السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البحرين (2011-2013)السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البحرين خلال الفترة من 2011 إلى 2013 تعتبر مرحلة حاسمة في العلاقات الثنائية بين البلدين حيث شهدت هذه الفترة تصاعدا في التوترات الإقليمية وتأثير الأحداث السياسية داخل البحرين. تزامنت هذه الفترة مع الاحتجاجات الشعبية في البحرين في عام 2011 والتي طالبت بالإصلاحات السياسية والاجتماعية مما أثار اهتمام إيران التي اعتبرت نفسها داعما للحقوق السياسية للشيعة في البحرين. استجابت إيران لهذه الأحداث بزيادة دعمها السياسي والإعلامي للمحتجين مما أدى إلى توتر العلاقات مع الحكومة البحرينية والسعودية التي اعتبرت إيران تهديدا لأمنها القومي. كما قامت إيران بتوسيع نطاق نشاطاتها الدبلوماسية في المنطقة مما ساهم في تعقيد الأبعاد السياسية للأزمة البحرينية. المقدمةشهدت البحرين أحداثاً دراماتيكية متعددة فيما بين 2011 و2013 منها وصول موجة الربيع العربي إلى أراضيها ما أدى إلى وقوع احتجاجات في البلاد ضد النظام من قبل المعارضة وأنصارها ودخول النظام مخاضاً عسيراً لاحتواء الموقف, فضلاً عن دخول قوات درع الجزيرة الخليجية لكبح صوات المعارضة كل هذه الأحداث وغيرها استغلتها إيران لتعرية النظام البحريني وأخذت على حين غرة تسويق الحملات الإعلامية في قنواتها الدبلوماسية ووسائل أعلامها ضد النظام إذ أكدت أن طوق نجاة المعارضة يكمن في استمرار الاحتجاجات ويبدو أن قناعتها بنجاعة ذلك الأسلوب هو الحل الأمثل لانتصارها والوقوف بوجه النظام وسحب البساط من تحت قدميه إذ دفع ذلك أغلب مسؤوليها إلى التصريح في غمرة الاحتجاجات بالتهديد تارة والوعيد للنظام تارة أخرى وإذا دققنا النظر في الموقف الإيراني نجد أن العقلية الإيرانية ما زالت مشوهة وتعتقد أن البحرين جزءاً منها ويجب أن يكون لها دور في كل حدث سياسي وأمني يقع فيها ويجب أن تدلي بدلوها هذا ما يدور في أذهان الساسة الإيرانيين خصوصاً وأنهم اعترفوا في أكثر من مناسبة بذلك وفي الحقيقة فأن السياسة الإيرانية تتحرك في إطار مجموعة معقدة من الدوافع والنوايا بعضها معلنة والبعض الآخر غير معلنة. ولكن طموحاتها حيدت نتيجة تحركات النظام البحريني ومساندة دول إقليمية وعالمية له نتج عنها ضربة قوية إلى المعارضة والمحتجين وحقيقة لا يعرف مدى قسوتها إلى المعنين بالشأن السياسي ما أدى بإيران إلى التراجع عن موقفها بعد تيقنها بأن تحركات المعارضة لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة وبدأت تناغم النظام الحاكم في البحرين. الخلفية التاريخية لسياسة إيران تجاه البحرين (1979-2011)من المعروف أن الخلفية التاريخية لسياسة إيران تجاه البحرين يشوبها الكثير من التعقيدات لاسيما في العقود الأخيرة من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين إذ أن العلاقات حبيسة موجات مد وجزر وهناك أسباب ومبررات جعلت العلاقة بينهما تختلف عن كثير من العلاقات ما بين بلد وبلد آخر لأن ساسة الإيرانيين ينظرون إلى البحرين على أنها جزءاً لا يتجزأ منها وأن الشاه محمد رضا بهلوي هو الذي تنازل عنها لكي تصبح مملكة مستقلة وكثير منهم يعدون العدة وتواقون لضم البحرين إلى الأراضي الإيرانية وهذا الحلم يراودهم كثيراً لكنه صعب المنال ولا يصمد أمام الوقائع والشواهد التاريخية وتواجه طموحاتهم بالعديد من النقد والمثالب الذي ينعكس سلبا على سياسة إيران بالمنطقة. قام