مسجد الجزار
مسجد الجزار أو جامع الجزار (بالإنجليزية: El-Jazzar Mosque) يُعتبر أحد أهم المساجد الموجودة شمال فلسطين، نظراً لحجمه والفن المعماري الإسلامي الذي يُبرز مَعالمه؛ مما جَعله مَقصد المسلمين من مدينة عكا وقضائها، يعيش فيها 46 ألف نسمة، يشكل الفلسطينيين العرب منهم ما نسبته 27%، والباقي من اليهود. يقصد المسجد العديد من السياح ليتمتعوا بجمال وعظمته، ونوعية الكتابة الفاخرة لمختلف الآيات القرآنية التي تحيط بالقسم العلوي من الجدران، هو من أجمل المساجد وثاني أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى في القدس.[1] الناحية التاريخيةولد أحمد باشا الجزار في البوسنة وهو مسلم متدين وعسكري، أطلق عليه اسم الجزار بسبب وحشيته وقسوته في التعامل مع أعدائه، ويُقال إنه كان يَطوف المدينة بحبل مشنقة متنقل للقصاص الفوري من المجرمين والخارجين عن القانون. وفي عام 1776 أصبح حاكم عكا بفضل مساعدته السلطان العثماني في اخضاع ضاهر العمر، وعُين واليًا على صيدا (كما وعًُين لاحقًا واليًا على دمشق).[2] واصل الجزار المشروع العمراني الذي بدأه سلفه بقوة أكبر على طريقة المساجد الفخمة في إسطنبول (القسطنطينية)، وبالتّحديد على نسق المسجد الأزرق، على مساحةٍ واسعةٍ من الأرض وفي مكانٍ مرتفعٍ.[3] فقد بنى جامع الجزار على أنقاض جامع «يوم الجمعة» وكنيسة الصليب المقدس. وهو يعتبر أجمل جامع في البلاد بعد قبة الصخرة في القدس. كما بنى خان العمدان وأقام مساجد وخانات أخرى وحصّن أسوار المدينة، وأمرالجزار قبل وفاته بدفنه جانب المسجد. الناحية المعماريةيقع المسجد في مدخل مدينة عكا من الجهة الشمالية، بني خلال الحكم العثماني في عام 1781، ويقع في طرف المدينة القديمة لعكا من جهتها الشمالية، في حين تبلغ مساحته نحو 4 دونمات، علما أنّ الدونم يساوي 1000 متر مربع.[4] المسجد مثال ممتاز للهندسة المعمارية العثمانية، والذي تضمّن كلاً من الأساليب البيزنطية والفارسية، وعند الوصول إلى الجامع يشاهد عند مدخله (ماء سبيل) رممه سليمان باشا، وكان قد أقامه أحمد باشا الجزار. عند الصعود يوجد عدد من الدرجات، يتم الدخول إلى ساحة واسعة بعضها مبلط، كما تحتوي على أشجار السرو والنخيل العتيق. وفي مركز الساحة يشاهد بناء له قبة خضراء، وبالقرب منه بئر ماء ومزولة من الجهة الغربية، حيث دفن فيها أحمد باشا الجزار، وبجانبه خليفته سليمان باشا الذي مات سنة 1819م. لقد أتم أحمد باشا الجزار بناء المسجد سنة 1782م، أما الغرف الصغيرة الموجودة في داخل المسجد فقد كان يسكنها طلاب العلم أيام وجود المدرسة الإسلامية(حتى سنة 1948) في المسجد، أما حجارة المسجد فقد جُلبَتْ من خرائب قيسارية وعتليت، وقد تم ترميم المسجد حديثًا، يحيط بالساحة الوسطية رواق كبير كان حتى عام 1948، يشمل المدرسة الأحمدية في ركنه الجنوبي الشرقي، والمكتبة الأحمدية في ركنه الشرقي الشمالي.[5][6] تقول لجنة أمناء الوقف الإسلامي في عكا إن «مدرسة الأحمدية كانت تعتبر من أشهر المدارس في العصر العثماني وبقيت تؤدي رسالتها حتى عام 1948 حيث أغلقت أبوابها وتوقفت عائداتها الوقفية لما طرأ عليها من ظروف الحرب والاحتلال». أما المكتبة الأحمدية فكان يُطلق عليها هذا الاسم «نسبة إلى مؤسسها وموقفها أحمد باشا الجزار، وكانت من أشهر وأهم المكتبات الإسلامية في العالم لما تحتويه من مخطوطات نادرة وقيمة» يضمّ المسجد خصلة من شعر لحية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قد أهداها إلى الشيخ أسعد الشقيري عضو مجلس المبعوثان العثماني.