عبد الحميد الفراهي
عبدُ الحَمِيد الفَرَاهِي (1280- 1349 هـ / 1863- 1930 م) علامة مسلم هندي، تخصَّص في علوم القرآن والتفسير وتدبُّر الآيات، ومن علماء العربية وأديب شاعر، صنَّف بالعربية والأُرْدِية والفارسية والإنجليزية، وتعلم العبرية. وهو ابن خال العلامة شِبلي النعماني. ولادته وتحصيلههو حَميد الدين،[ا] أبو أحمد، عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبر بن تاج علي، الأنصاري الفَراهي.[2] وُلد في قرية (فَرِيها) من قرى مدينة أعظم كره، صباح يوم الأربعاء 6 جُمادى الآخرة 1280هـ الموافق 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 1863م. لأسرة كريمة معروفة بنسبها وعلمها ومكانتها الاجتماعية، ويُعَد أهلها من أعيان المِنطَقة ووجهائها.[3] حفظ القرآن صغيرًا وهو ابن عشر سنين، وبرع في اللغة الفارسية حتى نَظَم فيها الشعر وهو ابن ستةَ عشرَ عامًا، ثم انتقل من قريته إلى مدينة أعظم كره، واشتغل بطلب العربية وعلومها على يد ابن عمَّته شِبْلي النُّعماني (ت 1332هـ)، وكان أكبرَ منه بست سنين.[4] ثم انتقلا معًا إلى مدينة لكنو (لكناؤ) وحضر دروس العلامة الفقيه الحنفي المحدِّث أبي الحسنات عبد الحي اللَّكْنوي (ت 1304هـ)، والشيخ فضل الله بن نعمة الله الأنصاري (ت 1312هـ) وغيرهما. ثم سافر إلى لاهور للدراسة على أديب العربية العلامة الشاعر فيض الحسن السهارنفوري (ت 1304هـ) المدرِّس في الكلية الشرقية هناك، فقرأ عليه قراءة خاصة كتب الأدب العربي، منها كتابه (رياض الفيض) وهو شرح للمعلقات السبع في ثلاث لغات: العربية والفارسية والأُرْدية.[5] ثم عَرَّج على اللغة الإنجليزية والعلوم العصرية والفلسفة وهو ابنُ عشرين سنة فأتقنها.[6] والتحقَ بثانوية (كرنَل غنْج) بمدينة الله آباد، ثم بكلية عليكره الإسلامية التي صارت جامعة، واهتمَّ في الكلية بدراسة الفلسفة الحديثة، وقد أخذ الفلسفة من المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد الذي كان من أساتذته فيها. وحصل على شهادة البكالوريوس من كليتها الشرقية عام 1313هـ/ 1895م.[7] عمله ووظائفهبعد إكماله الدراسة عُيِّن عام 1314هـ/ 1896م معلمًا للعربية والفارسية بمدرسة الإسلام في مدينة كراتشي (عاصمة السِّند آنذاك)، فدرَّس فيها قرابة عشر سنين، ثم في عام 1324هـ/ 1906م عُيِّن أستاذًا مساعدًا للعربية في الكلية التي تخرَّج فيها عليكره، وكان أستاذ العربية فيها حينئذ المستشرق الألماني اليهودي جوزيف هوروفيتس، وقد أخذ عنه الفراهي اللغة العبرية، وانتفع المستشرق به في علوم العربية. وفي عام 1326هـ/ 1908م انتقل أستاذًا للعربية بجامعة الله آباد، قضى فيها ست سنوات، ثم اختارته حكومة حيدر آباد الدكن عميدًا لدار العلوم التي كانت يومئذ كلية شرقية، عام 1332هـ/ 1914م، وتولى مع الإدارة تدريس الصفوف العليا. وبقي في حيدر آباد إلى سنة 1337هـ/ 1919م حين قدَّم استقالته، وعاد إلى وطنه؛ رغبةً في التفرغ لتدبُّر القرآن الكريم.