عدد من المسؤولين الإيرانيون بإطلاق تصريحات مثيرة منذ تأسيس الجمهورية في إيران عام 1979[1] عن تابعية البحرين لها نتيجة لذلك قامت البحرين بسلسلة من الاحتجاجات الرسمية لدى المنظمات العربية والإقليمية والدولية لوضع حد للاستفزازات وعدم إثارة التصريحات المنافية لحسن الجوار من قبل المسؤولين الإيرانيين والاعتراف باستقلال البحرين ومن هنا بدأت سلسلة من التوترات بين البلدين منذ ذلك الحين والعلاقة بين إيران وجيرانها على ضفاف الخليج العربي تمر بالعديد من الحالات المتنقلة بين التصادم والتفاهم أو بين الهبوط والصعود. وبالرغم من تحسن العلاقات الإيرانية البحرينية في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي أكد مرارا أن البحرين دولة مستقلة ذات سيادة وحرص على إلغاء مكتب حركات التحرر في وزارة الخارجية[2] إلا أن هذه العلاقات تأزمت مرة أخرى بسبب تصريحات حسين علي شريعتمداري المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي نشرته صحيفة كيهان الإيرانية في يوليو 2007 جاء فيه: "إن البحرين كانت إقليماً إيرانيا وأنها انفصلت عن إيران أثر تسوية غير قانونية بين الشاه محمد رضا بهلوي والولايات المتحدة وبريطانيا وأن المطلب الأساسي للشعب البحريني هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي"[3] وكرر عضو مجلس الشورى الإيراني داريوش قنبري المعنى نفسه في مطلع عام 2009 أمام مجلس الشورى الإيراني بحضور وزير الخارجية منوشهر متقي أمام وسائل الأعلام العالمية ذكر: "البحرين كانت قبل أربعون عاماً جزءاً من الأراضي الإيرانية وانفصلت عن طريق استفتاء مشبوه"[4] وتكرر الأمر ذاته في فبراير 2009 إذ تحدث رئيس التفتيش العام في مكتب الولي الفقيه بمدينة مشهد الإيرانية على أكبر ناطق نوري عن تبعية البحرين لإيران واصفاً إياها بأنها كانت في الأساس أحدى المحافظات الإيرانية[5] وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني الأمر الذي أثار اعتراضا واضحا في الأوساط السياسية البحرينية لاسيما على المستوى البرلماني وأخذ عدد من النواب البحرينيين بالرد على ما جاء على لسان النائب الإيراني وقال النائب محمد المزعل في رده يجب على علي داريوش قنبري أن يكف عن التبجح القومي فالشعب البحريني لا يختار غير الانتماء إلى الأمتين العربية والإسلامية وهو شعب ينظر باحترام إلى كل الشعوب الصديقة ومنها الشعب الإيراني.[6] تكررت التصريحات الإيرانية مرة أخرى ولم تتوقف عند هذا الحد وجاءت هذه المرة على لسان رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي في أبريل 2011 الذي لم تتوقف طموحاته في البحرين فقط امتدت إلى بلدان الخليج العربي فقد اعتبر: "إن اسم وملكية وعائديه الخليج الفارسي هي للإيرانيين حسب الوثائق والمستندات التاريخية والقانونية"[7] وتجددت الدعوة مرة أخرى وهذه المرة جاءت على لسان أحمد جنتي احدى شخصيات مجلس الخبراء وأحد المسؤولين الإيرانيين فقد دعا في يونيو 2011 إلى احتلال البحرين[8] وفي مايو 2012 صرح حسين علي شهرياري النائب في مجلس الشورى قائلاً: "كما تعرفون فإن البحرين محافظة إيرانية حتى عام 1971 ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه محمد رضا بهلوي والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك فإن البحرين انفصلت عن إيران"[9] وتكررت التصريحات المثيرة من قبل المسؤولين الإيرانيين إذ قال السفير الإيراني السابق في باريس صادق خرازي في استفزاز جديد بتاريخ يونيو 2012: "إذا رغبت إيران في احتلال البحرين فإن الأمر لن يستغرق بضع ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد السريع الإيرانية".