التصرفات المالية للمصاب بفيروس كورونا في القانون المدني البحريني

التصرفات المالية للأفراد المصابين بفيروس كورونا في إطار القانون المدني البحريني في سياق الأبعاد القانونية والاجتماعية الناتجة عن الجائحة حيث يعتبر فيروس كورونا المستجد أزمة صحية عالمية أثرت بشكل كبير على مختلف جوانب الحياة بما في ذلك الجوانب المالية والقانونية للأفراد.[1]

يستعرض القانون المدني البحريني كيفية التعامل مع الأفراد المصابين بفيروس كورونا من حيث حقوقهم المالية والتزاماتهم بما في ذلك آثار الحجر الصحي وتأثير المرض على القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية. كما يتناول الموضوع قضايا مثل القوة القاهرة والإفلاس وحقوق المستهلك وكيفية تطبيق القوانين واللوائح ذات الصلة في ضوء الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة.

المقدمة

لا يخفى على أحد ما سببه انتشار وباء فايروس كورونا من هلع وخوف بين الناس ورغم أن نسبة الوفاة الناجمة عن الإصابة بهذا الفايروس لا تتعدى 2% من مجموع الإصابات كما تشير الإحصائيات فإن مجرد الإصابة به تثير لدى المصاب الإحساس بدنو أجله واليأس من الشفاء، وذلك نظرا لعدم اكتشاف لقاح لحد اللحظة من شأنه الوقاية الفعلية والمؤكدة من الإصابة به، ولعدم أيضاً توفر دواء ثبت علمياً قدرته على العلاج منه. وقد يدفع هذا الأمر من تم تشخيص إصابته بالفايروس إلى الأقدام على بعض التصرفات القانونية في أمواله والتي ما كانت لتصدر منه في وقت صحته سواء أكان تصرفه بها معاوضة أم تبرعاً.[2]

وهنا قد نكون أمام فرضين فإما أن يشفى المصاب من المرض ويرغب في العدول عما رتبه على أمواله من حقوق للغير، وإما أن تتسبب الإصابة بوفاته فيدعي ورثته أو دائنيه عدم صحة التصرف الذي أقدم عليه مورثهم أو مدينهم، والتساؤل يثار في كلا الفرضين عن الحكم القانوني لتصرفات المصاب بفايروس كورونا.[3]

لا شك أن فايروس كورونا بات الكابوس الذي يؤرق جفون البشرية جمعاء، وأن تشخيص الإصابة به هو الخبر الذي يخشى سماعه كل إنسان على وجه البسيطة اليوم فقد أثر هذا الفايروس غير المرئي بالعين المجردة في كل نواحي الحياة، وتسبب في تقييد حرية الإنسان على وجه لم يعهده من قبل، لهذا منذ أن انتشر هذا الوباء حتى عكف الباحثون وكل في مجاله على البحث في أحد جوانبه وانعكاساته الصحية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، والبحث في الحكم القانوني للتصرفات المالية للمصاب بفيروس كورونا يمثل أحد انعكاسات الفايروس على الجانب القانوني.[4]

أثر شفاء أو وفاة المصاب بفايروس كورونا على تصرفاته المالية

يشعر الإنسان بعد تشخيص إصابته بفايروس كورونا بدنو أجله، ويختلف تأثير هذا الإحساس من شخص لآخر، فهناك من يصبح زاهداً في الحياة متذكراً لآخرته فيقدم على التبرع بأمواله ويسعى إلى وفاء ما للغير من حقوق بذمته، في حين يفكر ثان بضرورة التنعم بأمواله حال حياته فيقدم على بيع كل ما يملك لأول راغب بالشراء وبثمن بخس بهدف حرمان ورثته من الانتفاع بها بعد موته، وقد يخشى آخرون من بعدهم ذرية ضعافاً أن يضيعوا فيقدموا على التصرف بأموالهم لهم على نحو لربما لن ينتهجوه في حال صحتهم. والجدير ذكره أن موت المصاب بفايروس كورونا ليس حتمياً بل الغالب أن يشفى المصاب ويتخلص من تأثير هذا الإحساس فيرغب في العدول عما أقدم عليه من تصرف في أمواله، وفي بعض الأحيان قد يتسبب الفايروس بوفاته بالفعل فيطعن المتضررين من ورثته أو دائنيه بصحة تصرفاته.[5]

