قِفُوا حَوْلَ هذا النَّعْش نَبْكي أَخَا وَفا
بإِخْلاصِهِ كُلُّ الخَلائِقِ تَشْهَدُ
لَقَدْ ضَمَّ هذا النَّعْشُ نَفْسًا كَريمَةً
وأُودِعَ فيهِ مِنْ سَنا الفَضْلِ فَرْقَدُ
فَتَى العَزْمِ والإِقْدامِ ما انْفَكَّ عامِلًا
يُجاهِدُ في صُنْعِ الجَميلِ وَيَجْهَدُ
نَأَى عَنْ حِمانا تارِكًا كُلَّ حَسْرَةٍ
بِكُلِّ فُؤَادٍ جَمْرُها يَتَوَقَّدُ
فَتَبًّا لِدُنْيا لَيْسَ يُؤْمَنُ شَرُّها
ولا يَعْرِفُ الإِنْسانُ ما يَجْلِبُ الغَدُ
إذا مَرَّ يَوْمٌ باسِمٌ باتَ يَحْمَدُ
فَكَمْ مَرَّ يَوْمٌ قاتِمٌ لَيْسَ يَحْمَدُ!
كَما تَبْسُمُ الأَزْهارُ حِينًا وَتَكْمُدُ
كَذا العَيْشُ يَصْفُو تارَةً، ثُمَّ يُنْكَدُ
نُوَدِّعُ ذا الوَجْهِ الذي كانَ مُشْرِقًا
وأَنْوارُهُ كُلُّ المَجالِسِ تَعْهَدُ
فَتَى الرَّادِيُو ما بالُ صَوْتِكَ خافِتًا
وكانَتْ بِهِ الآذانُ تَهْنا وَتَسْعَدُ
إذا حَلَّ خَطْبٌ كُنْتَ فِيه مُواسِيًا
تُداوِي جِراحاتِ القُلُوبِ وَتَضْمِدُ
وَكُنْتَ إذا أَنْشَدْتَ شِعْرًا بِمَحْفِلٍ
فَتَخْلُقُ فيهِ بَهْجَةً حِينَ تُنْشِدُ
كَذا كُنْتَ رُكْنًا لِلكَنيسَةِ ثابِتًا
يَزينُ سَجاياكَ التُّقَى والتَّعَبُّدُ
وكُنْتَ حَبيبَ الشَّعْبِ تَحْفَظُ وُدَّهُ
وتَبْغي لَهُ الخَيْرَ العَمِيمَ وتَقْصِدُ
فَقاسَمْتَهُ أَفْراحَهُ وغُمُومَهُ
وما يَزْرَعُ الإِنْسانُ لا شَكَّ يَحْصِدُ
تَرَكْتَ فَراغًا لا يُسَدُّ مَسَدُّهُ
فَهَيْهاتَ يُلْفَى مِثْل صَبْري ويُوجَدُ
فَلا عَجَبَ إِنْ أَصْبَحَ الحُزْنُ شامِلًا
وفي كُلِّ صَدْرٍ زَفْرَةٌ تَتَصَعَّدُ
فَما قامَ مَشْرُوعٌ مُفِيدٌ وَلم تَكُنْ
تُؤَيِّدُ قَوْلًا وفِعْلًا وَتَحْصِدُ
مَلَكْتَ قُلُوبَ النَّاسِ لُطْفًا وَرِقَّةً
فَذِكْراكَ في أَفْواهِهِمْ تَتَرَدَّدُ
وَداعًا فَحُزْني لا يَزُولُ ويَنْقَضي
ونارُ الحَشا لا تَسْتَكِنُّ وَتَخْمُدُ
مَآثِرُكَ الجُلَّى تَدُومُ عَلى المَدَى
قَلائِدُ لا تَبْلَى ولا تَتَبَدَّدُ
فَسِرْ نَحْوَ باريكَ الكَريمِ فَفي الوَرَى
سَيَبْقَى لَكَ الذِّكْرُ الحَمِيدُ المُخَلَّدُ