[10] يبدو أن الساسة الإيرانيين يوجهون سهام تصريحاتهم الواحدة تلو الأخرى ضد البحرين وهم ينتظرون الفرصة المناسبة لتحقيق رغباتهم إذ أن أفكارهم مستوحاة من إمبراطورتيهم العتيدة وأن مثل هذه التصريحات تعد من أبياتهم السياسية المتبقية في التحاور مع بعض دول المنطقة لاسيما الخليجية منها نظراً لظروف سياسية وأمنية واقتصادية تمر بها بيد أن الواقع غير ذلك إذ تسعى دول الخليج العربي وفي مقدمتهم البحرين للجم أصوات إيران وكبح جماحها من خلال تحركات سياسية على مستوى إقليمي ودولي بمساعدة دول عدة. تطورات السياسية في البحرين عام 2011البحرين شأنها شأن الدول العربية التي طالتها موجة الربيع العربي والذي هبت نسماتها منذ مطلع عام 2011 في عدد من الدول العربية فقد ركب الشعب البحريني تلك الموجة وكانت له مطالب يروم تحقيقها منذ الوهلة الأولى للأحداث ولديه طموحات سياسية واقتصادية جعلته يخوض تجربة قاسية من نواحي عدة مع النظام وكان يأمل أن يجد آذانا صاغية لدى قيادات ذلك النظام لتحقيق رغباته لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. يذكر أن البحرين شهدت مع تصاعد الأحداث في مصر ووصول تداعيات الربيع العربي إليها أن دعا ناشطون في حقوق الإنسان إلى يوم غضب بتاريخ 14 فبراير 2011 نظمتها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي تمثل التيار الشيعي المعارض الرئيس في البحرين وبدأ الحراك الشعبي البحريني منذ ذلك مطالباً بالإصلاح المؤسسات وإعادة هيكلة النظام السياسي بهدف كسب المزيد من الحقوق المشروعة وإعادة توزيع الثروات على المواطنين بشكل متساو وإجراء تحولات جوهرية في بنية النظام السياسي القائم بما يضمن التحول إلى نظام الملكية الدستورية ويتضمن ذلك أيضا انتخاب حكومة جديدة ووضع دستور جديد وحل البرلمان المنتخب وإلغاء الصلاحيات الممنوحة لمجلس الشورى المعين وتعديل الدوائر الانتخابية القائمة والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإيقاف التجنيس السياسي. يبلغ عدد سكان البحرين بحسب احصاءات عام 2010 ما يقارب 568399 نسمة وهي أصغر الدول المكونة لمجلس التعاون الخليجي ومجتمعها هو الأكثر تعقيدا وتنوعا بين دول الخليج العربي وقد شهدت نموا سكانيا متسارعا خلال العقد الماضي خصوصا بين عمالها الأجانب ويعتقد العديد من البحرينيين الشيعة أن ارتفاع نسبة السكان نتيجة منح الجنسية للعديد من الأجانب السنة وهذا يتم على حسابهم وأن نسبتهم ما يقارب 70% من مجموع السكان و30% من السنة. غير أن هذا التوازن قد يكون تغير نتيجة سياسة التجنيس التي اتبعها النظام. كما اتخذت الحركة الاحتجاجية بعدا اقتصاديا واجتماعيا حينما طالب المحتجون برفع مستويات المعيشة وزيادة رواتب الموظفين وحل مشكلة البطالة اعتبر بعض المتابعين هذه الاحتجاجات بمثابة انتفاضة على حافة ثورة واتخذ المحتجون من دوار اللؤلؤة نقطة ارتكاز ورمزا لهم ثم سرعان ما امتدت إلى مناطق مختلفة. قاد هذه الاحتجاجات مجموعة عرفت بائتلاف شباب ثورة 14 فبراير وهم شباب متعلمون ينتمون إلى الطبقة الوسطى ولديهم معرفة واسعة باستخدام التكنولوجيا الجديدة والتعامل عبر شبكات التواصل الاجتماعي كما شاركتهم في هذه الاحتجاجات قطاعات مختلفة من المجتمع مثل المحامين والأكاديميين