[8] لكنه تولى إدارة مدرسة الإصلاح التي أنشأتها جمعية إصلاح المسلمين في بلدة سراي مير، وهو الذي وضع فكرتها التعليمية، ورسم لها منهاجًا دراسيًّا فريدًا يختلف عن مناهج المدارس الدينية الأُخرى؛ في نظامها، وفي مقرراتها، وفي طريقة التدريس فيها. وفي السنوات الأخيرة من عمره وقف جُلَّ وقته وجهده على خدمة المدرسة ورعاية أساتذتها وطلابها، وكان يلقي عليهم دروسًا في التفسير. واختِير رئيسًا لمؤسسة دار المصنِّفين في مدينة أعظم كره، وسليمان النَّدْوي مديرًا لها، وصاحب فكرتها هو شبلي النعماني الذي توفي قبل إنشائها.[9] وكتب الفراهي وألَّف، وقرض الشعر وأنشد، ثم انقطع إلى تدبُّر القرآن ودرسه وتدريسه، وجمع علومه وفنونه، فقضَى فيه أكثر عمره حتى وفاته. وقد عانى من ملاحقة استخبارات المحتلِّ البريطاني؛ بسبب قصائده العربية التي وصف فيها عَداء الصليبيين للمسلمين، وهجومهم على بلادهم، وتحريض المسلمين على جهادهم.[10] تلاميذه وطلابهتخرَّج عليه طلاب كثيرون، من أشهرهم:
مؤلفاته وآثارهفي التأليفزادت مؤلفاته على خمسين كتابًا، طُبع منها قرابة عشرين كتابًا فقط، منها:
في الترجمة
وصدر عنه
صفاته وشمائلهوصفه السيد سليمان النَّدْوي بقوله: عبد الحميد الفراهي ترجمان القرآن، وابن تيمية العصر، الإمام الجليل الذي كانت شخصيته الجامعة بين علوم الشرق والغرب نادرة العصر، شخص واحد اجتمع فيه عالَمٌ من العلم والمعرفة، ماهر في العلوم الدينية، ناقد للعلوم العقلية، وحيدُ عصره في علوم العربية، نسيج وَحْدِه في علم القرآن، عارف بحكمته ودقائقه، كُنَيْف مُلِئَ علمًا. وذكره العلامة أبو الكلام آزاد فقال: كان حميدُ الدين الفَراهي رحمه الله من العلماء الربَّانيين الذين لا تكون بضاعتهم العلم فحسب، بل يجمعون بين العلم والعمل. ويندُر وجود أمثال هؤلاء الحائزين للشرفَين، كما لا يخفى على أهل النظر. وإني كلَّما قابلته تأثَّرت بعمله أكثرَ من علمه، فإنه كان رجلًا تقيًّا بكل معنى الكلمة. وحين اطلع العلامة السيد رشيد رضا على أجزاءٍ من تفسير الفراهي، كتب كلمة في مجلة المنار جاء فيها: إن للمؤلف الفراهي لفهمًا ثاقبًا في القرآن، وإن له فيه مذاهبَ في البيان، وإنه لكثيرُ الرجوع باللغة إلى مواردها والصدور عنها ريَّانَ من شواهدها.[19] وقال عنه الشيخ تقي الدين الهلالي: والفراهي فصيح في التكلم لغاية، نادر في علماء العرب فضلًا عن علماء الهند، سمعت منه خُطبةَ تفسيره للقرآن، اغرَورَقَت منها عيناي؛ لفصاحتها وحقيتها. وهو عارف بمسألة الخلافة محقِّق لها، لا يلتبس عليه شيءٌ من أمرها خلافًا لأهل الهند، مجتهد في العقائد والعمليات، لا ينتمي لمذهب لكنه يتعبد على مذهب الحنفية؛ لأنه نشأ عليه، ويعتقد أن الأمر في مثل ذلك سهل. ماهر في الإنجليزية والعربية والفارسية والأردية. وبالجملة فهو أعلم من لقيته قبل هذا الحين.[20] وفاتهتوفي في مدينة مثورا في إثر عملية جراحية، في 19 جُمادى الآخرة 1349هـ الموافق 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1930م، ودُفن فيها.[21] الملاحظات
المراجع
انظر أيضًا |