ثورة دائمة
الثورة الدائمة هي الاستراتيجية التي تدعو إلى وجود طبقة ثورية تسعى وراء المصالح الخاصة بها دون تنازلات أو تحالفات مع الشرائح المجتمعية المناقضة لها. صيغ مصطلح الثورة الدائمة، على اعتباره مصطلحًا ضمن النظرية الماركسية، للمرة الأولى من قبل كارل ماركس وفريدريك إنجلز في عام 1850 تقريبًا على أقل تقدير، لكنه استُخدم منذ ذلك الوقت للإشارة إلى مفاهيم مختلفة من قبل منظرين مختلفين، يبرز من بينهم ليون تروتسكي. الثورة الدائمة لدى تروتسكي هي تأويل لإمكانية حدوث الثورات الاشتراكية ضمن مجتمعات لم تترسخ فيها الرأسمالية المتطورة. تقول نظرية تروتسكي أيضًا إن الطبقة البرجوازية في الدول الرأسمالية ذات التقدم المتأخر غير قادرة على تطوير قوى إنتاجية بشكل يتيح تحقيق نوع من الرأسمالية المتطورة يتكفل بالتطوير الكامل لطبقة بروليتارية صناعية؛ وإن البروليتاريا تستطيع –ومن ثم يجب عليها- أن تستولي على السلطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فتقود تحالفًا بينها وبين طبقة الفلاحين. كارل ماركس وفريدريك إنجلزاستخدم ماركس المصطلح للمرة الأولى في عبارته القائلة «بالاستعاضة عن الحرب الدائمة بالثورة الدائمة» التي وردت في الفقرة التالية من كتاب العائلة المقدسة (1844) التي كتب ضمنها يقول أيضًا:
في هذه الفقرة، يقول ماركس إن نابليون منع الثورة البرجوازية في فرنسا من استيفاء أهدافها؛ إذ منع القوى السياسية البرجوازية من تحقيق التعبير الكامل عن مصالحها. وفقًا لماركس، فعل نابليون ذلك عن طريق «قمع ليبرالية المجتمع البرجوازي» ولأنه «نظر إلى الدولة على اعتبارها غاية في حد ذاتها»، وتلك قيمة كانت تدعم «الهدف السياسي للفتح» الخاص به، وبذلك استعاض عن «الحرب الدائمة بالثورة الدائمة». غير أن الجملتين الأخيرتين تُظهران أن البرجوازية لم تتخلَّ عن الأمل، بل تابعت السعي خلف مصالحها. بالنسبة إلى ماركس، تستوجب الثورة الدائمة وجود طبقة ثورية (هي البرجوازية في هذه الحالة) تواظب على تمهيد الطريق لمصالحها وتحقيقها بصرف النظر عن الغلبة السياسية التي يتمتع بها أطراف لديهم مصالح مناقضة. بحلول عام 1849، بات ماركس وإنجلز قادرَين على اقتباس استخدام العبارة من قِبل كتّاب آخرين (يوجين ألكسيس شفانبك، وهو صحفي لدى صحيفة كولنيش تسايتونغ، وهنري دروي)، مشيرين بذلك إلى حصول هذه العبارة على بعض الاعتراف في الدوائر الفكرية.[2][3] خطاب اللجنة المركزية للرابطة الشيوعية في مارس 1850يُعد أشهر استخدام صاغه ماركس لعبارة الثورة الدائمة هو ذلك الذي ورد في خطاب اللجنة المركزية للرابطة الشيوعية في مارس 1850. كان جمهوره يتكون من الطبقة البروليتارية في ألمانيا،[4] إذ أطل عليهم بالمنظور الذي يقول «إن ديمقراطيي البرجوازية الصغيرة سيكتسبون تأثيرًا سائدًا في الوقت الحالي»، أي قوة سياسية مؤقتة. تحدث عن ذلك قائلًا:
في ما تبقى من النص، يلخص ماركس اقتراحه بأن تعمل البروليتاريا على «جعل الثورة ائمة». ويتطلب ذلك في جوهره أن تنتهج الطبقة العاملة منهجًا قتاليًا مستقلًا تجاه السياسة في أثناء النضال وخلاله وبعده يكون من شأنه إيصال ديمقراطيي البرجوازية الصغيرة إلى السلطة. وجوب التنظيم المستقل للبروليتارياأظهر ماركس تخوفًا من أن تسعى البرجوازية الصغيرة خلال عملية التغيير السياسي الوشيك هذه إلى «توريط العمال بتنظيم حزبي تسود فيه شعارات ديمقراطية اشتراكية عامة تكون ستارًا يخفي مصالحهم المحددة، وربما لا يمثل المطالب البروليتارية الواضحة بحجة حفظ السلم. وسيصب مثل هذا الاتحاد في مصلحتهم وحدهم وضد مصلحة البروليتاريا تمامًا. ستخسر البروليتاريا مكانتها المستقلة التي كسبتها بشق الأنفس وتتدنى مرتبتها مرة أخرى إلى مجرد ملحق بالديمقراطية البرجوازية الرسمية».