينهن عندما غزا الملك الحيثي سابيليوليوما الأول معظم شمال سوريا. من ثَم تواجدت نزاعات حدودية عِدّة، وأيضًا علاقات دبلوماسية، كما يتضح من معاهدة كوروستاما التي سبقت معاهدة السلام،[4] ومن رسائل تل العمارنة. خصوصًا في عهد رمسيس الثاني اندلعت الصراعات العسكرية مرة أخرى، مثل معركة قادش الشهيرة عند نهر العاصي (1274 ق.م) ومعركة دابور (1271 ق.م). معاهدة سلام 1259 ق.م تمثل نهاية هذه الصراعات، بالرغم من عدم وضوح علاقة المعاهدة بهذه الأحداث التي أجريت قبلها.

وجهة النظر القديمة

سبب شعبية المعاهدة يقع في سرد شائع يروى عن تحول فذ في تفكير رمسيس الثاني وخاتوشيلي الثالث.[5] يرجع هذا السرد إلى علماء ومؤلفين القرن التاسع عشر والقرن العشرين. بحسب هذا السرد بدلاً من استمرار الصراع، كلا الحاكمين قررا التعاون مع بعضهما البعض، مع وجود فروق صغيرة في تفاصيل هذه الوجهة النظرية بين المؤلفين. بشكل عام، تعتبر المعاهدة نتيجة متأخرة لمعركة قادش، حيث لم يتمكن أي من الحاكمين على الانتصار العسكري.[6] على هذه الخلفية - وربما أيضًا استنادًا إلى تجاربهم الشخصية بالحروب - اعتقدوا المؤلفون القدماء أن الحكام كانوا بحاجة إلى السلام.[7] بينما مال مؤلفون آخرون إلى الرأي أن الهدف كان علاقة تعاون قائمة على سلام، بنفس نهج وغرض ميثاق الأمم المتحدة اليوم.[8] لذا فإن كلتا نسختي العقد (المصرية والحيثية) يقدمان الحاكم الآخر على أنه صانع سلام.[9] فبحسب هؤلاء المؤرخين نصوص العقد تعرض السلام على أنه الهدف الوحيد للصراع السابق، والذي بهذه الطريقة يظهر وكأنه حرب عادل.[10] وخصوصًا هذا السرد عن معنى وأسباب المعاهدة هو سبب تصوير المعاهدة في وسائل الإعلام العامة على أنها أقدم معاهدة سلام وأقدم معاهدة دولة في تاريخ العالم.

وجهة النظر المعاصرة

معظم علماء التاريخ المعاصرين يرفضون وجهة النظر الرومانسية لدى العلماء السابقين. بدلًا من ذلك، يناقشون دوافع مختلفة أدت إلى توقيع العقد ويفضلون التفسير بأن توجد عدة أسباب للمعاهدة وليس فقط سبب واحد. يُعد عامل أساسي لإبرام العقد زيادة نفوذ الإمبراطورية الآشورية الوسطى في عهد شلمنصر الأول الذي أدى إلى تحول ميزان القوى في المنطقة السورية، وهدد الحيثيين بصورة خاصة.[11] لذا يقال أن أرادوا معارضة الآشوريين بتحالف عسكري قوي بين مصر والحيثيين. ويفسرون العلماء المعاصرون رغبة رمسيس الثاني في المعاهدة باضطراره لصد انتفاضات ضده في الوجه القبلي من مصر وهجمات ليبية على الحدود الغربية لمصر.[12] أما رغبة خاتوشيلي الثالث في المعاهدة تُستفسَر باغتصابه لعرش الإمبراطورية الحيثية من شقيقه، لسببين. السبب الأول هو تأمين سلطته على المستوى الدولي من خلال البند 10 من العقد، والذي يلزم رمسيس الثاني بالحفاظ على سلطة وارث خاتوشيلي الثالث على عرش الإمبراطورية الحيثية.[13] السبب الثاني هو أن الملك المخلوع مورشيلي الثالث فر إلى المنفى في مناطق من سوريا تحكمها مصر. خاتوشيلي الثالث حاول الحصول على تسليمه عدة مرات دون جدوى، وهذا قد يكون سبب الاتفاقيات الخاصة بتسليم اللاجئين في البنود 11-13 من العقد.[14] بالإضافة إلى ذلك، يقال إن الإمبراطورية الحيثية عانت من تلف المحاصيل وبالتالي أصبحت تعتمد على القمح المصري.[15]