أثر شفاء المصاب بفايروس كورونا على تصرفاته المالية

الشفاء من فايروس كورونا هو الاحتمال الأكبر، فالإحصائيات تشير إلى أن معظم المصابين بفايروس كورونا يتعافون منه. ولكن السؤال الهام الذي قد يثار ماذا لو تماثل المصاب بفايروس كورونا للشفاء ويرغب في العدول عما أقدم عليه من تصرفات في أمواله، فهل يحق له ذلك؟

ابتداء لا بد من القول بأنه وفي غير أحوال الإقالة (المادة 148 من القانون المدني البحريني والتي جاء فيها: أ- للمتعاقدين أن يتقابلا العقد برضائهما بعد انعقاده، ما بقي المعقود عليه قائما وموجودا في يد أحدهما ب فإذا هلك أو تلف أو حصل التصرف للغير في بعض المعقود عليه جازت الإقالة في الباقي منه يقدر حصته من العوض) فإنه لا سبيل أمام من يرغب بالعدول عن التصرف القانوني الذي أقدم عليه سوى أثبات وجود خلل في انعقاده وذلك إما لتخلف أحد أركانه أو لعدم استيفاء أحد هذه الأركان لشروطه، ومتى ما استطاع إثبات ذلك توصل إلى بطلان التصرف وتحلل من آثاره. ولم يعرف المشرع البحريني العقد الباطل بل اكتفى ببيان أثره في المادة 118 من القانون المدني البحريني والتي جاء فيها: "العقد الباطل لا ينتج أي أثر ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك ببطلانه وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يزول البطلان بالإجازة ولا تسمع دعوى البطلان بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ إبرام العقد". وبالتالي فإن الأمر يستوجب أولا البحث في تأثير الإصابة بفايروس كورونا على أركان التصرف الذي أقدم عليه المصاب به أو على أحد شروط هذه الأركان.[6]

والحقيقة طالما كان التصرف الذي أقدم عليه المصاب بفايروس كورونا مستوف لأركانه صحيحاً من حيث نشأته وانعقاده، فلا يمكن القول بعد ذلك بأنه تصرف باطل بطلاناً مطلقاً، لمجرد أن أحد أطرافه مصاب بالفايروس.[7]

ومع ذلك فلابد لنا من وقفة عند ركن السبب، فقد يقوم في الذهن تساؤل عن مدى توافر شرط وجود السبب في تصرف من شفي من الإصابة بالفايروس، وألا يعد توهم دنو الموت هو السبب في تصرفه وهل انتفاء الوفاة يعني معه انتفاء وجود السبب فيبطل تصرفه؟

للإجابة عن هذا التساؤل فإن المادة 136 من القانون المدني البحريني تشترط في ركن السبب أن يكون موجوداً ومشروعاً (حيث جاء في المادة 136 من القانون المدني البحريني ما نصه: "إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب، كان العقد باطلا")، وقد يكون تحقق شرط وجود السبب محل ريبة، فربما يقال إن توهم دنو الأجل هو السبب الحقيقي للتصرف وحيث أنه انتفى فلم يعد للسبب وجود، لكنه قول يرد عليه بأن وجود السبب متحقق ويتمثل بالحصول على المقابل المادي في المعاوضات وبنية التبرع في التبرعات، أما توهم دنو الاجل فيدخل ضمن شرط مشروعية السبب وهو الباعث النفسي للمتصرف ولا يمكن القدح في مشروعية هذا الباعث لعدم مخالفته للنظام العام أو الآداب، وهكذا فلا مجال للتمسك بالبطلان المطلق للتصرف الذي أقدم عليه المصاب بفايروس كورونا.[8]