[4] لخص ماركس الطريقة التي ينبغي أن ترد البروليتاريا بها على هذا التهديد، إذ قال أولًا: «قبل كل شيء آخر، يجب على الرابطة [الشيوعية] أن تعمل على إنشاء تنظيم مستقل لحزب العمال، يكون سريًا وعلنيًا في الوقت نفسه، ويحاذي الديمقراطيين الرسميين، وعلى الرابطة أيضًا أن تهدف إلى جعل كل واحدة من كميوناتها مركزًا ونواة للاتحادات العمالية يمكن فيها نقاش مكانة البروليتاريا ومصالحها مع التحرر من تأثير البرجوازية»، إذ إنه «من الضروري لهم قبل كل شيء أن يتمتعوا بتنظيم مستقل ومتمركز في المنتديات». يقول ماركس بالفعل إن إقامة «اتحاد نفعي مؤقت» يكون مباحًا إذا وفقط إذا «وجب النضال ضد عدو ما بشكل مباشر»، غير أن هذا ليس عذرًا لإقامة تحالف طويل الأمد بما أن التحالفات الطارئة ستقوم عند الحاجة على نحو مُرضٍ.[4] البرنامج السياسي للمطالب التي تهدد الإجماع البرجوازيفي مقالة كان ماركس قد نشرها قبل عامين، أشار إلى «برنامج للثورة الدائمة، للضرائب المتدرجة وضرائب الميراث، لتنظيم العمل».[5] وهذا يؤكد الانطباع أن نظرية ماركس حول الثورة الدائمة لا تتعلق بالثورة في حد ذاتها، بل تدور بالأحرى حول الموقف الذي ينبغي للطبقة الثورية أن تتبناه خلال فترة خضوعها السياسي، بما في ذلك برنامج المطالب السياسية التي ينبغي اعتزامها. سُلط الضوء على هذا الجانب ضمن خطاب اللجنة المركزية للرابطة الشيوعية. بالإضافة إلى التمهيدات للتحالف التنظيمي مع البرجوازية الصغيرة، أبدى ماركس مخاوف تجاه مساعي «رشوة العمال بصدقات مموهة إلى حد ما وكسر قوتهم الثورية من خلال جعل وضعهم يبدو لهم محتملًا». بناء على ذلك، يجب على حزب العمال أن يستخدم تنظيمه المستقل من أجل الدفع ببرنامج سياسي يهدد الوضع الراهن للبرجوازية وفقًا لما يلي: 1- يمكنهم إرغام الديمقراطيين على الإغارة على أكبر عدد ممكن من مجالات التراتبية الاجتماعية، من أجل التشويش على وظيفيّتها المعتادة وحمل ديمقراطيي البرجوازية الصغيرة على تعريض أنفسهم للخطر؛ علاوة على ذلك، يمكن للعمال فرض تمركز أكبر عدد ممكن من القوى الإنتاجية -وسائل النقل، والمصانع، والسكك الحديدية، وما إلى هنالك- في أيدي الدولة. 2- يجب على العمال دفع مقترحات الديمقراطيين إلى أقاصيها المنطقية (إذ إن الديمقراطيين سيتصرفون على أي حال وفق نهج إصلاحي لا ثوري) وتحويل هذه المقترحات إلى هجوم مباشر على الملكية الخاصة. إن اقترحت البرجوازية الصغيرة مثلًأ شراء السكك الحديدية والمصانع، يجب على العمال أن يطالبوا بمصادرة الدولة لهذه السكك الحديدية والمصانع ببساطة دون تعويضات باعتبارها ملكيات رجعيين. [...] وبذلك يتعين ضبط مطالب العمال وفقًا لمقاييس الديمقراطيين وامتيازاتهم. في هذه الفقرة، نرى كيف يعتقد ماركس أنه ينبغي للبروليتاريا رفض تلطيف مطالبها وإخضاعها لإجماع البرجوازية الصغيرة والسعي إلى تحقيق التأميم الشامل. علاوة على ذلك، ينبغي لمطالب العمال أن تسعى دائمًا إلى دفع البرجوازية نحو أبعد مما هي مستعدة لبلوغه، دون أن تشكل الثورة تهديدًا لها في الوقت نفسه. مصادر
انظر أيضاروابط إضافية
مراجع للاستزادة
ترجمة: المناضل، دار الطليعة للطباعة والنشر |