لذا فإن المؤلفات الحديثة تعتقد أن سبب إبرام العقد يقع بشكل أساسي في اعتبارات سياسية واستراتيجية. وفقًا لذلك، يتسائلون إذا من المنطقي تصنيف المعاهدة كمعاهدة سلام[16] أم إذا يستحسن تصنيفها كتحالف عسكري.[17]

تاريخ التأثير

أثرت المعاهدة على بضعة عقود فقط، لأن الإمبراطورية الحيثية انهارت بعد فترة وجيزة من إبرام العقد، وفقدت مصر أيضًا الكثير من قوتها بسبب هجمات شعوب البحر.[18] لكن ظلت العلاقات المصرية الحيثية مضمونة لفترة بعد الإبرام من خلال زواجين بين الأسرتين الحاكمتين المصرية والحيثية.[19] كما توثق عدة رسائل عثرت عليها مراسلات نشيطة بين الحكام، والرسائل تشير إلى المعاهدة عدة مرات.[20]

محتوى العقد

من خصائص العقد أن تقريبًا جميع بنوده صيغت بأسلوب متبادل فحسب. في النقوش المصرية، يتبع كل ضمان من قبل خاتوشيلي الثالث بنفس الضمان من قبل رمسيس الثاني. وفي لوح الطين الخاتوشية الترتيب هو عكس ذلك. الاستثناء الوحيد هو فيما يسمى قاعدة توريث العرش في البند العاشر، الذي يلزم رمسيس الثاني فقط، دون إلزام مماثل لخاتوشيلي الثالث.

المقدمة

يبدأ العقد بمقدمة، يُذكر فيها اسما الحاكمين ويوصف فيها العقد بأنه «معاهدة سلام وأخوة».[21]