والصحفيين والإعلاميين والمعلمين والأطباء والطلاب وغيرهم. لقد أفاد المحتجون من تكتيكات المظاهرات التي حصلت في تونس ومصر بدءاً بإطلاق الدعوات الإعلامية ومن ثم تسير المسيرات الاحتجاجية باتجاه ميدان اللؤلؤة على اعتبار أن النجاح في السيطرة عليه والاعتصام فيه من شأنه أن يشل حركة البلاد. كما ستخدم المحتجون المسيرات بوصفها وسيلة ضغط على الحكومة والملك للاستجابة لمطالبهم إذ ينظم المحتجون ثلاث مسيرات يوميا تتحرك باتجاه مناطق حيوية في البحرين مثل باب البحرين ومبنى وزارتي الداخلية والعدل ومبنى كل من الحكومة والبرلمان إلى جانب الاعتصام المركزي المستمر. فضلت الحكومة البحرينية التعامل مع الأزمة عبر استخدام الأداة الأمنية لمواجهة المحتجين إذ دفعت بشرطة مكافحة الشغب إلى الشوارع منذ اليوم الأول للأزمة على الرغم من سلمية المظاهرات في بدايتها وقد أصدر الجيش بيانا أعلن فيه أن الهدف من الانتشار هو تأمين حرية المواطنين وممتلكاتهم من أعمال الشغب واتخاذ كافة التدابير الرادعة والصارمة لبسط النظام والأمن العام. واضح جداً بأن الحكومة في بداية الأمر كثفت من إجراءاتها الأمنية بالشكل الذي مكنها من السيطرة الكاملة على الاحتجاجات وإحكام القبضة عليها ليكون جميع تحركات المحتجين تحت أنظارها والسبب في ذلك خشيتها من تهديد النظام برمته فإن خرت الاحتجاجات عن سيطرة الأجهزة الأمنية فهذا يعني تهديداً للسلطة الحاكمة وبالتالي تغيير المعادلة لصالح المحتجين لذلك بادر النظام إلى مراقبتهم عن كثب ومتى ما أصبحوا يشكلون خطراً على الوضع السياسي والأمني ستكون الأجهزة الأمنية لهم بالمرصاد وهذا ما متوقع حصوله في قادم الأيام. بالمقابل حرص المحتجون من جانبهم على سلمية التظاهرات غير أن مقتل متظاهر في اليوم الأول ومقتل آخر خلال تشييع جنازة الأول في اليوم التالي غير المشهد رأسا على عقب ودخل موضوع القتلى كمتغير جديد على الساحة الداخلية الأمر الذي دفع الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى أن يخرج بنفسه من على شاشة تلفزيون البحرين ليبدي أسفه على ما حدث ويعلن تكوين لجنة تحقيق كما قدم وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة اعتذارا عما حدث إضافة إلى ذلك أمر ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بانسحاب القوات المسلحة وقوات الأمن وسمح بالاعتصام السلمي في دوار اللؤلؤة ودعا لحوار وطني بدون شروط وبدون سقف في 19 فبراير 2011. تعثر الحوار الذي دعا إليه ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بعد رفع سقف المطالب من قبل المحتجين وبدأ يُطرح لأول مرة في تاريخ البلاد شعار إسقاط النظام وتحويل البحرين من ملكية إلى جمهورية إذ تفاقم الصدام بين أجهزة الأمن وقوى الاحتجاج نتج عنه الاستعانة بقوات درع الجزيرة الخليجية في 14 مارس 2011 وطلب ملك البحرين من دول مجلس التعاون الخليجي وطبقا لاتفاقية الدفاع المشترك تدخل قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية في المملكة. إن التدخل الذي تم بموجب اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي الموقعة في عام 2000 والذي ينص على أنه إذا تعرض أي عضو في المجلس لاعتداء فأن ذلك يعد عدوانا على مجلس التعاون بأجمله. اتخذ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عدة إجراءات بعد ازدياد زخم الاحتجاجات فأصدر مرسوماً بتوسيع صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتشمل مكافحة