ولكن بالرجوع إلى ركن التراضي نجده مفتقراً لشرط الصحة هذا الشرط الذي يقتضي أن تكون إرادة المتصرف خالية من العيوب، وأن أحكام الغلط في القانون المدني البحريني يمكن أن تسعف المصاب بفايروس كورونا بأن توصله إلى إبطال التصرف انطلاقاً من أن إرادته كانت مشوبة بهذا العيب، ذلك أن المادة 84 من القانون المدني البحريني جاءت بصياغة تسمح باستيعاب هذا التفسير، حيث نصت على أنه: "إذا وقع المتعاقد في غلط دفعه إلى ارتضاء العقد، بحيث أنه لولا وقوعه فيه لما صدر عنه الرضاء، جاز له أن يطلب إبطال هذا العقد، بشرط أن يكون المتعاقد الآخر قد وقع معه في هذا الغلط بدون تأثير منه كان من الممكن تداركه، أو كان علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه". واستكمالاً لهذا النص جاءت المادة 85 والتي نصت على أنه: "في التبرعات، يجوز طلب إبطال العقد، دون اعتبار لمشاركة المتعاقد الآخر في الغلط أو علمه بحصوله".[9]

فبموجب هذين النصين يمكن القول إن إرادة المصاب بفايروس كورونا كانت مشوبة بعيب الغلط لحظة اقدامه على التصرف، وبالتالي يستطيع المصاب بعد تعافيه ومن خلال التمسك بأحكام الغلط أن يصل إلى إبطال تصرفه، بعد أن يثبت مجموعة من الشروط تختلف حسب طبيعة التصرف كونه معاوضة أم تبرعاً:

ففي المعاوضات ينبغي لإبطالها ما يلي:

  • أن يثبت من يتمسك بالإبطال أنه وقع في غلط جوهري بصورته المتمثلة بالغلط في الباعث الذي دفعه للتصرف.
  • وأن يثبت أيضاً أن من تصرف له كان مشتركاً معه بالغلط أو كان عالماً به أو كان من السهل عليه أن يتبينه.

ويتحقق هذا الأمر بإثبات المتصرف أن المتصرف له كان هو الآخر يظن أن المتصرف مصاباً بالفايروس وأنه حتماً سيموت وهذا ما دفعه للتصرف بأمواله، أو أن المتصرف له كان يعلم بأن إصابة المتصرف بالفايروس لن تؤدي حتما إلى وفاته ولكنه تركه متوهماً بأنه سيموت أثر الفايروس حتى يمضي قدماً في تصرفه، أو أن المتصرف له كان بإمكانه أن يعلم بإمكانية شفاء المتصرف من الفايروس ولكنه تركه يظن أنه لن يشفى أبداً. هذا بالطبع في حال أصيب المتصرف بالفيروس وتعافى منه، أما في حال وقوع المتصرف في غلط إصابته بالفايروس وهو غير مصاب به في الأصل وقام بالتصرف في أمواله معاوضة فلابد له أن يثبت هنا حتى يبطل التصرف أن المتصرف إليه كان هو الآخر يظن أن المتصرف مصاباً بالفايروس وهذا ما دفعه للتصرف بأمواله، أو أن المتصرف له كان يعلم بعدم إصابة المتصرف ولكنه تركه متوهماً حتى يمضي قدماً في تصرفه، أو أن المتصرف له كان بإمكانه أن يعلم بعدم إصابة المتصرف بالفايروس ولكنه تركه يظن أنه مصاب به.[10]

أما التبرعات فيكفي فيها أن يثبت من يتمسك بإبطالها ما يلي:

  • أنه وقع في غلط دون الحاجة لإثبات أن المتبرع له كان مشتركاً معه في الغلط أو كان عالماً به أو كان من السهل عليه أن يتبينه.
  • فمتى ما تكونت القناعة لدى القاضي بأن هذه الشروط متحققة قضى بإبطال التصرف.

ولهذا نجد أن الصياغة التشريعية لأحكام الغلط في القانون المدني البحريني جاءت أكثر شمولاً.

وبهذا ننتهي إلى القول إن التصرف الذي أبرمه المصاب بفايروس كورونا صحيح في الأصل ولا سبيل أمام من أقدم عليه في حالة رغبته في العدول عنه سوى التمسك بأحكام الغلط التي من شأنها متى ما ثبتت أن تؤدي إلى تخلصه من أثر التصرف.