[7] حيث يتم الاحتفاظ بها داخل المسجد في خزانة زجاجية، ويتم عرض هذه الشعرات على المصلين في ليلة القدر من كل عام فقط، حيث يراها المصلون ويتباركون بها. يمتاز المسجد بوجود أربعة أروقة جانبية، وواجهة من سبع نوافذ، وفوق كل نافذة لوحة من الرخام الأبيض مكتوب عليها آيات قرآنية وعبارات دينية. وتمتاز الكتابات فوق السبع نوافذ بألوان مختلفة يغلب عليها اللون الأزرق، كما يزيّن المسجد من الداخل جداريات من الألوان الأزرق والبني، وتكسو أرضيته ألواح رخامية متعدّدة الأشكال والألوان، كما أن المسجد مفروش بالسجاد الفارسي.[8] ويحتوي المسجد على بابين، أحدهما يدخل منه المصلون إلى قاعة الصلاة، والباب الآخر يصل إلى المئذنة، كما يضمّ المجسد «سدّة»، وهي عبارة عن مكان واسع لصلاة النساء. ويمتاز المسجد بوجود قبة خضراء نصف دائرية يبلغ قطرها نحو عشرة أمتار، ويكسو القبة ألواح من الرصاص لمنع تسرّب الرطوبة إلى داخل المسجد. وفي عام 1948 وخلال الحرب العربية الإسرائيلية تهشّمت بعض الألواح بسبب الرصاص، وهو ما جعل القائمون على المسجد يقومون ببناء السطح الخارجي للقبة من الطين والأسمنت، وتمّ طلاؤها باللون بالأخضر الغامق حتى تأخذ الشكل التاريخي، وظلت هكذا حتى عام 1994 حيث أُعيد تشييد قبة مسجد الجزار بألواح الرصاص.[8][9][10] ويوجد بالمسجد العديد من الغرف التي كانت مخصّصة للطلاب والحجاج، وكانت تُعرف باسم «المدرسة الأحمدية»، وكان يتم فيها تدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية الإسلامية مثل الفقه والحديث والتفسير. خلال العصر العثماني كانت من أشهر المدارس في تعليم العلوم الشرعية، وظلت تؤدي رسالتها الإسلامية حتى عام 1948 أو ما يُعرف بـ «عام النكبة»، حيث أغلقت أبوابها بأوامر من الاحتلال الإسرائيلي.[8][11] كما توجد المكتبة الأحمدية، وكانت من أشهر وأهم المكتبات الإسلامية في العالم، نظراً لما تتضمنه من كتب ومراجع ووثائق تاريخية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أغلق المكتبة وأحرق الكثير من الكتب في عام 1948 وخلال الحروب المتعاقبة. يوجد بالمسجد «سبيل المياه» الذي بناه الجزار، وهو عبارة عن طاسات نحاسية معلقة، بالإضافة إلى الميضأة التي تقع في وسط صحن المسجد، وتقابل مدخل المسجد مباشرة لتسهيل مرور المصلين إلى قاعة الصلاة، وتتكوّن من تسع دوائر رخامية. كما يوجد بالمسجد أيضاً «المزولة»، وهي عبارة عن ساعة شمسية تحدّد الوقت في النهار.[12] حريق المسجد عام 2016في 1 أغسطس 2016، شبت النيران في المسجد من الجهة الغربية، حيث طال مصلى النساء ومعرش قرميد غالبيته من الخشب رُمم عام 2009، لكي يخدم النساء، حيث يقوم ضريح كل من أحمد باشا الجزار وسليمان باشا. كما أدت النيران إلى تلف النوافذ الغربية في مبنى المسجد كلياً، كما أسفرت عن إتلاف الحائط الرخامي الغربي، لكن النيران لم تصل إلى داخل المسجد. أوضحت تحقيقات سلطة الإطفاء أن الحريق نجم عن تماس كهربائي.[13][14] سر الأبيات الشعرية المنقوشة على باب مسجد أحمد باشا الجزارفي مَدخل المَسجد الذَّي بُني قَبل نحو 250 عامًا نُقشت سِتة أبيات شِعرية بالرُّخام الأزرق، والتي لَطالما احتارَ الأهالي في معانيها وهوية كاتبها ومناسبتها وهدفها:[15] باكِر إذا ما ضفت ألطف جامِع جَمع البَها وإلى غَرائِبه اغتَرب واسأل إلهك أنْ يُديم وُجود مَن قَد شادَه في كُل وَقتٍ يَستجب ذاك الوزير الشَّهم أحمد مَن غَدا جَزار أعناق العَداة كَما يَجباعلان فاعكف لِذكر الله في رَوضاتِه واعمَل لِوجه اللّه فيه مُحتسب واملأ صَحائف مَن أقام أساسَهُ دومًا بِفاتحة الكِتاب ولا تَغب وإذا مَرَرت بِه تَجد تاريخَهُ فاعبُد لِربك جاءَ واسجد واقترب صاحب القصيدة هو القاضي الشيخ الفقيه يوسف بن أحمد الريماوي الهاشمي، وقد كتبها مخاطبًا ابنه الشيخ الفقيه أحمد يومًا قبيل وراثته منصب القضاء من، حيث أن الأب يحث الابن على التبكير لمسجد الجزار كي يستلم المنصب ويباشر القضاء بين الناس ومن ثم الدعاء لمن بناه.