شردانشِردِان (بالمصرية: شردن، بالأوغاريتية: شردنّ (شردم) وترتن (ترتم)، بالأكادية ربما: ش-ير-تا–ان-نو؛ أيضًا اللامعين «شردانا» أو «شردانو») هم أحد المجموعات الإثنية العديدة التي قيل إن شعوب البحر تكونت منها، يظهرون في السجلات التاريخية والتصويرية المجزأة (المصرية القديمة والأوغاريتية) من شرق البحر المتوسط في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد. يظهرون على النقوش وهم يحملون دروعًا مستديرة ورماح أو ديركات أو سيوف، ربما من نوع ناو II. ويظهرون في بعض الحالات، وهم يرتدون الدروع والإزار، ولكن تُعتبر الخوذة ذات القرون السمة الرئيسية المميزة لهم، والتي تتميز، في جميع الحالات باستثناء ثلاث، بملحق دائري في أعلاها. يبدو درعهم في معبد رمسيس الثالث مشابهًا للدرع الذي ارتداه الفلستيون. ربما يكون سيف الشردان، الذي اقترحه علماء الآثار منذ أيام جيمس هنري برستد، قد تطور من توسيع الخناجر الأوروبية وارتبط باستغلال القصدير البوهيمي. اقترح روبرت دروس أن استخدام مجموعات مرتزقة الشردان والفلستيون هذا السلاح جعلهم قادرين على تحمل الهجمات التي تشنها العربات الحربية، ما جعلهم حلفاء قيّمين في الحرب،[1] لكن انتقد العلماء المعاصرون نظرية دروس بشدة.[2][3] المصادر التاريخية الأولىيُعتقد عمومًا أن أول ذكر معروف للشعب الذين يُطلق عليه اسم سردن-و، ويُطلق عليهم عادةً اسم شردان أو شردانا، هو الإشارة الأكادية «شي ير تا نو» في رسائل تل العمارنة من ريب حادو، حاكم (حزانو) جبيل[4] إلى الفرعون أمنحتب الثالث أو أخناتون في القرن 14 ق.م. على الرغم من الإشارة إليهم على أنهم غزاة بحريون ومرتزقة، إلا أنهم كانوا مستعدين لتقديم خدماتهم إلى أصحاب العمل المحليين، فإن تلك النصوص لا تقدم أي دليل على هذه الرابطة، ولم تسلط الضوء على وظيفة هؤلاء «شعب شردانو» في ذلك الوقت.[5][6] وبعدها عُثر على أول إشارة مؤكدة للشردان في سجلات رمسيس الثاني (حكم 1279-1213 ق.م) الذي هزمهم في عامه الثاني (1278 ق.م) عندما حاولوا الإغارة على الساحل المصري. قام الفرعون بعد ذلك بدمج العديد من هؤلاء المحاربين ضمن حرسه الشخصي.[7] يتحدث نقش رمسيس الثاني على لوحة من تانيس سجل غارة قراصنة شردان وهزيمتهم اللاحقة، وعن التهديد المستمر الذي شكلوه على سواحل مصر على البحر المتوسط:
بعد أن نجح رمسيس الثاني في هزيمة الغزاة والقبض على بعضهم، تم تصوير أسرى شردان ضمن الحرس الشخصي للفرعون، حيث ظهروا من خلال خوذاتهم ذات القرون مع كرة بارزة من الوسط، ودروعهم المستديرة وسيوف ناو الثاني العظيمة،[10] التي تم تصويرهم بها في نقوش حول معركة قادش، التي قاتلوا فيها الحثيين. ذكر رمسيس في نقوشه في قادش أنه دمج بعض الشردان في حرسه الشخصي في معركة قادش.[11] بعد سنوات هُزمت أمواج أخرى من شعوب البحر ومن ضمنهم الشردان على يد مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، ورمسيس الثالث. سجل مصري كتب حوالي 1100 ق.م مفردات أمينوب، يوثق وجود شعب الشردان في كنعان. بعد هزيمتهم أمام الفرعون رمسيس الثالث، وتم السماح لهم بالاستقرار في تلك المنطقة الخاضعة للحكم المصري إلى جانب قبائل من شعوب البحر الأخرى.[12] حدد المستشرق الإيطالي جيوفاني جاربيني المنطقة التي استوطنها الشردان بأنها تلك التي احتلها سبط زبولون الإسرائيليون الملقبون باسم «ساريد» وفقًا للكتاب المقدس، وأقامت في الجزء الشمالي من أرض كنعان.