أثر وفاة المصاب بفايروس كورونا على تصرفاته المالية

إذا ما تحققت الوفاة وتوفي المصاب بفايروس كورونا جراء إصابته به وكان قد تصرف بأمواله في الفترة التي تسبق وفاته ففي هذه الحالة لن يكون أمام الورثة المعترضين على تصرف مورثهم أو الدائنين المتضررين من تصرف مدينهم من سبيل سوى التمسك بأن مورثهم أو مدينهم قد أقدم على التصرف وهو في مرض الموت، والبحث في هذه المسألة يقتضي منا معرفة مدى إمكانية عد الإصابة بفايروس كورونا من قبيل الإصابة بمرض الموت ومن ثم معرفة حكم تصرفاته فيما لو ثبت له هذا الوصف.

إن البحث فيما إذا كانت الإصابة بفايروس كورونا تعد من قبيل الإصابة بمرض الموت يقتضي منا الوقوف عند حقيقة مرض الموت ومدى انطباق شروط الأخير على الأول، وفي هذا الصدد نجد أن المشرع البحريني لم يضع تعريفاً لمرض الموت واقتصر على بيان القواعد العامة التي تحكم تصرفات المريض مرض الموت، مما يقتضي الرجوع الى الشريعة الإسلامية عملا بأحكام الفقرة (ب) من المادة الأولى من القانون المدني البحريني. فقد نصت الفقرة (ب) من المادة الأولى من القانون المدني البحريني على أنه: "فإذا لم يوجد نص تشريعي يحكم به القاضي، حكم بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية مستهدياً بأصلح الآراء فيها بالنظر لواقع البلد وأحوالها".

وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز البحرينية بأن عدم وجود نص تشريعي يسري على واقعة الدعوى بشأن الضوابط المقررة في تحديد مرض الموت مؤداه وجوب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليها.

وبالرجوع إلى الشريعة الاسلامية نجد أن كلمة الفقهاء المسلمين لم تتفق على تعريف مرض الموت وتفسيره حيث اختلفوا في تحديد علاماته وإماراته، إلا أن المادة 1595 من مجلة الأحكام العدلية عرفت مرض الموت بأنه: "المرض الذي يخاف فيه الموت في الأكثر، والذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من الاناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة، صاحب فراش كان أو لم يكن، وإن امتد مرضه دائماً على حال ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرف الصحيح، مالم يشتد مرضه ويتغير حاله، فلو اشتد مرضه وتغير حاله ومات بعد حاله اعتباراً من وقت التغيير إلى الوفاة مرض موت".

وقد أستقر جمهور الفقهاء على أن مرض الموت لا يتحقق إلا باجتماع شروط ثلاثة وهي:

  1. أن يقعد المرض المريض عن قضاء مصالحه: لا يكون المرض مرض موت إلا إذا أقعد المريض عن قضاء مصالحه، أي جعله عاجزاً عن العمل وعن مباشرة مصالحه العادية المألوفة على وجه الدوام أو الاستمرار وهذا لا يعني بالضرورة أن يلزم المريض الفراش، فالمرض قد لا يلزمه الفراش ولكنه يكون في أي من هاتين الحالتين عاجزاً عن قضاء مصالحه، وعلى العكس من ذلك فإن المريض إذا كان عاجزاً عن قضاء مصالحه لسبب غير المرض مثل اتسام العمل بالمشقة أو الصعوبة فإن حالته لا تدخل في عداد مرض الموت.
  2. أن يغلب في ذلك المرض وقوع الموت: لا يكفي في المرض الذي يعد مرض موت أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه، وإنما يشترط إلى جانب ذلك أن يغلب فيه خوف الموت فيكون مرضاً ينتهي عادة بالموت.
  3. أن ينتهي بالموت فعلاً خلال مدة محددة: أما الشرط الأخير من شروط تحقق مرض الموت فهو أن ينتهي المرض بالموت فعلاً خلال مدة محددة اتفق الفقه على تحديدها بسنة من تاريخ حصول المرض، ولو لم يكن الموت بسبب المرض بل من حادث آخر كقتل أو حريق، وذلك لأن المريض وقت أن تصرف كان يشعر بدنو أجله وأنه لو لم يمت بهذا السبب العارض لمات بسبب المرض.