[16] وبعدها تنتقل القصيدة لذكر مناقب الجزار وتنتهي بالحث على الإخلاص في العمل، والشكر لله بالعبادة من صلاة وسجود، وهي تقول إن القضاة يخافون الله ويعلمون أن القضاء أمانة كبيرة.[16] التاريخنظام الحكم العثماني في فلسطينتعتبر فلسطين جزءًا من الدولة العثمانية، فطبق فيها النظام القانوني العثماني منذ أكثر من أربعمئة عام، واستمر حتى نهاية 1917 منتهياً بالاحتلال البريطاني للقدس. ويشير التاريخ القانوني العثماني إلى وجود فترتين أساسيتين:[17]
في العهد العثماني اهتم العثمانيون بمدينة عكا كثيرًا، ففي عهد ظاهر العمر نمت المدينة نموًا كبيرًا وقام بتعمير سورها وأبراجها وأنشأ قصرًا له وجامعًا وبني في عهده السوق الأبيض وخان الشونة. وبعد تولي أحمد باشا الجزار الولاية نقل المركز من صيدا إلى عكا وبنى لها سوران، وبعد وفاة أحمد باشا الجزار تولى سليمان باشا الولاية ليرمم الأسوار والأبراج ويجدد بناء الجامع وبنى السبيل أمام بوابة عكا.[18] العمارة في الفترة العثمانيةتأثرت العمارة العثمانية في بداياتها بالعمارة البيزنطية وعمارة.[19] تبعاً للتطورات التاريخية كانت الفترة المبكرة الأولى ما بين القرن الثالث عشر ومنتصف القرن الخامس عشر، التي سبقت فتح إسطنبول عام 1453م، والتي انتقل الحكم فيها للسلاطين وتميزت بنمو في بناء المساجد والخانات والحمامات العامة، مما أدى إلى وجود أشكال معمارية مميزة.[20][21] المسجد في زمن الانتداب البريطاني على فلسطينازداد عدد سكان المدينة بحوالي 12360 نسمة في عام 1945م، حيث لم يهتم البريطانيون بالمباني الأثرية، بالمقابل ازدادت أعداد المدارس في هذه الفترة لتصل إلى 13 مدرسة، واشتهرت المدينة في صناعة الزجاج والخزف والفسيفساء والمنسوجات والمطاحن. المسجد بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948تضررت مدينة عكا كثيرًا بعد الاحتلال الإسرائيلي فهجرها سكانها العرب في الوقت الذي تدفق فيه اليهود إلى المدينة وبدأت تنمو خارج أسوار المدينة التاريخية فأنشأت أحياء جديدة في الجهة الشرقية والشمالية والشمالية الشرقية وأنشأت منطقة صناعية في جنوب شرق المدينة والتي سميت باسم مدينة الصلب. هذا ما أدى إلى انقسام المدينة إلى جزأين:
المشاريع الصهيونية لتهويد مدينة عكا القديمةتعريف عملية التهويدهو عمليا إسكان أو إحلال اليهود في مدن وأحياء عربية وبناء مستوطنات في مناطق ذات أغلبية عربية، وهو أيضاً إضفاء طابع يهودي إسرائيلي على هذه الأماكن، أي تغيير أو طمس هويتها. الإحلال يأتي بعد التهجير المباشر أو غير المباشر في نفس البيوت، وأما الإسكان الاستيطاني فيأتي في أحياء جديدة في المدن القديمة أو بمدن ومستوطنات جديدة، بقصد التفوق الديموغرافي واستيعاب الهجرة اليهودية. مشاريع التهويد في مدينة عكابدأ التهويد منذ عام 1948، سعياً لتحويل التراث الإسلامي الفلسطيني في المدينة إلى تراث يهودي، حيث يقوم الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الأخيرة باقتراح مشاريع متعددة للتنفيذ في مدينة عكا القديمة ويظهرون اهتمامهم بالمدينة من خلال هذه المشاريع ولكن هدفهم الأساسي هو تهويد المباني الأثرية في المدينة من خلال عدة مشاريع من أهمها:[22]
يسعى اليهود من خلال احتلالهم الأراضي الفلسطينية لتهويد كل جزء منها، وخاصة التراث الحضاري الإسلامي وما يتعرض له من طمس للقضاء على هوية الأرض. معرض الصور
انظر أيضًامراجع
في كومنز صور وملفات عن Al Jazar Mosque. |