[13][14][15] ويعتقد عالم الآثار آدم زيرتال أن بعض شردان استقروا في ما يعرف الآن بشمال إسرائيل. ويفترض أن سيسرا التوراتي كان جنرالًا من شردان وأن موقع الأحواط الأثري (الذي تشبه هندسته المعمارية مواقع النوراك في سردينيا) كانت عاصمة سيسرا،[16] على الرغم من أن تلك النظرية لم تحظ بقبول واسع في المجتمع العلمي.[17] صلتهم بشعوب البحريبدو أن الشردان كانوا أحد أبرز مجموعات القراصنة التي شاركت في الغارات الساحلية وتعطيل التجارة في نحو القرن 13 ق.م. ذُكروا لأول مرة باسمهم في لوحة صان الحجر القبلية (تانيس) الثانية الخطابية لرمسيس الثاني، التي تقول في جزء منها: «بالنسبة للشردان ذو العقل المتمرد، الذين لم يستطع أحد محاربتهم قط، والذين جاؤوا بقلبِ جريء، وأبحروا في السفن الحربية من وسط البحر، لم يصمد شيء أمامهم؛ لكنه نهبهم بانتصارات قواته الباسلة، ونُقلوا إلى مصر».[18] يُحتمل أن بعض الشردان المأسورين في المعركة المسرودة في لوحة تانيس الثانية أُجبروا على الخدمة المصرية، ربما حتى كنجارين سفن أو مستشارين في التقنية البحرية، وقد يكونوا ساعدوا في هذا الدور في بناء السفن الحربية المصرية الهجينة الظاهرة في النقوش البارزة الضخمة في معبد رمسيس الثالث التي تظهر المعركة البحرية بين المصريين وشعوب البحر.[19] اقترح مايكل وود أن غاراتهم ساهمت بشكل كبير في انهيار الحضارة الموكيانية.[20] ومع ذلك، في حين يمكن رؤية بعض سمات بحر إيجه في الثقافة المادية للفلستيون، أحدى شعوب البحر التي أسست مدنًا على السهل الساحلي الجنوبي لكنعان في بداية العصر الحديدي، فإن ارتباط الشردان بهذه المنطقة الجغرافية يستند بالكامل على ارتباطهم بتلك المجموعة وظاهرة شعوب البحر بشكل كبير، بدلًا من الأدلة المادية أو الأدبية (التي تدل جميعها تقريبًا على وجودهم في مصر، بدلًا من موطنهم الأصلي).[21] الأصوللم يُعثر على أي ذكر للشردان في الأساطير أو الوثائق الحيثية أو اليونانية، ما يشير إلى أنهم لم يأتوا من أي منطقة من منطقتي النفوذ هاتين. اقترح البعض، الذين رأوا روابط اشتقاقية في أوجه التشابه بين «الشردان»، و«السردينيون»، و«شيكلش»، و«الصلقيون»، و«ترس-و» (التورشان أو التوسان) و«إتروسكان»، أن الشردان جاؤوا من غربي البحر الأبيض المتوسط؛ يعتقد آخرون (من؟) أن هذه النظرية غير مُرضية من الناحية الأثرية، بحجة وجود أدلة على أن هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى المناطق التي عاشوا فيها بعد فترة رمسيس الثالث، وليس قبل. نظرية الأصل الشرقيخلصت عالمة الآثار الإنجليزية مارغريت غويدو (1912-1994)[22] إلى أن الأدلة التي تشير إلى قدوم الشردان أو شيكلش أو تريش من غرب البحر الأبيض المتوسط هي أدلة واهية. واقترحت في 1963 أن أصل الشردان قد يعود في النهاية إلى إيونيا في وسط الساحل الغربي للأناضول، في منطقة هيرموس شرق جزيرة خيوس. وتقترح أن سارد (ساردس) وسهل سردينيا القريب قد احتفظا بذاكرة ثقافية لاسمهما. حتى وقت قريب كان يُفترض أن الاستقرار في ساردس جرى في الفترة التي تلت العصر المظلم للأناضول وبحر إيجة، لكن الحفريات الأمريكية أظهرت أن المكان قد استوطن في العصر البرونزي وكان موقعًا لعدد كبير من السكان. فإن كان الأمر كذلك، فإن الشردان توجهوا إلى جزر بحر إيجه بسبب التوسع الحثي في العصر البرونزي المتأخر، وكذلك المجاعة التي أثرت على هذه المنطقة في ذلك الوقت، فأدى نقص المساحة إلى البحث عن المغامرة والتوسع في الخارج. وتطرح غويدو أنهم من هنا ربما هاجروا لاحقًا إلى سردينيا:
وقد تحدد أن الأسلحة والدروع الوحيدة المشابهة لما هو عند الشردان التي عثر عليها في سردينيا تعود إلى عدة قرون بعد حقبة شعوب البحر، والتي غطت بشكل أساسي القرنين 13 و12 ق.م. وإذا صحت النظرية القائلة بأن الشردان انتقلوا إلى سردينيا بعد هزيمتهم على يد رمسيس الثالث حوالي 1178-1175 ق.م، فيمكن الاستدلال من ذلك على أن المكتشفات في سردينيا هي ماتبقى من أنواع سابقة من الأسلحة والدروع. ومن ناحية أخرى إذا انتقل الشردان إلى غرب البحر الأبيض المتوسط فقط في القرن التاسع، ربما ذلك كان مرتبطًا بانتقال الأتروسكان الأوائل وحتى الشعوب البحرية الفينيقية إلى غرب البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت، فإن هذا من شأنه أن يحل مشكلة الظهور المتأخر من معداتهم العسكرية في سردينيا؛ ولكن يبقى غير معروف مكان وجودهم بين حقبة شعوب البحر وظهورهم الأخير في سردينيا. نظرية الأصل الغربيرُفضت بشدة النظرية التي تفترض هجرة الشعوب من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى سردينيا خلال العصر البرونزي المتأخر من بعض علماء الآثار الإيطاليين، مثل أنطونيو تاراميلي[24] وماسيمو بالوتينو[25] وجوردون تشايلد،[26] وحديثًا جيوفاني أوجاس الذي عوضاً عن ذلك ربط الشردان بالحضارة النوراجية السردينية الأصلية.[27][28][29] لقد اكتشف عن طريق الصدفة مقبرة للمحاربين في سردينيا، حيث عُثر على العديد من السيوف والخناجر البرونزية الزرنيخية التي يعود تاريخها إلى 1600 ق.م. ويشير الاكتشاف إلى أن القبائل النوراجية استخدمت فعليًا هذا النوع من الأسلحة منذ منتصف الألفية 2 ق.م، كما يتضح من منحوتاتهم البرونزية التي يعود تاريخها إلى 1200 ق.م والتي تصور المحاربين بخوذة ذات قرون ودرع مستدير. كما تم تصوير سيوف مماثلة على تمثال مينهير من فيليتوسا في جنوب كورسيكا.[30] وأشار جيوفاني ليليو إلى أن الفترة التي ورد فيها ذكر الشردان في المصادر المصرية تتزامن مع ذروة حضارة نوراجية.[31] ووفقًا لروبرت دروز تم تشجيع سكان سردينيا من خليج كالياري والمناطق المجاورة على أن يصبحوا محاربين ومغادرة جزيرتهم من أجل تحسين ظروف حياتهم في ممالك شرق البحر الأبيض المتوسط.[32] في 2010 عثر على فخار نوراجي في كوكينوكريموس بقبرص، وهو موقع منسوب إلى شعوب البحر.[33][34] ومنذ 2008 جرى تطوير "مشروع شردانا" في كورسيكا وسردينيا برعاية مركز الدراسات جي.إف آر. شامبليون في علم المصريات والحضارة القبطية ومقره جنوة بالتعاون مع جامعة جنوة وجامعة البحر الأبيض المتوسط في تارانتو. يهدف المشروع إلى جمع أكبر عدد ممكن من البيانات المتوفرة عن ثقافة شردان داخل مصر الفرعونية وخارجها،[35] ويهدف كذلك إلى التحقق من الترابط المحتمل والاتصالات بين الشردان والثقافات المحلية لتلك الجزر من منظور متوسطي أوسع، وإعادة تقييم جميع البيانات المتاحة حول هذه الظاهرة.[36] وكذلك جرى دعم ارتباط الشردان مع نوراجيك سردينيا من سيباستيانو توسا في كتابه الأخير[37] وفي عروضه التقديمية،[38] وكارلوس روبرتو زوريا من جامعة كمبلوتنسي بمدريد.[39] وكذلك دعم الارتباط عالم الآثار القبرصي فاسوس كاراجورجيس الذي وجد فخار نوراجيك في قبرص وكتب عن دور نوراجيك في أماكن مثل مدينة تل كزل السورية:
وأصر آدم زيرتال ومن بعده بار شاي من جامعة حيفا بأن الشاردانا كانوا من قبيلة نوراجيك السردينية، وربطهم بموقع الأحواط في كنعان:-
انظر أيضًامراجع
|