وقد قضت محكمة التمييز البحرينية بأن مرض الموت وفقاً لأحكام الشريعة الاسلامية، مناطه أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك وأن ينتهي بوفاة المريض، وأن استطالة المرض لأكثر من سنة يدل على عدم اعتباره مرض موت مهما كانت خطورته وتكون تصرفات المريض في هذه الفترة صحيحة والاستثناء هو تزايد فترة استطالة المرض واشتداد وطأتها.

وبالرجوع إلى الشروط التي وضعها الفقهاء المسلمون والتي أخذت بها محكمة التمييز البحرينية، والنظر في مدى إمكانية إعمالها على المصاب بفايروس كورونا، نجد ما يلي:

أن الشرط الأول متحقق بوضوح، فمجرد تشخيص الإصابة بالفايروس يقعد المصاب عن قضاء مصالحه، رغم أنه قد يكون سليماً بدنياً وقادراً على الحركة.

كما أن الشرط الأخير متحقق أيضاً ذلك أن مجريات الأمور على أرض الواقع، منذ أن تم ظهور الوباء إلى يومنا هذا، تشير إلى أن الوفاة إذا حصلت فإن ما يفصلها عن الإصابة أيام أو أسابيع معدودة ولن تتجاوز السنة بكل الأحوال.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة للشرط الثاني، والذي يتمثل بأن يغلب الهلاك في ذلك المرض، فكما سبق وأن بينا فإن هذا المرض على الرغم مما يثيره من هلع وخوف في نفوس البشرية جمعاء من أدنى الأرض لأقصاها بالنظر لانتشاره بطرق تجعل الوقاية منه أمر في غاية الصعوبة، فإن الهلاك به لا يتعدى 2% من نسبة المصابين، مما يعني أنه مرض لا يغلب فيه الهلاك، ولكن فإن عدم تحقق هذا الشرط لا يجب أن يقف حائلاً دون عند الإصابة بفايروس كورونا من قبيل مرض الموت؛ ذلك لأن العبرة بما يحدثه في نفس المصاب به من احساس بأن أجله قد اقترب، وهذه هي الغاية الحقيقية التي تدور في فلكها فكرة مرض الموت، ومن جهة أخرى إذا كان التثبت من تحقق شرط غلبة الهلاك في مرض الموت أمر علمي يعود تقديره للخبراء المختصين، فإن التثبت من تحقق هذا الشرط بالنسبة لفايروس كورونا أمر يجب أن يترك تقديره للقضاء، الذي يمكنه أن يأخذ في نظر الاعتبار عمر المصاب وحالته الصحية، وذلك لأن نسب الوفاة الناجمة عن الإصابة بفايروس كورونا تتناسب طردياً مع أعمار المصابين به وما يعانونه من أمراض صحية مزمنة سابقة على الإصابة بالفايروس.

وهكذا فإن الإصابة بفايروس كورونا يمكن أن تعد من قبيل الإصابة بمرض الموت، وبالتالي يفترض أن تأخذ التصرفات القانونية التي يقوم بها المصاب بهذا الفايروس بعد ثبوت إصابته حكم تصرفات المريض بمرض الموت.

أحكام تصرفات المصاب بفايروس كورونا بعد وفاته

إذا أفلح ورثة المتصرف أو دائنيه في إثبات صدور تصرف مورثهم بعد إصابته بفايروس كورونا فإن حكم هذا التصرف سوف يختلف تبعاً لنوع التصرف، وفي هذا الصدد يلاحظ أن الفقهاء المسلمين تطرقوا لأحكام العديد من أنواع التصرفات التي تصدر من المريض مرض الموت، كما ميزوا بين حكم تصرفه لوارث عنه فيما لو كان التصرف لغير وارث، حيث اكتفى المشرع البحريني بالنص على حكم بيع المريض مرض الموت ووفائه لديونه واحكام تبرعاته، وعليه فإن حكم هذه التصرفات من خلال أربعة مطالب وذلك على النحو الآتي:

وفاء المصاب بفايروس كورونا لديونه

إذا تمثل التصرف الذي أقدم عليه المصاب بفايروس كورونا بوفاء دين في ذمته للغير ثم توفي نتيجة إصابته بالفايروس فتمسك بقية دائنيه بعدم صحة الوفاء الصادر عنه لغيرهم من الدائنين ونجحوا في إثبات إصابته بالمرض عند وفائه للدين فإن نتيجة دعواهم سوف يحكمها نص المادة 316 من القانون المدني البحريني والتي جاء فيها: "...... وإذا أوفى المدين بدين بعض الدائنين وهو في مرض موته وكان ماله لا يسع الوفاء بجميع ديونه فأدى الوفاء بالدين إلى الإضرار ببقية الدائنين فإن الوفاء لا ينفذ في حق هؤلاء الباقين". وبموجبها فإن قضاء المريض ديون بعض دائنيه دون غيرهم لا يخلو من أحد احتمالين:

  1. أن تكون أموال التركة كافية للوفاء بكافة الديون، ففي هذه الحالة يكون وفاءه الأحد المدينين نافذاً ولا حق لبقية الدائنين في الاعتراض عليه.
  2. ألا تكون أموال التركة كافية للوفاء بجميع ديونه، فإن لهؤلاء الدائنون التمسك بعدم نفاذ الوفاء في حقهم.

بيوع المصاب بفايروس كورونا

إذا تمثل التصرف الذي أقدم عليه المصاب بفايروس كورونا ببيع شيء يملكه للغير ثم توفي نتيجة إصابته بالفايروس فقد يكون بيعه إما بمحاباة أو بثمن المثل، فإذا أدعى ورثته أن تصرفه كان فيه محاباة فإن هذا البيع سوف يكون محكوم بنص المادة 447 من القانون المدني البحريني والتي جاء فيها:

  • تسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة 911.
  • ومع ذلك لا تسري هذه الأحكام إضرارا بالغير حسن النية، إذا كان هذا الغير قد كسب بعوض حقا عينيا على المبيع.

وبالعودة لنص المادة 911 نجدها تنص على الآتي:

  • كل تصرف قانوني يصدر من شخص في مرض الموت بقصد التبرع يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية.
  • وعلى ورثة المتصرف أن يثبتوا أن التصرف تم من المورث وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق.
  • وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع، ما لم يثبت العكس.

وعليه فإن الخطوة الأولى تبدأ بالدعوى التي يقيمها ورثة المتوفى للطعن في التصرف القانوني الصادر من مورثهم، بدعوى أنه كان قد صدر منه وهو في مرض الموت، الأمر الذي يلقي عليهم عبء اثبات أن مورثهم كان مصاباً بمرض الموت بالشروط التي سبق بيانها، وإثبات إصابة المورث بمرض الموت تعد مسألة واقع لا مسألة قانون، وبالتالي يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات. وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز البحرينية بأن تقدير قيام مرض الموت من مسائل الواقع استقلال محكمة الموضوع به شرطه إقامة قضاءها على أسباب سائغة.

فلا يقع على الورثة عبء إثبات أن البيع الذي صدر من مورثهم كان على سبيل التبرع، وإنما عليهم أن يثبتوا أن تصرف مورثهم قد صدر في مرض موته، فيكون إثبات هذه الواقعة المادية وحدها قرينة على أنه صدر على سبيل التبرع، فنكون في هذه الحالة أمام ما يمكن أن نطلق عليه التحول القانوني للعقد.

فإذا أفلح الورثة في إثبات إصابة مورثهم بمرض الموت، وبأن التصرف القانوني قد صدر منه وهو في مرض موته، فقد عد المشرع ذلك قرينة على أن التصرف يعد من قبيل التبرع، ولكنها قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها، وبالتالي تسري على هذا التصرف أحكام الوصية فلا تنفذ إلا في حدود الثلث.

ولكن يلاحظ أن المشرع قد قيد تطبيق المادة 911 بشرط عدم الإضرار بالغير الذي اكتسب حقاً عينياً على الشيء محل التصرف معاوضة وبحسن نية.