الإرهاب بحسب ما جاء في البيان وامتدت الحملة الأمنية المسبقة لتشمل الإنترنت أيضا فصرح وزير الدولة لشؤون الاتصالات الشيخ فواز بن محمد آل خليفة بنية الحكومة وضع ضوابط على برامج الاتصال الصوتي مثل سكايب وفايبر إلى جانب ذلك طالبت الحكومة البحرينية من مجلس النواب تمرير حزمة من الإجراءات لردع ما تسميه بالإرهاب فاستجاب مجلس النواب وأصدر عدة قرارات في جلسة استثنائية منها إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها وتشديد العقوبات المفروضة على جميع جرائم العنف والإرهاب وتجفيف كافة مصادرها فضلاً عن منع الاعتصامات والمسيرات والتجمهر في العاصمة المنامة كذلك التلويح بإعادة فرض حالة الطوارئ وأيضاً تنبيه سفراء الدول الأجنبية بعدم التدخل في الشأن المحلي وتفعيل وتشديد الإجراءات القانونية ضد كل من يسيء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأخيراً عدم شمول المتورطين في أعمال إرهابية بأي عفو ملكي. استمرت الاحتجاجات طول مدة عامها الأول إذ أظهرت رؤى الحكومة لتغيير أداء جهاز الأمن في التعامل مع قوى الاحتجاج حيث أقال الملك حمد بن عيسى آل خليفة رئيس جهاز الأمن الوطني الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة وعين بدلا منه عادل خليفة الفاضل كما تعاقدت وزارة الداخلية مع خبراء دوليين في مجال إصلاح جهاز الأمن وعلى الرغم من بعض الجهود الحكومية التي أعطت انطباعا بإمكانية وأد الاحتجاجات وتراجعها إلا أنها لم تعالج الأزمة السياسية بشكل نهائي إذ حتى استمرت عام 2012 لكن ليس بزخم عامها الأول وقد يعود ذلك إلى كثافة انتشار القوات الأمنية في مختلف أنحاء البحرين. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت الاحتجاجات عام 2013 ونتيجة للتوتر الأمني على خلفية بعض التفجيرات (شهد شهر أبريل 2013 قبیل موعد انطلاق سباق الفورمولا واحد بأسابيع انفجرت عبوة أنبوبية محلية الصنع على عدد من رجال الأمن وأصيب ثلاثة منهم بجروح بليغة وتكررت الحالة مرة أخرى في منتصف أغسطس من العام نفسه وخلفت بعضها ضحايا في صفوف رجال الأمن ثم انفجرت سيارة ملغومة أمام مسجد لم تسفر عن أي أضرار بشرية اتهمت السلطة المعارضة وعلى رأسها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بالضلوع في دعم الإرهاب وبسبب تلك الأحداث قامت السلطات البحرينية بضم ثلاث جماعات إلى لائحة الإرهاب وهي ائتلاف شباب 14 فبراير ومجموعتان أخريان مجهولتان تحت اسم سرايا الأشتر وسرايا المقاومة وعلى صعيد قضائي آخر قررت محكمة الاستئناف حل جمعية العمل الإسلامي الممثلة للتيار الشيرازي الذي يعد امتدادًا للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين بعد أن رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد الجمعية لارتكابها مخالفات بحسب أدعاء الحكومة. عمل المحتجون والمعارضة بكافة إمكانياتهم لإحداث تغيير على المستوى السياسي في البلاد وبذلوا قصار جهدهم ولكن ذلك لم يشفع لهم بأحداث التغيير الذي كانوا يصبون إليه بسبب ردة فعل النظام الذي بعثت بسيل من الرسائل والتهديدات للمحتجين والمعارضة للكف من تحركاتها لكن المحتجين والمعارضة كانوا يطمحون لأحداث تغيير جذري على المستوى السياسي وبعدما خرج الوضع عن سيطرة النظام واحتدم الجدل بين الطرفان وبعد دق ناقوس الخطر استعانت الأخيرة بقوات درع الجزيرة لفرض الأمن وكبح جماح المعارضة لاسيما وأن تلك القوات تنظر بازدراء إلى المحتجين باعتبارهم