المراجع

  1. ^ The Kingdom of the Hittites. Oxford: Oxford University Press. 1999. ص. 256. ISBN:0-19-924010-8.; Horst Klengel, Hattuschili und Ramses, Hethiter und Ägypter. Ihr langer Weg zum Frieden, Mainz 2002, S. 52; Steffen Jauß, Zur Konzeption des Vertrages zwischen Pharao Ramses II. und Großkönig Ḫattušili III. (1259 v. Chr.), in: Zeitschrift der Savigny-Stiftung für Rechtsgeschichte, Romanistische Abteilung, Band 135 (2018), S. 21–75, hier S. 25.
  2. ^ z. B. Pressemitteilung des Exzellenzclusters Religion und Politik an der Universität Münster, 23. April 2018. نسخة محفوظة 2019-12-10 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ Die sogenannte Geierstele reflektiert etwa einen den Lagaš-Umma-Krieges um 2470 v. Chr. beendenden (nicht-paritätischen) Friedensschluss, überliefert dessen Text jedoch jedenfalls nicht direkt.
  4. ^ Dietrich Sürenhagen, Forerunners of the Hattusili-Ramesses treaty, in: British Museum Studies in Ancient Egypt and Sudan, Band 6 (2006), S. 59–67, hier S. 60 ff.
  5. ^ Lanny Bell, Conflict and Reconciliation in the Ancient Middle East. The Clash of Egyptian and Hittite Chariots in Syria, and the World’s First Peace Treaty between “Superpowers”, in: Kurt A. Raaflaub (Hrsg.): War and peace in the ancient world, Malden (Massachusetts) 2006, S. 98–120, hier S. 108 f.
  6. ^ Renger، Johannes (2001). "Qadesch". Der Neue Pauly. Stuttgart. ج. 10. ISBN:3-476-01480-0.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link)
  7. ^ Die Beziehungen Ägyptens zum Ḫattireiche nach ḫattischen Quellen. ج. 72. 1918. ص. 32–64, hier S. 45.
  8. ^ International Law in Antiquity. Cambridge Studies in International and Comparative Law. Cambridge. 2001. ص. 150. ISBN:0-521-79197-9.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link); Viktor Korošec, Hethitische Staatsverträge. Ein Beitrag zu ihrer juristischen Wertung, Leipzig 1931, S. 58 f.; Katrin Schmidt, Friede durch Vertrag. Der Friedensvertrag von Kadesch von 1270 v. Chr. Der Friede des Antalkidas von 386 v. Chr. und der Friedensvertrag zwischen Byzanz und Persien von 562 n. Chr., Frankfurt a. M. 2002, S. 39.
  9. ^ Katrin Schmidt, Friede durch Vertrag. Der Friedensvertrag von Kadesch von 1270 v. Chr. Der Friede des Antalkidas von 386 v. Chr. und der Friedensvertrag zwischen Byzanz und Persien von 562 n. Chr., Frankfurt a. M. 2002, S. 38.
  10. ^ Katrin Schmidt, Friede durch Vertrag. Der Friedensvertrag von Kadesch von 1270 v. Chr. Der Friede des Antalkidas von 386 v. Chr. und der Friedensvertrag zwischen Byzanz und Persien von 562 n. Chr., Frankfurt a. M. 2002, S. 31.
  11. ^ Trevor Bryce, The 'Eternal Treaty' from the Hittite perspective, in: British Museum Studies in Ancient Egypt and Sudan, Band 6 (2006), S. 1–11, hier S. 4.
  12. ^ Steffen Jauß, Zur Konzeption des Vertrages zwischen Pharao Ramses II. und Großkönig Ḫattušili III. (1259 v. Chr.), in: Zeitschrift der Savigny-Stiftung für Rechtsgeschichte, Romanistische Abteilung, Band 135 (2018), S. 21–75, hier S. 51
  13. ^ Francis Breyer, Ägypten und Anatolien. Politische, kulturelle und sprachliche Kontakte zwischen dem Niltal und Kleinasien im 2. Jahrtausend v. Chr., Wien 2010, S. 233.
  14. ^ Horst Klengel, Hattuschili und Ramses, Hethiter und Ägypter. Ihr langer Weg zum Frieden, Mainz 2002, S. 88 f.
  15. ^ Trevor Bryce, The 'Eternal Treaty' from the Hittite perspective, in: British Museum Studies in Ancient Egypt and Sudan, Band 6 (2006), S. 1–11, hier S. 8.
  16. ^ so Steffen Jauß, Zur Konzeption des Vertrages zwischen Pharao Ramses II. und Großkönig Ḫattušili III. (1259 v. Chr.), in: Zeitschrift der Savigny-Stiftung für Rechtsgeschichte, Romanistische Abteilung, Band 135 (2018), S. 21–75, hier S. 45.
  17. ^ so Schafik Allam, Der Vertrag Ramses' II. mit dem Hethiterkönig Ḫattušili III. (nach der hieroglyphischen Inschrift im Karnak-Tempel), in: Martin Lang (Hrsg.): Staatsverträge, Völkerrecht und Diplomatie im Alten Orient und in der griechisch-römischen Antike, Wiesbaden 2010, S. 81–115, hier S. 96 mit weiteren Nachweisen.
  18. ^ Steffen Jauß, Zur Konzeption des Vertrages zwischen Pharao Ramses II. und Großkönig Ḫattušili III. (1259 v. Chr.), in: Zeitschrift der Savigny-Stiftung für Rechtsgeschichte, Romanistische Abteilung, Band 135 (2018), S. 21–75, hier S. 57.
  19. ^ Trevor Bryce, The 'Eternal Treaty' from the Hittite perspective, in: British Museum Studies in Ancient Egypt and Sudan, Band 6 (2006), S. 1–11, hier S. 10.
  20. ^ Veröffentlicht in Die ägyptisch-hethitische Korrespondenz aus Boghazköi in babylonischer und hethitischer Sprache. Abhandlungen der Rheinisch-Westfälischen Akademie der Wissenschaften. Opladen: Westdeutscher Verlag. 1994. ISBN:3531051113.
  21. ^ Elmar Edel, Der Vertrag zwischen Ramses II. von Ägypten und Hattusili III. von Hatti, Berlin 1997, S. 20 f.