فإذا كان المورث قد باع وهو في مرض موته عقاراً للغير، ثم قام الغير بدوره ببيع هذا العقار لمشتر ثان، فإن تمسك الورثة بأن هذا البيع قد حصل من مورثهم في مرض موته لغرض إعمال أحكام الوصية عليه، سوف يصطدم بحق المشتري الثاني الذي تلقى حقه على العقار معاوضة، متى ما كان هذا المشتري حسن النية لا يعلم بأن المتصرف الأول كان قد تصرف وهو في مرض موته، ففي هذه الحالة لا يكون أمام الورثة سوى مطالبة من تلقى الحق من مورثهم بقيمة العقار بالقدر الذي يزيد فيه الثمن عن ثلث أموال المورث.

ويلاحظ أن المشرع البحريني كان أكثر تفصيلاً ووضوحاً في بيان حكم هذه الحالة ذلك أن النص البحريني جاء شاملاً لجميع التصرفات القانونية ولم يقصرها على التصرفات الناقلة للملكية فقط.

تبرعات المصاب بفايروس كورونا

عالجت المادة 911 من القانون المدني البحريني التي سبق بيانها حكم التصرفات الواردة من المريض مرض الموت على سبيل التبرع، وبموجب هذه المادة فإن التصرف الصادر من المورث إذا جاء على سبيل التبرع فإنه يأخذ حكم الوصية بحكم القانون انطلاقاً من فكرة التحول القانوني للعقد، ويسري عليه ما سبق بيانه من أحكام. ويلاحظ أن التبرع الصادر من المريض إذا كان للطاقم الطبي المعالج فإنه في بعض القوانين بعد باطلا بشكل مطلق المادة 909 من القانون المدني الفرنسي والتي تعتبر تبرع المريض لطبيبه المعالج والطاقم الطبي باطل.

ولكن يثار في هذا الصدد تساؤل هو: ماذا لو كان التصرف الصادر من المريض مرض الموت تبرعاً، ثم قام المتبرع له بترتيب حقاً عينياً للغير معاوضة وبحسن نية؟

للإجابة عن هذا التساؤل نجد أن المشرع أورد قيداً على تطبيق أحكام المادة 911 متمثلاً بالحالة التي يكون من شأن تطبيقها الإضرار بالغير حسن النية، إذا كان هذا الغير قد كسب بعوض حقاً عينياً على المبيع، فهذا القيد ورد على الحالة التي يكون فيها تصرف المريض مرض الموت بيعاً فقط ولم يرد بشأن التبرعات، والحقيقة إن موقف المشرع هذا محل استغراب، فالغير الذي تلقى الحق معاوضة وبحسن نية لا علاقة له بتكييف حق سلفه على الشيء، مشترياً سلفه كان أم متبرعاً له، خاصة وأن تصرف المورث لا يمكن القدح في صحته، ولم يعده المشرع باطلاً وإنما أعطاه وصفاً قانونياً مختلفاً عن الوصف الذي أطلقه عليه طرفاه.

وخلاصة القول إن القيد الوارد في الفقرة ب من المادة 447 على تصرف المريض مرض الموت بالبيع ينبغي أن يشمل أحكام المادة 911 عندما يتصرف المورث تبرعاً ويقيد تطبيقها بشكل مطلق بصرف النظر عن نوع التصرف الصادر من المريض مرض الموت، سواء أكان تصرفه معاوضة أم تبرعاً، تحقيقاً للعدل وحفاظاً على استقرار المعاملات.

ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن المشرع البحريني لم ينظم حكم وصية المريض مرض الموت كما فعلت بعض التشريعات والحقيقة أن في موقفه الصواب ذلك أن الوصية سواء أكانت في حالة الصحة أم المرض فإن حكمها لن يتغير ولا محل للقول بأن تأكيد ضمان حقوق الدائنين يستوجب تنظيمها بنص بها كما ذهب رأي من الفقه ذلك أن حقوق الدائنين من الحقوق المتعلقة بالتركة والتي تقدم على حقوق الموصى لهم فلن تتأثر حقوق الدائنين بوجود الوصية بأي شكل من الأشكال.

الإقرار الصادر من المصاب بفايروس كورونا

الإقرار هو عمل قانوني صادر من جانب واحد يتضمن اعتراف الشخص عن ثبوت حق للغير على نفسه سواء أكان الإقرار بدين أم بعين، وسواء أكان المقر له وارثاً للمقر أم غير وارث له.