يهددون النظام والسلم الأهلي في البحرين وهكذا نجحت النظام بفرض هيمنته على المعارضة والمحتجين وكان له ما أراد. الموقف الإيراني تجاه أحداث البحرين (2011-2013)إن الموقف الإيراني من أحداث البحرين كان واضحا منذ الوهلة الأولى لانطلاق الاحتجاجات وقوفهم إلى جانب المحتجين والمعارضة في مطالبهم ولا يمكن فصل الموقف الإيراني عن الخلفية التاريخية في علاقتهم من النظام في البحرين لاسيما وأن الدولة الأخيرة لها تأثير كبير في وجدان الساسة الإيرانيين بحكم العلاقات الثنائية القديمة بينهما فضلاً عن التلاعب بمشاعر بعض شيعة البحرين على اعتبار أنها تناصرهم وتقف إلى جانبهم في محنتهم وهذا واضح وجلي في خطابات الساسة الإيرانيين لاسيما وأن تلك الخطابات تعد من أدبيات السياسة الخارجية الإيرانية للتأثير على مشاعر الشيعة في العالم العربي. تأزمت علاقة إيران مع الدول العربية بعد اندلاع الربيع العربي عام 2011 ووصلت إلى وضع حرج وأصبح الطرفان يتبادل الاتهامات من دون توقف حيث وصلت الخلافات بين حكومات الدول العربية وإيران أوجها بسبب أحداث خطيرة في البحرين ولم يعد يقتصر على تبادل الاتهامات فقط بل وصل إلى حد التهديد بالتدخل العسكري من كلا الطرفين. لطالما سعى المسؤولون في الجمهورية الإسلامية إلى ركوب موجة الثورات العربية خصوصاً في دول الجوار وأن تصادر تلك الثورات لصالحها فايران تزعم أن رياح التغيير التي هبت مستنسخة من ثورتها وتظهر عودة روح الصحوة الإسلامية للمنطقة على حد تعبير المسؤولين الإيرانيين. إن السياسيين الإيرانيين لاسيما رجال الدين منهم ومنذ نزوتهم على الحكم يراودهم حلم تصدير ثورتهم إلى دول المنطقة وأن يفرضوا هيمنتهم عليها ولكن بمرور الأعوام تبخرت جميع تلك الأحلام التي طالما تغنوا بها كشف ذلك ادعاؤهم ومواقفهم المزدوجة فهم يتحركون على وفق مصالحهم وليس على أساس متبناتهم وأفكارهم الثورية لذلك تجدهم يناصرون شعب ضد النظام أو نظام ضد الشعب بما تقتضيه تلك المصلحة وموقفهم من ثورات الربيع العربي خير دليل على ذلك. لم تقف إيران بثقلها وراء أي تظاهرات أو احتجاجات كما فعلت مع احتجاجات البحرين التي وجدت فيها مجالا خصبا لتغيير المعادلة السياسية فيها لتحقيق مكاسب استراتيجية في المنطقة من شأنها أن تقلب الكثير من الموازين الإقليمية إذ لم تتردد في تأييد الاحتجاجات والدفاع عنها وتأكيد شرعية مطالبها وتوجيه إدانة شديد اللهجة للنظام البحريني متهمة إياه بالإجرام وسفك الدماء وإتهام وسائل الإعلام العربية والعالمية بالانتقائية في تغطية الثورات العربية عبر اهمالها لأحداث البحرين وتصوير الأزمة على أنها مواجهة بين أغلبية شيعية محرومة من حقوقها السياسية وفئة سنية صغيرة تسيطر على مقاليد الحكم والتنديد بالتدخل الخليجي من خلال إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين إذ هدد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأن إيران لو تدخلت فستغير خريطة المنطقة كذلك كان لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني موقف فذكر في 19 مارس 2011 بأن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه القمع في البحرين. بدا الموقف الإيراني الرسمي والشعبي واضحا في تأييد هذه الاحتجاجات والدفاع عنها وتأكيد شرعية مطالبها ومع أن الموقف الإيراني كان مؤيدا للثورات الشعبية في مصر وتونس واليمن وليبيا إلا أن تأييد الاحتجاجات الشعبية في البحرين اتخذ طابعا تصعيديا مختلفا سواء على