ولم ينظم المشرع البحريني حكم إقرار المريض مرض الموت. ولا شك أن المشرع البحريني بحاجة إلى أن يستكمل التنظيم القانوني الخاص بتصرفات المريض مرض الموت بأن ينظم حكم إقراره سواء وقع هذا الإقرار على سبيل التمليك أم الإخبار.

الخاتمة

تشخيص الإصابة بفايروس كورونا لها انعكاسات نفسية خطيرة على الإنسان لما تثير فيه من إحساس بدنو أجله واليأس من الحياة فتدفعه إلى الإقدام على بعض التصرفات التي ما كان ليقوم به في حالة معافاته، فإذا ما شفي المريض وتعافى من مرضه وأراد العدول عن التصرف القانوني الذي أقدم عليه فلا سبيل أمامه سوى التمسك بأحكام الغلط وذلك بأن يثبت أنه أقدم على التصرف بإرادة مشوبة بعيب الغلط في الباعث.

على الرغم من أن الإصابة بفايروس كورونا لا يغلب فيها الهلاك وبالتالي تفتقر الأحد الشروط التي استقر الفقهاء على وجوب توفرها في مرض موت ألا وهو أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك، إلا أننا انتهينا إلى أن عدم تحقق هذا الشرط لا يجب أن يقف حائلاً دون عد الإصابة بفايروس كورونا من قبيل مرض الموت، ذلك لأن العبرة بما يحدثه في نفس المصاب به من إحساس بأن أجله قد اقترب، وهذه هي الغاية الحقيقية التي تدور في فلكها فكرة مرض الموت، ومن جهة أخرى إذا كان التثبت من تحقق شرط غلبة الهلاك في مرض الموت أمر علمي يعود تقديره للخبراء المختصين، فإن التثبت من تحقق هذا الشرط بالنسبة الفايروس كورونا أمر يجب أن يترك تقديره للقضاء، الذي يمكنه أن يأخذ بنظر الاعتبار عمر المصاب وحالته الصحية، بالنظر لأن نسب الوفاة الناجمة عن الإصابة بفايروس كورونا تتناسب طردياً مع أعمار المصابين به وما يعانونه من أمراض صحية مزمنة سابقة على الإصابة بالفايروس. وبالتالي فإن الإصابة بفايروس كورونا يمكن أن تعد من قبيل الإصابة بمرض الموت ويفترض أن تأخذ التصرفات القانونية التي يقوم بها المصاب بهذا الفايروس بعد ثبوت اصابته حكم تصرفات المريض بمرض الموت.

نظم المشرع البحريني حكم بيع المريض مرض الموت والتبرعات الصادرة منه وحكم وفائه لديون بعض الدائنين.

لم ينظم المشرع البحريني أحكام وصية المريض مرض الموت وحسناً فعلا، وذلك لأن الوصية سواء كانت في حالة الصحة أم المرض فإن حكمها لن يتغير، ولا خوف منها على حقوق الدائنين والذين لن تتأثر حقوقهم بوجود الوصية بأي شكل من الاشكال.

مصادر

  1. ^ "الحكم القانوني للتصرفات المالية للمصاب بفايروس كورونا "دراسة مقارنة بين القانون المدني البحريني والقانون المدني العراقي"".
  2. ^ "الوجيز في العقود المدنية البيع، الإيجار، المقاولة".
  3. ^ "حقوق الغير في العقود المالية في الفقه الإسلامي والقانون المدني".
  4. ^ "أحكام الوصية والميراث والوقف في الشريعة الإسلامية".
  5. ^ "مصادر الإلتزام سمير عبد السيد تناغو".
  6. ^ "كتاب الفتاوى العالمكيرية = الفتاوى الهندية".
  7. ^ "كتب مصادر الإلتزام دراسة مقارنة".
  8. ^ "شرح احكام قانون الاثبات المدني".
  9. ^ "الوسيط في شرح القانون المدني / عبد الرزاق السنهوري ؛ تحديث وتنقيح أحمد مدحت المراغي".
  10. ^ "نظرية العقد و الإرادة المنفردة: دراسة معمقة و مقارنة بالفكر الإسلامي".