صعيد اللغة المستخدمة من قبل المتحدثين الإيرانيين أو على صعيد الإجراءات التي اتخذت بهذا الخصوص وأكدت على خصوصية الظلم الذي يتعرض له شعب البحرين وخصوصا أن ثورته تعرضت لإهمال إعلامي من قبل وسائل الإعلام المعادية حسب الرؤية الإيرانية. مع تزايد التوتر دعت الحكومة البحرينية دول مجلس التعاون الخليجي إلى تقديم الدعم العسكري لها من خلال قوات درع الجزيرة وقد سارعت السعودية إلى أرسال تلك القوات وعقب وصول قوات درع الجزيرة للبحرين يوم 14 مارس 2011 حدث تحول ملحوظ في محتوى وطبيعة البيانات الصحفية والتصريحات التي صدرت عن مسؤولين الإيرانيين إذ انتقدوا ذلك الفعل وحذروا من تداعياته ومن أنه سيؤثر على الاستقرار والأمن الإقليمي وصرح الولي الفقيه علي خامنئي: "إن المملكة العربية السعودية ارتكبت خطأ بإرسال قواتها إلى البحرين لأن هذا يغضب الدول الإسلامية" وأسرد قائلاً: "إن انتصار شعب البحرين لا مفر منه" وفي 16 مارس 2011 ندد الرئيس الإيراني الأسبق محمد أحمدي نجاد بوصول قوات درع الجزيرة للبحرين في 18 مارس 2011 صرح علي لاريجاني أن: "أن المجازر بحق شعب البحرين لن تنسى أبدا" كما وصف مساعد قائد القوات الجوبة الإيرانية الأحداث التي وقعت في البحرين بأنها مذبحة وقال: "أن الجيش العربي السعودي سوف يندم على ارتكابه هذه المجازر". وشنت إيران حملة إعلامية شديدة ضد القرار الخليجي بأرسال قوات درع الجزيرة وما أعقبه من قمع للاحتجاجات في دوار اللؤلؤة ومستشفى السلمانية وغيرها من مواقع التظاهرات وتنفيذ حملة دبلوماسية لحض الدول الإسلامية على حماية الشعب البحريني ورفض التدخل الخليجي في الأزمة وشن سياسيو إيران هجوما شديداً على موقف علماء السعودية الذين أيدوا موقف حكومة البحرين إذ رأت إيران فيه دعوة لإراقة دماء المسلمين من قبل علماء مزيفين وفي الوقت ذاته قام أعضاء مجلس الشورى والبالغ عددهم 257 عضواً بإصدار بيان دعوا فيه المتظاهرين البحرينيين بالتحرك لإسقاط نظام الحكم في بلادهم وأشار البيان أيضا إلى إرسال السعودية قوات عسكرية لما سماه البيان لمساعدة في قمع الشعب البحريني والذي اعتبره غير مشروع كما حذر البيان من عواقب تدخل القوات العسكرية السعودية ووصف هذا الأمر بالاحتلال العسكري وطالب القوات السعودية بالخروج الفوري من الأراضي البحرينية ولم تقتصر ردود الأفعال الإيرانية على هذا فحسب بل ركزت قناة العالم الفضائية الإخبارية الحكومية الناطقة باللغة العربية في مجمل نشاطها وتغطيتها الإعلامية على الشأن البحريني ومن جهة أخرى قامت مجموعة من أعضاء الباسيج بالتظاهر أمام السفارة السعودية في طهران وأمام القنصلية السعودية في مدينة مشهد شمال غرب إيران إذ قام بعض المتظاهرين بإلقاء الزجاجات الحارقة على مبنى القنصلية ورددوا شعارات معادية للحكام العرب الأمر الذي أثار ردود فعل منددة من قبل المسؤولين السعوديين. على الرغم من التهديدات الإيرانية المتكررة بالتدخل في الأزمة البحرينية إلا أن رد الفعل الخليجي المتشدد تجاه إيران وحرص الأخيرة على مصالحها من خلال تجنب أسلوب المواجهة المباشرة غير مضمونا النتائج دفع طهران إلى محاولة احتواء التوتر المتصاعد في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي بهدف الحيلولة من دون تكريس الاستقطاب الخليجية ضدها والنأي بنفسها عن صفة الدولة الطائفية من خلال إسقاط البعض للبعد المذهبي لتفسير السلوك الإيراني تجاه ما يحدث في البحرين. لقد قرأت الحكومة البحرينية ومؤيدوها في الداخل والخارج الموقف الإيراني من الأوضاع في البحرين على أنه يستند إلى أسس طائفية وقد نفت إيران ذلك على لسان أكثر من متحدث رسمي وأكدت أن موقفها الثابت هو دعم الشعوب في مواجهة المستكبرين والوقوف إلى جانب جميع الشعوب المستضعفة في العالم على حد قول على خامنئي. عملت إيران منذ انطلاق الاحتجاجات في البحرين على الرمي بنقلها إلى جانب المحتجين بغية الظفر بشيء من استعطاف الرأي العام البحريني والعربي إلى جانبها وزادت من إصرارها بعد تدخل قوات درع الجزيرة لكن وبعد أن أدركت صعوبة تحقيق المحتجين لمطالبهم تراجعت عن موقفها وأخذت تناغم السلطات من خلال تغيير خطابها الذي كانت تلقيه من خلال مسؤوليها وأعلامها وبدأت بترطيب الأجواء بخطاب أقل استفزازاً لدول الخليج العربي ومنها البحرين واتبعت سياسة براغماتية تحفل بقليل من النقاء الأيديولوجي وبما تقتضيه مصلحتها بالدرجة الأولى. الخاتمةإن الموقع الجغرافي للبحرين الذي يتوسط دول الخليج العربي وقريب جداً من المنطقة الشرقية في السعودية التي يقطنها مواطنون يدينون بنفس المذهب المعلن للنظام الإيراني آثار حفيظة إيران والمبرر من ذلك حتى تحقق مبتغاها في إيجاد من يسمع صوتها وينفذ أوامرها من بين سكان الخليج العربي فضلاً عن أنها تمني النفس في قيام نظام يواليها بهذه المنقطة ويحقق طموحاتها وفرض إرادتها على بعض مناطق الضفة الأخرى للخليج العربي بعد سطوتها على جهتها بشكل تام لاسيما وهي تعد دول الخليج العربي مصدراً يهدد أمنها القومي بفعل علاقته بالغرب لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك قواعد عسكرية متطورة على أرض الخليج العربي وهذه القواعد دائمة التهديد لها بحسب الرؤية الإيرانية. إن ماضي البحرين التاريخي والذي يعتقد الإيرانيون أنها جزء من أرض بلاد فارس وأن الشاه محمد رضا بهلوي هو الذي تنازل عنها ما زال عالقاً في أذهانهم ويمنون النفس بإعادتها إلى أحضان طهران. بعد دخول نسمات الربيع العربي إلى البحرين حاول الساسة الإيرانيون استغلال هذه الظروف والمتغيرات فأطلقوا الوعد والوعيد للنظام البحريني إذا لم يستجيب للمعارضة وأصوات المحتجين وبدأوا يلعبون على الوتر الطائفي على اعتبار أن من يتصدر المعارضة يدينون للمذهب الرسمي للنظام الإيراني وبدأت قنواتهم الإعلامية لاسيما الناطقة بالعربية منها بتحريض المحتجين البحرينيين على النظام ونقل أخبار الاحتجاجات بهدف إيصال صوت المعارضة إلى الخارج وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد أولها كسب ود المعارضة واستعطافها إليها وثانيها تعرية النظام البحريني بسبب قسوة التنكيل بالمعارضة والمحتجين. إن المعارضة والمحتجين نتيجة سياسة طهران إزائهم قد شجعهم أن يخوضوا غمار النزال أمام النظام وكانوا يعتقدون أنهم في مأمن في حال تعرضهم للاضطهاد باعتبار أن هناك دولة قوية ستقف إلى جانبهم وتحقق ما كانوا يحلمون به ولكن ذلك أدى إلى انتقام النظام البحريني منهم من خلال دعوة قوات درع الجزيرة إلى البحرين للانقضاض على الاحتجاجات ما رسم أبعاداً مأساوية بفعل ضراوة التنكيل بهم وتشتيتهم بطرق عسكرية مقيتة واضطهادهم من دون أن تحرك طهران ساكنا على أرض الواقع. بعد أن استطاع النظام البحريني من خمد الاحتجاجات بالقوة آنذاك بدأت إيران بالزيغ عن سياستها السابقة واتبعت سياسة أخرى بما يضمن تحقيق مصالحها من خلال تجسير علاقتها مع بعض دول الخليج العربي وتناست وعودها للمحتجين والمعارضة. مصادر
|